واقعية زيدان..ثعلبية العجوز هاينكس.. ولعبة (كش ملك)

 

توووفه- محمد العولقي 

تبدو مواجهة إياب نصف نهائي بطولة دوري أبطال أوروبا غدا على ملعب (سانتياغو برنابيو)،  بين العملاقين (ريال مدريد) الإسباني، و(بايرن ميونخ) الألماني أشبه بمباراة على حلبة ملاكمة، الفوز فيها لمن يتقن تكتيك المواجهة المرتقبة التي تفضي في النهاية إلى الضربة القاضية. على الورق تبدو كفة (ريال مدريد) هي الأرجح، على خلفية أنه عاد من (أليانز أرينا) معقل الفريق البافاري بفوز مؤزر وثمين، لكن الذين يقرؤون  كتب الأرشفة يعلمون بحسب قيمة وكبرياء الفريق الألماني أن الخيارات في الإياب مفتوحة ، في ظل حالة الانقباض الفني والذهني الذي يصاحب أداء لاعبي (ريال مدريد) في (البرنابيو) بالذات. وهو ما يؤكد أن مواجهة الإياب ستكون مواجهة بين واقعية (زين الدين زيدان) وثعلبية العجوز (يوب هاينكس)، وسترتكز أساسا على أسلوب مواجهة نارية وقودها اللاعبون أنفسهم، ومعنى هذا أن ميدان الحذق التدريبي مفتوح بين المدربين، والأوراق مكشوفة في ظل غيابات مؤثرة في وسط ملعب الفريقين (الريال والبايرن كتاب يقرأ من عنوانه).

ومن المؤكد أن قناعات الألماني (يوب هاينكس) ستتأسس بمبدأ الاندفاع العقلاني نحو الهجوم، بهدف  زلزلة الأرض تحت أقدام لاعبي (الميرنغي) ، فتسجيل هدف مبكر في مرمى (كليور نافاس) يعني الكثير في المعادلة السيكولوجية، وربما يكون بداية (ريمونتادا) تاريخية، و إذا كان (زيدان) يراهن على الانضباط التكتيكي في وسط الملعب، من خلال إغلاق المساحات في الرواقين، وتحقيق أكثرية عددية في منطقة المناورات، فإن الخوف يبقى من ازدواجية التوظيف، ومن قدرة لاعبيه على مجاراة البايرن من الناحية البدنية. ما من شك أن (هاينكس) سيحرك آليات الوسط والهجوم  سعيا لخنق لاعبي (الريال)، ومن ثم إجبارهم على ارتكاب الأخطاء في مناطق حساسة، وهو بهذا النهج قد يشعر ببعض الاستعصاء على مستوى (الكونترا تاك) ، و(زيدان) يبدو أستاذا في تجسيد المرتد الخاطف في أبهى صوره، وبهذه الطريقة أكل (زيدان) كتف (هاينكس) في معقله.

قد يقول بعض فرسان التحليل أن فارق السن يصب في مصلحة لاعبي (الريال)، مقارنة بلاعبي (البايرن) المتقدمين في السن، لكن هذا العامل يقل وينحسر تدريجيا عندما تتوزع المهام، ويختفي التضارب التكتيكي عند التنفيذ، كما أن لاعبي (بايرن) يرون المباراة مباراة الموسم، ولا بد من صب خلاصته  في  مباراة يعادل وزنها ذهبا .

 

 

قد ينفد (البايرن) بجلده من موقعة (سنتياغو برنابيو) إذا تسلح بمخزون الدهاء التكتيكي، و بقدرات فريقه هجوميا، بعيدا عن المبالغة في الاندفاع دون غطاء فني ورصيد بدني، وفي الليلة الكبيرة سيبقى سلاح (هاينكس) الفتاك قدرة لاعبيه الدوليين (ليفاندوفيسكي و ريبيري وموللر ) على إحداث الفارق، من خلال تقوية (الحدس) الهجومي الذي يصنع الفارق، وهي الميزة التي افتقدها الفريق في مباراة الذهاب.

وحتى يأمن (الريال) من خبث ومكر الثعالب البافارية، ويتجنب الأكل مع الثور الأبيض، سيحتاج الفريق المدريدي إلى امتصاص ثورة لاعبي (البايرن)، ووضعهم دائما تحت خط الفقر الهجومي، والإقامة الجبرية في نصف ملعبهم، ولكي يحصن (زيدان) خطوطه، فإنه مطالب بشاكلة لعب فيها توازن دفاعي و إغراء هجومي، ومعنى ذلك أن (زيدان) مطالب بفك الحصار عن ملهمه الأول (كريستيانو رونالدو)، وتحريره من مشقة اللعب دون وسائل مساعده هجوميا، ولهذا السبب الاستراتيجي سيغامر (زيدان) ويشرك مهاجمه المنحوس (كريم بن زيما)، وستكون مهمته فتح الممرات في العمق تحديدا حيث ينبري (رونالدو) ليترجم تحركات الفرنسي بدون كرة، شريطة أن يكون ملك التموين (مودريتش) في يومه. ولا يتوقع أن تتبدل قناعات (هاينكس) التكتيكية، وسيصر على طريقة لهبه المعتادة 3/5/2 التي تتشبع بالكثير من المعطيات والمتغيرات، وهي طريقة أفلحت في (البوندزليجا)، لكنها انقبضت وتصدعت أمام (الريال) في مباراة الذهاب. وفي تقديرات بعض المراقبين أن خط وسط (البايرن) افتقد البوصلة التي تحدد اتجاهات الهجوم، فمع غياب التشيلي المقاتل ( فيدال) خسر (البايرن) دعامة الوسط، حتى أن هذا الخط أفرز فراغا قاتلا، وهو ما تسبب في فوضى غير خلاقه في منطقة إنتاج وصياغة اللعب.

 

ويراهن (هاينكس) على أسلحته، وإن كانت الخيارات المتاحة أمامه تبدو محدودة للغاية، فمع غياب (أرين روبين وبواتنج، وفيدال) سيعول المدرب كثيرا على اللاعبين الكبار، ولربما كان كبرياء لاعبيه هو السلاح الأهم الذي يهدد أحلام الفريق الملكي. ويعلم (زيدان) أن أي اختلال في توظيف طريقة 4/4/2 يعني دخول الفريق في حالة غيبوبة تكتيكية، في مباراة مصيرية لن تنتهي إلا بالضربة القاضية، من هنا سيبقى التركيز الذهني سلاح (زيدان) في مواجهة كبرياء (هاينكس). والكابوس الذي يرهق (زيدان) حقيقة يتجسد في سؤال صعب مفاده: هل يستطيع (لوكاس فاسكيز) تعويض غياب قاطرة الجهة اليمنى (داني كارفخال) ..؟ و ما هو الخيار الأنسب لنجمه الصاعد (أسنسيو)؟ هل يلعب خلف (رونالدو)؟ أم يدفع به لتقوية الجبهة اليمنى لإحباط تسربات العجوز (فرانك ريبيري)؟

والسؤال الآخر .. ما هي الاستراتيجية التي سيتبناها (زيدان) لإبطال مفعول الكرات الهوائية، ثم قطع الإمدادات العرضية عن الخطير (ليفاندوفيسكي) الصائم عن التهديف أوروبيا منذ أربع جولات؟ لا يميل بعض المراقبين إلى توصيف المواجهة بين المدربين على أنها ستدار على حلبة ملاكمة، بقدر ما هي تميل إلى الشاعرية التي توقد الفكر وتشعل مصابيح العقل، لذا فإن (زيدان) و(هاينكس) على رقعة شطرنج، كل طرف يحرك بيادقه وآلياته بطريقة مدروسة بعمق، وفي النهاية سيفوز ويتأهل المدرب الذي يحسن المكر ولو بالنقلة الشطرنجية الرهيبة (كش ملك).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى