ليفربول توتنهام… تعيس الحظ و”الثالثة الثابتة”

تحليل- محمد عصام

الحتمية، هذه اللفظة الأقرب لإنجاز ليفربول بالأمس، إنجاز كلوب تحديداً، المشروع الذي بدأ منذ ما يقرب من أربع سنوات، خاض نهائي يوروباليج، ونهائي كأس الرابطة، ثم مر بنهائي دوري أبطال قبل أن يصل إلى هنا.

لا تعني الحتمية أن ليفربول قدم أداءً مذهلاً ليلة الأمس، على النقيض، فقد قدم واحدة من أضعف مبارياته فنياً هذا الموسم، لكن ربما هذا هو ما يعطي الأمر رونقاً خاصاً، أنه تم في آخر خطواته على طريقة التضحية، والإرادة البحتة، ما أضفى المزيد من صبغة “كلوب” عليه.

البعض يعتبر أن هذه البطولة كانت قارب النجاة الأخير، قبل دق مسمار في نعش مشروع الريدز، وهو افتراض جائر للغاية، لأن هذا المشروع أكبر من اللقب، ومقدر له الاستمرار حتى لو لم يحالفه التوفيق ليلة الأمس.

دائماً يعود، عاد من أنقاض نهائي العام الماضي ليحقق اللقب، وتحدث كلوب بعد فقدان لقب الدوري لصالح السيتزنز بأنه “يشفق” عمن يعتقد أن هذه نهاية الفريق، لأنه سينهض ويحاول مجدداً العام القادم، هذا الفريق لايعرف الاستسلام، وتلك هي الصورة الأكبر والأهم الممثلة فيه.

في الجانب الآخر، لم يكن بوكتينيو أقل تأهباً، الرجل الذي يحتفظ بوعاء من الليمون في مكتبه لطرد الطاقة السلبية، ويؤمن تماماً بتأثير القوة النفسية، وقامت إعداداته قبل النهائي على الارتقاء بهذا الجانب، بداية من جلسات جماعية تحث على ترابط الفريق، إلى تحديات أكثر جنوناً كالخطو على الفحم الملتهب، وتحطيم رؤوس الأسهم بالأعناق.

انطلقت المواجهة، وباحت بأول أسرارها باكراً، قبل أن يستعرض أي من المعلقين التشكيلة كاملة، أو يستجمع أي المدربين قطع الشطرنج الخاصة به، ففي لقطة عشوائية ساذجة، وقاسية، حصل ليفربول على ركلة جزاء سددها محمد صلاح بنجاح، كل ذلك قبل نهاية الدقيقة الثانية.

الوضع الأقرب للمثالي بالنسبة لأبناء كلوب، لديهم ما يدافعون عنه الآن، ويحمل عنهم حرج فن المبادرة الذي لا يتقنونه.

في الحقيقة لم يكن الوضع أسوأ بالنسبة للسبيرز، الكارثة المتوقعة بتقدم ليفربول حدثت باكراً، فلم يعد هناك ما يخسره، ولم تظهر أعراض انهيار كارثية، بل وضحت معالم التحضير النفسي المميز لبوكتينو على فريقه.

في الحقيقة لم يكن هذا مشهداً غريباً عليهم، فتوتنهام لم يخرج متقدماً في الشوط الأول في أي مباراة من التشامبيونزليج هذا الموسم، ناهيك عن رحلة الجنون التي خاضوها من ربع النهائي حتى وصلوا إلى مدريد.

لكن يبدو أن بئر الجنون قد جف، فدخلت المباراة مرحلة هدنة طويلة في الشوط الأول، انتهت بكونه الشوط الأقل دقة تمرير في جميع أشواط البطولة، وظهر من خلاله خطأ كلوب وبوكتينيو بإشراك كلاً من فيرمينيو وكين أساسيين، لكن القرار كان خارج إطار طبي، بل لعلاقة بين كلوب وفيرمينيو، تماثلها بين بوكتينيو وكين.

ورغم افتقاد ليفربول للإبهار، تضاعفت آثار أخطاء بوكتينيو بعد الهدف، فاعتماد ايريكسن خلف المهاجمين بدلاً من النزول لمساندة وسط الفريق في الخروج من فخ الضغط أنتج عطلاً في ديناميكية الفريق تحت ضغط الريدز الشهير، خصوصاً مع ضعف الحارس هيوجو لوريس في التوزيع.

أضف إلى ذلك أن إشراك كين أساسياً وضعه في مأزق الاحتفاظ به، فالتأخر في النتيجة يعني أن الفريق سيحتاج جميع أسلحته الهجومية مع تقدم المباراة في عمرها، أي أنه سيحتاج لإضافة المزيد من الحطب إلى شعلته الهجومية، لا الإنقاص منها.

لم يستسلم توتنهام، ودخل الشوط الثانِ بشكل مغاير، مع تعديل بالتحول من 4-2-2-2 إلى 4-2-3-1، بنقل هيونج سون مين إلى اليمين، وآلي يساراً، ونزول إيريكسن بكثافة أكبر إلى مناطقه.

ضغط الفريق اللندني، وخانته قرارات لاعبيه في الثلث الآخير من الملعب، ورد كلوب بسحب فيرمينيو قبل انقضاء ساعة من المواجهة، وإشراك تميمة الحظ “أوريجي”، ثم رمى بكارت “جيمس ميلنر” ليحسن التعامل مع ضغط توتنهام، بدلاً من فينالدوم الذي عانى في عملية الحيازة والسيطرة.

أمسك توتنهام بزمام الأمور، وتفوق في الاستحواذ وتدوير الكرات بالمقارنة بالخصم، حتى أن هاري وينكس سجل 44 تمريرة دقيقة، بالمقارنة ب12 تمريرة صحيحة من قرينه فاينالدوم، رغم تبديل اللاعبين في دقائق متقاربة.

جاءت المجازفات الهجومية تباعاً بإشراك كلا من لوكاس مورا، وفيرناندو يورينتي على حساب هاري وينكس وديلي آلي، لكن ظل توتنهام فاقداً لحدة معينة امتلكها خصمه، الريدز الذي سدد، ووضع عرضيات في مناطق خطيرة كلما سنحت الفرصة، الفريق الذي صنع بالقليل المتاح التهديد الأكبر.

جاءت رصاصة الرحمة بأقدام أوريجي قبل النهاية بثلاث دقائق، أدرك بعدها الجميع أن ليفربول قد حصد السادسة، وأن المباراة قد كتبت نهايتها.

حكاية كلوب التي بدأت بمواجهة ضد توتنهام في الدوري انتهت بتعادل سلبي، ووصلت حالياً لأهم محطاتها، ليرفع الفريق الذي أراد الدوري لقب التشامبيونزليج، وينهي موسمه بالطريقة الأمثل، مع تزايد التساؤلات حول مستقبل بوكتينيو تعيس الحظ مع توتنهام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى