أمباي .. ساحر سنغالي يرعب مونديال روسيا ..!

كتب- محمد العولقي

* على مقربة من فندق إقامة منتخب السنغال لكرة القدم، يتردد اللاعبون والمسؤولون على غرفة بعينها يقيم فيها رجل تحدب جسده وهو يتقرفص حول نفسه وأمامه في الغالب صحن مليء بالتراب والحصى، وحوله بعض قرون بقر وأعشاب نباتية مختلفة، تبدو غرفة هذا الرجل النحيف الحاد النظرات بعينيه الجاحظتين هادئة أغلب فترات النهار، لكنها تنشط نشاطا ملحوظا عند المساء، حين يستقبل هذا الرجل شخصيات سنغالية مختلفة، تغيب داخل غرفة الرجل لساعات قبل أن تغادر تلك الشخصيات بمعنويات مرتفعة..

قبل 16 عاما كان (أمباي) يسكن في ضاحية (كدواي) بالقرب من العاصمة السنغالية داكار ، أخذ على عاتقة مهمة تجهيز منتخب السنغال لنهائيات كأس العالم بكوريا واليابان عام 2002، لقد اختار السنغاليون (أمباي) من بين المئات ليكون ساحر المنتخب في النهائيات التي بلغها السنغاليون لأول مرة في ذلك الوقت، وبدأ (أمباي) بشعره الأشعث ووجهه الكمثري سعيدا بتلك المهمة، يومها تحول (أمباي) إلى أشهر رجل في السنغال كلها، ولقي من الاهتمام الإعلامي ما فاق فرسان الحاج ضيوف وخاليلو فاديغا وهنري كمارا في ذلك الوقت، كان ذلك الكوخ الذي اختاره (أمباي) ليؤدي طقوسه قد تحول إلى مزار للاعبي المنتخب والمسؤولين، لكن الرجل حظي في البعثة السنغالية المغادرة إلى كوريا الجنوبية بعناية فائقة، لقد تم تثبيته كعضو في البعثة وفق شرط غريب يتعلق بضرورة سكن (أمباي) في فندق قريب من سكن وإقامة اللاعبين، ولقد انتقى (أمباي) غرفة معزولة في فندق متواضع بالعاصمة الكورية (سيول)، حيث أفرغ حمولته في تلك الغرفة ظ، وبدأ مهمته الوطنية على الفور ..

قبل أسبوع من خوض منتخب السنغال لمباراة الافتتاح أمام منتخب فرنسا (بطل العالم في ذلك الوقت )، أنيطت بالساحر (أمباي) مهمة تعطيل محرك المنتخب الفرنسي (زين الدين زيدان)، صنع (أمباي) دمية بلباس المنتخب الفرنسي وعليها الرقم عشرة الخاص بالنجم زيدان، وراح (أمباي) يمطرها بالدبابيس لليلة كاملة، وهو يتلو بضع تعاويذ غامضة، بعدها علق تلك الدمية بالحائط، متمتما بكلمات مبهمة، قبل أن يغرس في الصحن المليء بالرمل قرن ثور ، ثم كانت المفاجأة في صبيحة اليوم التالي، مفاجأة من العيار الثقيل لم يصدقها السنغاليون أنفسهم، فقد تناقلت وكالات الأنباء حول العالم خبر إصابة (زين الدين زيدان) بتمزق عضلي في الفخذ، ثم كانت كبرى المفاجآت أن الفحص الطبي الذي وقعه طبيب المنتخب الفرنسي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك استحالة لحاق زيدان بمباراة الافتتاح أمام السنغال، ومع هذا الخبر المباغت انتفخت أوداج (أمباي) وراح يزهو بهذا الانتصار الذي حققه مع بداية المشوار ، بعدها انتقل (أمباي) إلى المرحلة الثانية، وتتعلق بضرورة البحث عن (تعويذة) تقضي على امتيازات الفرنسيين ..

والواقع أن (أمباي) الذي يجلس أمام الجدار لساعات طويلة يحضر فيها الأرواح والتعاويذ لم يكن بحاجة إلى خدعة جديدة، فالمنتخب الفرنسي انهار معنويا بعد الإصابة التي تعرض لها محرك الفريق (زيدان) أثناء الوحدات التدريبية في أكاديمية (كلير فونتين) ..

قبل حلول مغرب مباراة الافتتاح بين فرنسا والسنغال كانت الصحف السنغالية واثقة تماما أن أمرا جللا قد ضرب المعسكر الفرنسي، تزامنت تلك الثقة المفرطة مع الابتسامة العريضة التي صنعها (أمباي) في غرفته المتواضعة بالعاصمة الكورية (سيول)، وهو يستقبل رئيس الاتحاد السنغالي، أطلق (أمباي) زفرة ارتياح من أعمق أعماقه وهو يوشي بالخبر السار ..

(حسنا لقد قضيت ليلة الأمس في حالة تجاذب وتنافر مع كل التعاويذ، إلى أن تمكنت في التحكم بالأرواح أخيرا)

صمت (أمباي) برهة وهو يمسح الزبد المتطاير من شدقيه، قبل أن يكشف عن أسنان صفراء وهو يضيف قائلا :
(الآن فقط أيها السيد يستطيع منتخبنا العبث بالفرنسيين، فأبراجهم الليلة ستكون هادئة ووديعة في غياب القائد والمحرك ..)

فازت السنغال على فرنسا بهدف (بوب بابا ديوب) وتفجرت الدهشة في العالم كله، وراح الفنيون يحللون سلبية فرنسا بدون قائدها ومحركها زيدان، بدأ الذهول وكأنه قد طبع على وجوه سكان الأرض إلا السنغاليون بالطبع، فهم دائما مدينون لمثلهم الشعبي (علقه على رقبة ساحر واسترح)..
تمكن منتخب السنغال من بلوغ الدور ربع النهائي في ذلك المونديال بعد أن أطاح بخصومه في الدور الأول فرنسا وأوروجواي والدنمارك، قبل أن يجهز على منتخب السويد في ثمن النهائي، غير أن تعاويذ (أمباي) توقفت عن العمل حين استكانت لهزيمة أمام تركيا في ربع النهائي بهدف ذهبي للنجم إلهان مانسيز ..

غابت السنغال عن المشهد العالمي لثلاث بطولات، لكنها عادت مجددا هذا العام بفضل جيل موهوب جديد يقوده المهاجم السريع (سيدو ماني) نجم نجوم ليفربول الإنجليزي، ويقوده خططيا المدرب الوطني (سيسي)، والمفارقة أن (سيسي) كان من ضمن لاعبي السنغال في مونديال كوريا واليابان ، و .. واستعدوا للمفاجأة القادمة لأن لها دلالات عميقة، وتتعلق بكون (سيسي) كان صديقا ومقربا من الساحر (أمباي)، بل إنه يعده مستشاره الأول عند المهام الوطنية الصعبة ..

وعندما فاز منتخب السنغال على منتخب بولندا بهدفين لواحد في افتتاج مباريات المجموعة الثامنة ضمن مونديال روسيا 2018 ، عادت أسطورة الساحر (أمباي) مجددا تظهر وتلوح في الأفق ، فحتى عندما سأل الصحافيون مدرب منتخب السنغال (سيسي) عن الوصفة التي أعدها لأبطال مفعول المهاجم البولندي العملاق (روبيرت ليفاندوفيسكي) ، لم يجب غير أنه اكتفى بابتسامة غامضة جدا تدل على أن المدرب ربما كان أول من زار ذلك الرجل المحدب الذي يقضي أوقاتا طويلة أمام الجدار، وعلى مدى بصره يقبع صحن تتألق فيه بضع حصوات محاطة برمل ناعم عجيب ..

عندما كان (أمباي) في أوج قواه العقلية والجسدية قبل 16 عاما كان يرفض مبدأ أنه ساحر شرير يضر الآخرين، كان يدافع عن نفسه قائلا :
لست شريرا لأفعل الشر بالآخرين، مهمتي تنحصر فقط في كيفية جلب الأرواح الطيبة كي تساعد لاعبي بلدي ..
ومن الطقوس التي يرفض ( أمباي) التخلي عنها أنه دائما يرفض مصاحبة اللاعبين إلى الملعب، لأنه يرى أن الضوضاء تزعج تعاويذه وتوقظ الأرواح الشريرة فيها، كما أنه يفضل العزلة التامة وفي أماكن بسيطة ليست فاخرة، ما إن يحل في غرفة معزولة حتى يجلس القرفصاء ويبدأ مشوار محاكاته لذلك الصحن وتلك القرون ..

يحرص لاعبو السنغال على زيارة ذلك الساحر، يشكون له همومهم ويطلبون منه المساعدة على إزالة التوتر والتشنج، وما إن يضع راحة يده على جبهة اللاعب حتى يتلو بعض التعاويذ وهو مغمض العينين، ثم يطلب منه التقاط نفس عميق باتجاه الصحن المليء بالرمل والحصى و قرون الأبقار وبعض الأعشاب، بعدها يؤكد للاعب أن المشكلة انتهت، فيغادر اللاعب غرفة الساحر مرتاح البال والخاطر ..

قبل سنوات طويلة كان (أمباي) ينكر أنه يتلقى المال من اللاعبين والمسؤولين، كان دائما يقول: المال يعبث بالأرواح ويستثيرها ويزعجها، أما اليوم فقد تغيرت المعادلة تماما مع دخول المئات من السحرة أجواء المنافسة والدعاية لمواهبهم، فلم يعد يخفي لا هو ولا غيره حقيقة أنه يتلقى المال من اللاعبين المحترفين ومن مسؤولي اتحاد الكرة نظير مساعدة الفريق السنغالي في مونديال روسيا ..

وإلى وقت قريب كانت الصحف السنغالية لا تتورع عن الاعتراف بأن المنتخب السنغالي يتلقى الكثير من الإرشادات والمساعدات من الذين يمارسون السحر وطقوسه جهارا نهارا في (دكار)، غير أن (أمباي) كان شغلها الشاغل بحكم تجارب سابقة أكدت أن السنغاليين مؤمنون تماما بدور (أمباي)، وقدرته على ترويض الأرواح الشريرة وطردها عن لاعبي السنغال في المناسبات الدولية الكبيرة ..

الطريف أن (أمباي) يرى نفسه تلميذا في قارة إفريقيا حيث يكثر السحرة بشكل مخيف، وهو يقول: تأثيري على منتخب السنغال في قارة إفريقيا ضعيف جدا، والسبب أن لكل المنتخبات الإفريقية (غرب وجنوب إفريقيا) سحرة يفوقون الساحر السنغالي خبرة ومعرفة، لكن الأمر بالنسبة لكأس العالم مختلف، فالمجال أمام (أمباي) مفتوحا وبلا منافس يبطل سحره ..

عندما يتنقل منتخب السنغال في روسيا من مقاطعة إلى أخرى سيرافقهم في الغالب رجل محدب الظهر، نحيل الجسد، بارز الوجنتين، يعتمر طاقية عجيبة لا تخفي ملامح وجهه الكمثري، سيرافق الجميع إلى أن يعتزل عنهم ليبدأ مشواره اليومي مع الحائط والصحن والرمال وقرون البقر ، وعندما تنتهي مهمته يرحل مع المنتخب إلى مقاطعة أخرى بحثا عن انتصار جديد وفوز سنغالي يرفع من أسهمه في داكار، حيث يتكاثر السحرة منتظرين فرصة الإجهاز على (أمباي) الساحر الذي يرعب كل خصوم منتخب السنغال في مونديال روسيا ..!

نحن في صحيفة (تووفه) لا نؤمن بخزعبلات وسحر (أمباي) ، هذا لأن السحرة والمشعوذين مثل المنجمين كذبوا ولو صدقوا ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى