الأرجنتين كولومبيا.. رقصة تانجو بلا إيقاع

تحليل- محمد عصام

ملعب “آرينا فونتي نوفا” في باهيا، هذا الاستاد الذي شهد رأسية فان بيرسي ضد إسبانيا في 2014، والتي صكتها هولندا على طوابع بريدها، هنا بالذات أقيمت مباراة القمة في المجموعة الثانية، بين المرشَّحين الأوفر حظوظاً على الورق.

كوبا أمريكا الخلاص، عنوان رحلة الأرجنتين في هذه المنافسة، أربعة نهائيات يخسرها المنتخب منذ عام 2007، آخر نسختين من البطولة يسقط بالركلات الترجيحية، الضغوطات أكبر على منتخب بلاد الفضة، والبطولة على أرض الغريم الأزلي حيث تبدو صافرات الاستهجان في الملعب كأن الأرجنتين وحدها من تلعب خارج أراضيها،
لكن السؤال، هل هذه الطموحات واقعية؟

الإجابة المختصرة هي قطعاً لا، والبداية تراها من تشكيلة الفريقين، كولومبيا دخلت بتشكيل يحوي سبعة لاعبين أساسيين من كأس العالم السابقة، نفس أسلوب اللعب، وذات النمط الخططي، حتى تغيير مركز كودرادو من الجناح إلى لاعب وسط مستمر، هناك قالب واضح يسير عليه أبناء كارلوس كيروش.

أما “الطامحون” فهم في طور بناء، أو ترميم إن صح التعبير، مواهب شابة أمثال “لوسيلسو ، باريديس” تأخذ فرصتها، أظهرة جديدة، أجنحة جديدة، ناهيك عن عملية التبدل المستمرة في ربان السفينة، العمود الوحيد الذي يحول بينهم وبين سقوط السماء عليهم هو “ليونيل ميسي”.

لذلك قبل الجوانب الفنية، الواجب معالجة تلك الذريعة النفسية وقت الخسارة، والتي تستخدمها الصحافة بإلحاح في كل بطولة، وعقب كل سقوط.

اعتمد كيروش على مزيج بين خطة 4-1-4-1 و 4-4-2، بهدف إعطاء المساحة والحرية لنجمه خاميس ردوريجيز للتجول خلف ثنائي هجومي “فالكاو-لويس مورييل”، بينما دخل سكالوني بخطة 4-4-2 تقليدية، بجدارين بشريين خلف أجويرو وميسي.

رغم الرتابة التي سار عليها الشوط الأول، كان جلياً الفارق بين المنتخبين، كولومبيا أكثر نظاماً في حالة تطبيق الضغط على دفاعات الأرجنتين، أسرع في الارتداد، أكثر ترابطاً.

بينما الأرجنتين كفرقة موسيقية يلعب كل منهم نغمة مختلفة، الفريق الأبطأ في الفعل، والأبطأ في رد الفعل، تلك علامات فاضحة لانعدام التجانس، والحاجة لوقت أطول بين تلك المجموعة لم تمتلكه الأرجنتين قبل البطولة.

لم تتفوق كولومبيا أو تكتسح مجريات المباراة، ولكن كانت أمام خصم سهّل المهمة عليها كثيراً، هجوم الأرجنتين لا يجيد تطبيق الضغط، أو مضايقة قلبي دفاع كولومبيا، ودفاعه لا يحسن الخروج بالهجمات، ويقع فريسة لأبسط ضغط يطبقه أصدقاء خاميس رودريجيز، وبينهما منظومة لا تجيد الضغط كمجموعة، أو الدفاع كوحدة واحدة.

الألبيسيلستي وكأنهم حاسوب مبرمج بلغة الصفر والواحد، تمريرات، فخ ضغط، لا خيارات متاحة، تمريرة طولية تطرح سؤال من الأطول بين ميسي أجويرو، ودافنسيون سانشيز ييري مينا، والإجابة واحدة تتكرر.

أرسلت الأرجنتين 44 كرة طولية، نجح منها 14 كرة فقط، واعتمدت في فرصها على إرهاصات فردية لم تنجح غالباً.

وحتى على مستوى فردي، جاءت نسبة المراوغات الناجحة لكولومبيا ب20 مراوغة من 29 مقارنة ب9 مراوغات من أصل 17، يعزى أربعة منها للمراوغ الأفضل الذي تضمه صفوف الأرجنتين.

الحقيقة التي قد تسبب حكم الإعدام على مواقع التواصل الاجتماعي، أن ثنائية ميسي-أجويرو أبدت الضعف في أغلب مواطن تطبيقها، لأسباب تتعلق بالمدرب، وأسباب أخرى تتعلق بأسلوب كلا اللاعبين، لذلك قل ما تشاء عن هيجوايين، لكنه تفاهم بشكل أفضل مع ميسي، لم يبخل بمجهوده، ولعب على قدر موهبته، حتى وإن خانته النهايات، وهو ما افتقده أجويرو في رحلته الدولية.

نجحت تغييرات كولومبيا في ترجيح كفة منتخبها، بداية من التغيير الاضطراري لكولومبيا “روجر مارتينيز” الذي افتتح النتيجة بمهارة فردية، في أفضل فترات الأرجنتين، ثم الهدف الثاني، حين قدم التغيير الثاني “جيفرسون ليرما” تمريرة للتغيير الثالث “دوفان زباتا”.

في حين كتب سكالوني على الجانب الآخر شهادة وفاة المباراة بتغييراته، بداية من الدفع غير المبرر بجويدو بيتزاور، ثم سحب أجويرو وتعويضه بماتياس سواريز، ليلعب بلا مهاجم في وقت احتاج فيه لتسجيل التعادل.

المرارة ستطغى على طعم اللقمة في أرجاء الأرجنتين، وسيبدأ مسلسل الحزن المبكر يفرض الأجواء السلبية مرة آخرى على هذا المنتخب المنحوس، دون النظر إلى حقيقة أن كولومبيا من أقوى المنتخبات المرشحة لهذه النسخة، وفريق يجيد التعامل مع كل مباراة على حدا، ويحسن الابتعاد عن دائرة الضغوطات.

ستحدد الأيام القادمة أي مصير سيختاره راقصي التانجو لأنفسهم، إما الانطلاق للأمام، أو التردد والنظر إلى الوراء، والجميع يعلم أن من ينظر إلى الخلف أثناء الركض، يسقط وينتهي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى