* نهائي (كييف) .. ليفربول السادس أم ريال الثالث عشر  ..؟!

 

توووفه/ محمد العولقي

* حالة استنفار يشوبها القلق والتوتر تعيشها مدينة (كييف) الأوكرانية، في انتظار نهائي دوري أبطال أوروبا بين الكبيرين ريال مدريد الإسباني وليفربول الإنجليزي ، يوم السبت السادس والعشرين من مايو ، ويعيش المنظمون على أطراف أعصابهم خشية الجمهور الإنجليزي المشاغب الذي يثير الرعب والهلع والخوف في كل ملاعب القارة العجوز ، منذ أن تسبب أنصار فريق ليفربول (الهوليجانز) في كارثة ملعب (هيسيل) البلجيكي ، وهي الكارثة المروعة التي حدثت في التاسع والعشرين من مايو عام 1985 ، وراح ضحيتها ما لا يقل عن 39 مشجعا من أنصار فريق يوفنتوس الايطالي ..

ولردع جمهور ليفربول ، ومنعهم من إحداث الشغب داخل استاد (كييف) الدولي، اتخذت السلطات الأمنية الأوكرانية الكثير من التدابير ، لعل أهمها تشديد الإجراءات الأمنية على مشجعي ليفربول الإنجليزي ، ووضعهم تحت دائرة الرقابة أينما حلوا ، وأينما رحلوا ، وفي هذا الصدد أعلنت السلطات الأمنية في (كييف) عن حالة استنفار قصوى متنوعة قبل حلول ساعة صفر اللقاء ، الذي يتوقع أن يكون مشوقا وممتعا بين فريقين هجوميين من أنصار اللعب المفتوح البعيد تماما عن الحسابات التكتيكية المعقدة ..
لندع النقاش حول الإجراءات الأمنية جانبا، ولندخل في صلب اللقاء الكبير الذي تنتظره الكرة الأرضية بفارغ الصبر ، دعونا نغوص قليلا في نهج وأسلوب ونقاط قوة وضعف الفريقين ، في محاولة إستقراء منطقية تحكمها بديهيات واضحة لا تخفى على المدرب الخائب والحاذق على حد سواء ..

التوقع في عالم كرة القدم أمر في غاية الصعوبة ، من منطلق أن الحسابات النظرية تختلف كليا وتسقط أمام ما يحدث على أرض الواقع ، لذا من الأصوب أن نترك باب الاحتمالات مفتوحا، حتى لا نعانق خيبة الأمل عند ترجيح كفة فريق على كفة فريق آخر ، فكرة القدم ليست تخمينا ، ولا تعترف بلغة التوقعات حتى و إن بنيت على جبال من الأرقام ..
صحيح أن كرة القدم تنحاز في غالب الأحيان للفريق الأكفأ والأكثر عطاء” ، والأوفر نجوما على المستطيل الأخضر ، لكنها في حالات معينة تحتاج إلى الحظ والتوفيق، وهما عاملان يجعلان كرة القدم مليئة بالمفاجآت والمفارقات الصاخبة التي تقلب المعادلات داخل الملعب رأسا على عقب ..

 

وبحسب المعطيات السابقة يبدو ريال مدريد الإسباني على الورق الفريق الأكثر كفاءة وخبرة ونجومية من فريق ليفربول الذي يضم لاعبين لم يتمرسوا كثيرا على جبهة النهائيات ، لكن هذا لا يعني أن ريال مدريد هو الفريق الذي سيتوج بلقبه الثالث عشر ، لأن العامل الحاسم في (كييف) قد يغيب عن الريال ، وأعني بهذا العامل التوفيق وحسن إدارة المباراة من طرف مدرب الفريق الملكي زين الدين زيدان ..

وبنظرة بانورامية على حظوظ الفريقين ، نكتشف أن للفريقين نقاط قوة ونقاط ضعف ، والفارق أن نقاط قوة ريال مدريد أكثر من نقاط قوة ليفربول ، أما نقاط الضعف فتتشابه عند الفريقين ، وسيبقى الفارق الأهم في النهاية  لعقلية المدربين (يورغن كلوب و زين الدين زيدان) ..

يمتلك فريق ريال مدريد قدرة فائقة على تغيير جلده ، هذا لأن مدربه زين الدين زيدان يبدل نهجه التكتيكي بحسب ظروف المباراة نفسها ، فريال مدريد ينتقل من شاكلة 4/4/2 إلى شاكلة 4/3/3 بمرونة مزدوجة ، والسبب الذي يجعل الريال فريقا متلونا تكتيكيا يكمن في دكة الاحتياط القوية والغنية ، بعكس فريق ليفربول الذي يعتنق طريقة اللعب الكلاسيكية 4/3/3 الثابتة والتي لا تتغير حتى عندما يدخل الفريق الأحمر فوضى ذهنية في الدقائق الأخيرة من كل مباراة ، والسبب الذي يجعل يورغن كلوب مكتوف الأيدي أمام هذا الهذيان الذهني الذي ينتاب الفريق في الرمق الأخير يعود إلى أن الخيارات أمامه على دكة الاحتياط محدودة للغاية، ولا تعطي الإضافة الفنية أو التكتيكية عند التبديل ..

 

وإذا كان زيدان يشعر بثقة في بدلائه عندما تشتد عاصفة اللقاء النهائي ، فان كلوب يبدو بلا حيلة في ظل إنعدام أوراقه التكتيكية على مقاعد البدلاء ، وفي مباراة نهائية قد تلعب على جزئيات صغيرة سيبقى الحسم النهائي لمفكرة المدربين ، فمن يمتلك أوراقا رابحة في الاحتياط تغير مجرى المباراة ، هو من سيتحكم في زمام الدقائق المصيرية، عندما يقل تركيز اللاعبين ويقل منسوبهم البدني ، وهذه نقطة إستراتيجية تقلق مدرب ليفربول، وتطير النوم من عينيه ..

 

تبرز عيوب ليفربول بصورة واضحة مع الربع ساعة الأخيرة من كل مباراة ، فعداد اللياقة البدنية ينخفض الأمر الذي يعكس نفسه على حالة اللاعبين الذهنية ، في المقابل تبدو القوة الذهنية عند لاعبي الريال في فورمة عالية جدا، بدليل أنه حسم الكثير من المباريات في الأوقات الحرجة التي تحتاج إلى تركيز ذهني كامل الدسم ..

دفاع ليفربول يرتكب الكثير من الكوارث في الأوقات العصيبة ، فعندما يشتد الضغط على عمق الدفاع الأحمر يفقد هويته تماما ، ويتحلل بصورة يصعب تفسيرها ، الأمر الذي يكشف أسباب دخول الأهداف الغبية و الذكية مرمى ليفربول في الأنفاس الأخيرة من كل مباراة ..

وربما يعاني دفاع ريال مدريد من تصدع في عمقه الدفاعي، ومن انكشاف عورة الدفاع في الكرات العرضية والقطرية ، غير أن خبرة سيرجيو راموس تسعف الفريق في الأوقات الحرجة ..
لاشك أن ليفربول يعاني من إندفاع لاعبيه ومن عدم توزيع الجهد البدني على مراحل ، وهذا عيب كشف وفضح مفكرة  المدرب كلوب في أكثر من مباراة أوروبية ومحلية ، ولولا ارتفاع الحس التهديفي عند ثلاثيه المرعب : محمد صلاح و سيدو ماني و روبيرتو فيرمينيو لما بلغ نهائي (كييف) بعد معاناة كبيرة أمام روما الايطالي ..

 

 

يصطدم كلوب بواقع لا يستطيع حياله عمل شيء ما ، فهو مضطر لأن يبقى وفيا لطريقة 4/3/3 بتواجد رباعي الدفاع فان دايك ولوفرين و أرنولد وروبيرتسون ، مع ثلاثي دفاعي رأسه هندرسون وطرفاه ميلنر و فيلدروم ، في حين يبقى عبء الفريق على عاتق الثلاثي الناري محمد صلاح وماني وفيرمينيو ..

من جانبه يدرك زيدان أن قوة الليفر تكمن في فتح مساحات في الثلث الهجمومي ، فثلاثي الليفر يسرق الكحل من العين بصورة مثيرة للانتاباه ، وبدون شك سيلجأ زيدان إلى أسلوب إمتلاك الكرة وتدويرها بهدف إنهاك لاعبي ليفربول بدنيا، واستنزاف معدلهم البدني مبكرا ، ولكي يتقن زيدان طبخته يلزمه عاملان :

الأول : حتمية بداية اللقاء بطريقة 4/4/2 ، والثاني : ضرورة إشراك إيسكو من البداية، بهدف الاحتفاظ بالكرة في الثلث الأمامي للملعب ..
سيصب زيدان الكثير من الوصايا والتوجيهات في آذان رباعي الدفاع : سيرجيو راموس ورافائيل فاران و مارسيلو وكارفخال (إذا كان جاهزا، أو بديله المحتمل ناتشو) ، وسيعمد إلى إغلاق الدفاع وتضييق المساحات أمام النفاثة الفرعونية محمد صلاح ومعه ماني وفرمينيو ، في حين سيسلم مفاتيح الإستحواذ على الكرة لمربعه السحري : مودريتش و طوني كروز و لاعب الارتكاز كاسميرو و المبدع إيسكو (أو أسنسيو) ، وسيترك الحرية في الأمام للثنائي المتفاهم والمنسجم كريم بنزيمه و رجل المناسبات الكبرى كريستيانو رونالدو، وقد يدخل جاريث بيل على الخط للإطاحة ببنزيمه العقيم تهديفيا ..

وعلى عكس كلوب ، يمتلك زيدان دكة بدلاء غنية باللاعبين الذين يقلبون موازين كل مباراة مهما بلغت درجة صعوبتها ، على غرار لوكاس فاسكيز و أسينسيو وجاريث بيل وكوفاسيتش ، الأمر الذي يتيح لزيدان تحريك بيادقه على رقعة الملعب بذكاء شديد ..
يراهن كلوب كثيرا على تصدع عمق دفاع ليفربول ، ويعول كثيرا على الفراغات التي يتركها مارسيلو خلفه ، من هنا سيعتمد كلوب سياسة اضرب واهرب ، بمعنى أنه لن يبالغ كثيرا في الامتداد الهجومي، وهو يعلم بهشاشة خطه الخلفي ، لكنه سيلدغ في كل كرة مرتدة ، ولأجل استغلال هذه النقطة قد يلجأ كلوب للمرة الأولى للاستعانة بأنفاس الكرة الانجلوساكسونية ، حين سيعتمد على اختزال المسافات و التمرير الطويل خلف خط ظهر ريال مدريد ..

ولكي يداري كلوب جفاف دكة البدلاء، فليس أمامه سوى الاعتماد على تشكيلته الأساسية دون تغيير حتى الأنفاس الأخيرة من اللقاء ، هذا طبعا إذا استثنينا الإصابات والتغيير الاضطراري ..
وبقراءة شاملة للمواجهة المرتقبة، من الصعوبة بمكان بخس حق ريال مدريد ، الأكثر حلولا و اكتمالا ، لكن متى كانت كرة القدم تعترف بالأحكام المسبقة ، فهناك عوامل أخرى تصنعها اللحظة كفيلة بقلب الطاولة على رأس زيدان، إن لم يحسن التدبير في مباراة المفاجأة فيها واردة ..

يتفاءل عشاق ريال مدريد بمدربهم الفرنسي زين الدين زيدان ، الملقب بملك النهائيات ، حيث خاض ثمان مباريات نهائية موزعة على دوري الأبطال والسوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية والسوبر الاسباني ، فاز فيها جميعا حاصدا العلامة الكاملة ، وزيدان بدون شك يمتلك ناصية خبرة التعامل مع النهائيات ، وعلى عكس التفاؤل المدريدي ، يضع الآلاف من جماهير ليفربول أيديهم على قلوبهم ، خوفا من انعكاس نحس المدرب الألماني يورغن كلوب على الفريق الأحمر، التواق لاستعادة ملحمة باريس عام 1981، عندما فاز في النهائي على ريال مدريد بالذات بهدف المدافع آلن كينيدي ..

لكن شتان بين موقعة باريس و موقعة (كييف) المنتظرة هذا السبت ، ففي ذلك الوقت كان يقود ليفربول المدرب الداهية بوب بايزلي ، وهو مدرب محنك متخصص في النهائيات والمباريات الحاسمة ، على عكس كلوب تماما ، الذي يبدو منحوسا في النهائيات، سواء مع بروسيا دورتموند أو حتى مع ليفربول ، لقد خسر كلوب نهائي (الشامبينز ليج) أمام بايرن ميونخ قبل خمسة أعوام ، في وقت كان يتوافر مع دورتموند على لاعبين من مستوى عال ، وخسر نهائي الدوري الأوروبي مع ليفربول الموسم قبل الماضي ، حين سقط أمام اشبيلية الإسباني في شوط المدربين بصورة فاجأت العالم من أدناه إلى أقصاه ..

ورغم كل هذه العوامل المتداخلة (سلبا و إيجابا) ، فلن نستطيع التكهن بالفائز يوم السبت.. و الخلاصة أن هناك ظروفا غير متوقعة تفرض نفسها ، كما أن الهدوء والتركيز عاملان يساهمان في الحسم ، ما رأيك عزيزي القارئ، هل تستطيع تحديد هوية الفائز بنهائي (كييف) الكبير هذا السبت ، في مباراة مفتوحة الاحتمالات والحسابات ..؟

ترى من يكسب الجولة الأخيرة والمثيرة ، ليفربول السادس أم ريال الثالث عشر ..؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى