الاتحاد المصري وهكتور كوبر .. الخطايا القاتلة..!

 

 

توووفه – محمد العولقي

 

* أمام بوابة استاد (فولغو جراد)، كان محمود علي يبكي بحرقة وألم، والعلم المصري يلتف حول خاصرته، في حين بدت ألوان العلم المصري المرسومة على وجهه تذوب بسبب الدموع التي تتساقط من عينيه، فجأة وقعت عيناه الباكيتان على (هاني أبو ريدة) رئيس اتحاد الكرة المصرية، استجمع الرجل وهو في منتصف عمره الخريفي شجاعته، ولملم فرائصه المرتعدة، ثم أطلق صرخة مزقت ليل (فولغو جراد)، وراح يهتف في هيستيريا مجنونة:
ليه يا هاني بيه هانت عليكم مصر إلى هذه الدرجة ..؟

كان الانفعال قد بلغ سيله الزبى، والرجل يركض بقوة نحو (هاني أبو ريدة)، لكن البوليس الروسي تنبه أخيرا لمحاولات الرجل المستميتة للوصول إلى موقع رئيس اتحاد الكرة المصرية، بدأ وكأن (هاني أبو ريدة) قد استوعب الأمر، فلاذ بالهروب بأقصى سرعة، في وقت كان الرجل يصارع البوليس الروسي، وهو يهتف في ثورة غضب:
سيبوني عليه، فقط سأسأله: ليه عملت كده في مصر ..؟

هذه حالة من ضمن حالات مصرية تحملت مشقة السفر خلف (الفراعنة) إلى روسيا على أمل تجاوز حائط الحضور والمشاركة في ثالث ظهور مونديالي، لم يكن أكثر المصريين تشاؤما يتوقع أن يرتد المنتخب المصري إلى القاهرة بكل هذه السرعة القياسية ..

ليلة الإثنين الماضية خسر المنتخب المصري مواجهته الثالثة في المونديال، كان سقوطه الافتتاحي أمام أوروغواي في الدقيقة الأخيرة وبدون النجم محمد صلاح مستساغا إلى حد ما، أما خسارته المروعة الثانية أمام الدب الروسي بثلاثية في حضور محمد صلاح هذه المرة، فقد فتحت أبواب جهنم على اللاعبين والمدرب الأرجنتيني (هيكتور كوبر) مبتدع الطريقة الأسمنتية الدفاعية.

لكن الانفجار الشعبي الكبير كان في (فولغو جراد)، ففي ليلة ليلاء لقن السعوديون المصريين درسا قاسيا، لا يقل إطلاقا عن درس خمسة واحد في (مكسيكو سيتي) قبل 18 عاما في بطولة كأس القارات، مع الفارق أن القاتل في ذلك الوقت كان المرموق (مرزوق العتيبي)، أما القاتل في المونديال فلم يكن سوى (سالم الدوسري) الذي أطلق رصاصة الرحمة على مرمى الكهل (عصام الحضري) في وقت قاتل ..

الجماهير المصرية الغاضبة حاصرت فندق إقامة لاعبي منتخب مصر في مدينة (فولغو جراد)، بالمناسبة الملعب الذي شهد السقوط الدراماتيكي للمصريين يبعد عن الفندق خمس دقائق فقط، أمام الفندق كان العويل المصري يتصاعد، والنحيب يرتفع، والغضب يتضاعف و يتضاعف، حاول مهاجم منتخب مصر (عمرو وردة) تهدئة الجمهور الغاضب والاعتذار للشعب المصري، لكنه لم يجد آذانا مصغية..

شاب مصري قطع مسافة سفر طويلة لتشجيع ومساندة مصر في بطولة كأس العالم، انكسرت الفرحة في قلبه، وهو يرى لاعبي المنتخب السعودي يسيطرون على مربعات الملعب طولا وعرضا وعمقا، لم يكن هدف (محمد صلاح) يساوي ذهبا لأن السعوديين عرفوا كيف يعودون؟ وكيف يلعبون؟ وكيف يقلمون أظافر ومخالب النسر المصري؟، أهدروا ركلة جزاء، ثم سجلوا التعادل من ركلة جزاء أخرى عبر (سلمان الفرج)، لاحظوا أن المصريين لدغوا مرتين في ظرف خمس دقائق مع أن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، وأخيرا تم الإجهاز على الفراعنة بهدف قاتل من توقيع (سالم الدوسري) ..

نكس ذلك الشاب رأسه، وراح في نوبة بكاء متواصلة، لا يريد أن ينخدع هو الآخر بما تروج له بعض وسائل الإعلام الرسمية، ماذا يفيد كون (عصام الحضري) بات أكبر لاعب يشارك في تاريخ بطولات كأس العالم ..؟

 

كيف لهذا السبق الشخصي أن يحفظ كرامة كرة قدم مصرية ضاعت في الأوهام ..؟
كيف له أن يمحو عار ثلاث هزائم تهد الأكتاف ..؟

غادر الشاب مدرجات الملعب ثم استوقفه مذيع تلفزيون مصري، تقدم نحو المذيع قائلا:
من فضلك يا باشا ممكن أقول كلمتين على الهواء ..؟
تنحنح المذيع وقد كان يخشى أن يخرج الشاب عن النص، لكنه حسم أمره قائلا:
آه طبعا تفضل حضرتك..

التقط الشاب نفسا عميقا، وهو يشير للعلم المصري قائلا:
قطعت آلاف الكيلو مترات كي أصل إلى (فولغو جراد)، لا يمكنك أن تتخيل كيف دبرت أمر الحضور من تذاكر وإقامة لمدة أسبوع، الآن سأعود من حيث أتيت بحسرتي، لكن فقط أسأل وانتظر الإجابة من ذوي الشأن:
هل المشكلة في اللاعبين أم في المدرب (كوبر) ..؟

هل العيب في المنظومة الكروية كلها أم أن العيب في أفراد يتصدرون مشهد الخيبة ولا يغادرون ..؟
من سيكون كبش فداء مونديال روسيا ..؟
هل هو المدرب كما دأبنا دائما أم سيكون الاتحاد المصري من الرئيس إلى البيه البواب ..؟
عايزين نفهم فقط ما هي أسباب نكستنا؟ ولماذا تدور الكرة المصرية في حلقة مفرغة ..؟

سيبك من حكاية أن هذا الجيل عاد إلى الساحة المونديالية بعد غياب دام 28 عاما، وقولوا لنا: لماذا كتب الشقاء والحزن والبكاء على الشعب المصري مع كل مشاركة عالمية ..؟

كيف هزمتنا السعودية قبل 18 عاما بخمسة أهداف مقابل هدف في بطولة القارات، ثم تعود الآن وتكسبنا موندياليا بهذه الصورة المؤلمة ..؟
هل بمقياس الرقم تقدمنا خطوتين في مواجهاتنا مع الكرة السعودية أم أن هذا تراجعا مخيفا استحال إلى عقدة متكاملة الأركان ..؟

كل هذه الاستفهاميات وضعتها صحيفة (توووفه) على طاولة التشريح في محاولة عميقة لكشف خفايا وأسرار السقوط المروع للمنتخب المصري في نهائيات كأس العالم، إيمانا منا بأن الشارع المصري الغاضب والمصدوم بحاجة ماسة إلى طرح عقلاني يضع النقاط فوق وتحت حروف الأسباب الذاتية والموضوعية التي قادت المنتخب المصري إلى هذا المصير البائس ..

* مذنبون والله أعلم ..!

منذ أن وطأت قدما المدرب الأرجنتيني (هيكتور كوبر) أرض الكنانة، كانت اللجنة الفنية بالاتحاد المصري تعلم تماما أن الرجل من أنصار فلسفة بلدياته (هيلينيو هيريرا)، ذلك المدرب الذي شب عن الطوق في الستينيات مبتدعا طريقة (الكاتناشيو) الشهيرة، وهي طريقة دفاعية بحتة اعتنقها فريق (إنتر ميلان) الإيطالي وغيرت معالم الكرة الهجومية تماما ..

يبدو التعاقد مع (كوبر) اعترافا رسميا من اتحاد الكرة بأن الكرة المصرية حاليا لا يمكنها رفع شعار الهجوم لسببين منطقيين:
الأول: يتعلق بالجيل الحالي، وهو جيل أقل موهبة وإبداعا في تاريخ الكرة المصرية، فلو نزعنا النجم (محمد صلاح) من التشكيلة سيبقى أفراد المنتخب غير قادرين على الابتكار والتخليق وإيجاد الحلول، إنها حقيقة مؤسفة ولاشك وبحاجة لأن يسأل الاتحاد لجنته الفنية: لماذا فشل الدوري الممتاز في اكتشاف مواهب هجومية خلاقة ..؟

أين يكمن الخلل بالضبط: في منهجية الدوري ونظام المسابقة شبه المشلول أم في عقلية المدربين الوطنيين الذين يؤمنون بالدفاع على حساب الكرة الهجومية الشاملة ..؟

هل فعلا جفت المواهب في أرض مصر أم أن القطبية سيئة الصيت اغتالت لاعبي الريف البعيدين عن العين والقلب ..؟

والثاني: يتعلق بمشكلة المناخ السائد في مصر ، مناخ جعل اللاعبين المصريين يعيشون في عزلة جماهيرية، الأمر الذي يقلل الحافز المعنوي عند اللاعبين، ويجعل رتم المباريات مملا وكئيبا في غياب جمهور المدرجات، لاشك أن استمرار مباريات الدوري بدون جمهور قتل روح المسؤولية عند اللاعبين، و هو أمر دفع المدربين إلى اعتناق ساتر دفاعي يقتل الموهوب ويمشي في جنازته، حرمان الجمهور من مساندة فرقها المحلية مثل عملية اغتيال مع سبق الإصرار والترصد للاعب رقم 12 كما يعرف في عالم كرة القدم ..

دعونا نناقش أسباب الإخفاق المصري بعيدا عن لغة الانفعال والرغي وتمجيد شخصيات بعينها، ودعونا نضع جميع الأطراف في (غربال) التقويم بطريقة منصفة وعقلانية، لكن ليس قبل أن يقر المصريون ويتعرفوا أن هذا الجيل الذي أعاد الكرة المصرية إلى الواجهة المونديالية بعد غياب 28 عاما أقل جيل في تاريخ الكرة المصرية إنتاجا من الناحية الجمالية والإبداعية والابتكارية، إمكانيات لاعبيه الفنية والبدنية والمهارية ضعيفة وعلى قد الحال، فهل مثل هذا الجيل بحاجة إلى مدرب يؤمن بالهجوم حتى النخاع ..؟

الإجابة بكل صراحة، لا فليس من المعقول أن يلبس اللاعبون طريقة تكشف عوراتهم الفنية وما أكثرها على أي حال ..
إذن شيء طبيعي أن يركض اتحاد الكرة خلف (كوبر) تحديدا، فالرجل صاحب تجارب ناجحة مع فرق جعلها تبدو متوازنة بطريقته الدفاعية التي تعتمد أساسا على قدرات اللاعبين أنفسهم ..

وعلى عكس منتخبات مصرية منتجة جماليا، كان هذا المنتخب مع (كوبر) محظوظا في تصفيات كأس العالم، الحظ نفسه الذي حرم جيل (محمود الخطيب)، وجيل (محمد أبو تريكة) من بلوغ نهائيات كأس العالم، هو ذاته الذي أطل برأسه وكل جسده ليقف إلى جوار هذا المنتخب الأقل موهبة وقدرة بين كل المنتخبات المصرية السابقة ..

وسط كل هذه الحقائق التي نتفق عليها، هل كان (هكتور كوبر) جانيا أم مجني عليه؟
هل هو المذنب الوحيد في ظل منظومة عمل لا تفرز غير أنصاف المواهب ..؟

إذا أردنا محاكمة (كوبر) وتقديمه على أنه كبش أو خروف الفداء، لزم علينا أن نحلل عمل الرجل فنيا ، أين أصاب؟ وأين أخطأ؟ وما هي الخطايا الكارثية التي غض الطرف عنها في أدق مرحلة تتطلب تطويقا بشريا لعناصره ..؟
لو فعلنا ذلك ستبرز أمامنا مشكلة جوهرية تتعلق بالنجم الكبير (محمد صلاح)، لقد كان مشكلة كبيرة في المنتخب، لم يتنبه لها (كوبر)، ولا اتحاد الكرة .. كيف؟

بنى (كوبر) خطة لعبه على مهارة (صلاح) في تجسيد المرتد الخاطف الذي يحسم المباراة بكرة مرتدة تنهي الحوار، كان (صلاح) مثل شمشون الجبار يخشاه جميع المنافسين دون سواه ..

لم يضع (كوبر) في ذهنه أن (محمد صلاح) بشر ، يمكن أن يتعرض لأي طارئ في أي وقت، كان على (كوبر ) البحث عن حلول في غياب (صلاح) الاضطراري، فعندما أصيب (صلاح) في نهائي دوري أبطال أوروبا أمام (ريال مدريد) الإسباني ضاعت (البوصلة) الهجومية على (كوبر)، ارتبك الرجل دون أن يضع حلا لمعضلة (صلاح)..

كان أكبر خطأ في نظر (كوبر) أنه تمسك بالعقيم رمضان صبحي رغم أنه لاعب غير منتج هجوميا، ثم تصور أن (عمرو وردة) يمكنه أن يؤدي دور أبو زيد الهلالي، لقد وصل إيمان (كوبر) بمحمد صلاح إلى درجة أنه بنى عليه كل تصوراته، بدليل أنه لم يصطحب معه إلى روسيا سوى مهاجم كلي واحد (مروان محسن)، لقد تصور (كوبر) أن صلاح مثل (ميداس) يمكنه أن يلمس العشب فيتحول إلى ذهب وأهداف في أي وقت، وعندما شاءت الظروف وعرقلت (صلاح) غابت النجاعة الهجومية التي كانت تعتمد على إستراتيجية سرعة ومهارة (محمد صلاح) الخارقة في الإنهاء المرتد للهجمات ..

حسنا ، هل كان (كوبر) مخطئا في تجسيد حلم أمة على لاعبين ينشطون في الدوريات الأوروبية ..؟
قطعا لم يخطئ (كوبر) في حسبته بشأن اللاعبين المحترفين، لكن إشكالية تحهيزهم لمناسبة كبرى مثل كأس العالم تقع على عاتق اللاعبين أنفسهم..

فبحسب الأعراف الاحترافية المفروض أن اللاعبين المحترفين جاهزون بدنيا وفنيا وثقافيا، الذي حدث أن لاعبين مثل رمضان صبحي و كهرباء وعمرو وردة و تريزيغية ومحمد النني وصلوا إلى مرحلة تشبع نفسي وهم يجلسون غالبا على مقاعد احتياط فرقهم الأوروبية، لم يكن لهم أدنى تأثير على طريقة (كوبر)، وأمام هذا الهبوط الحاد في دورة إعداد لاعبين محترفين (بالتسمية) فقط، كونهم في الواقع عانوا من بطالة حقيقية على مقاعد الاحتياط ظهر أسلوب (كوبر) عشوائيا وفوضويا وعقيما إلى أقصى حد، فلا المنتخب أجاد تطبيق الدفاع الخناق، ولا جسد لاعبوه الامتداد السريع والخاطف ..

كانت مشكلة (كوبر) التي يسأل عنها أنه تمادى في ترسيخ قناعة تقول: منتخب مصر بدون النفاثة الهجومية محمد صلاح لا يساوي شيئا، هذه القناعة انتقلت من المدرب واتحاد الكرة إلى اللاعبين، فكانت النتائج النفسية والمعنوية كارثية بكل المقاييس ..

تولد لدى اللاعبين إحساسا بأنهم مجرد (كومبارس) في فرقة تعتمد على البطل الأوحد (محمد صلاح)، ولقد نجح (كوبر) بفلسفة طريقته في ترسيخ ذلك الإحساس لدى اللاعبين، اللاعبون تحرروا من المسؤولية الجماعية، وألغوا بكل الضغط على كاهل (صلاح) وحده فانعدم عندهم الدافع المعنوي الخاص، في كرة القدم عندما يشعر اللاعب أنه مجرد (ديكور) لا تتعلق عليه آمال وإستراتيجية المدرب أو الاتحاد يلعب بدون روح وبدون قتال وبدون مسؤولية..

تناسى الجميع أن العضو الخامل وغير المنتج يضمر ولا ينمو فكرا وسلوكا وعملا، طاب المقام للاعبين يشعرون أنهم مجرد (كمالة عدد)، واستلذوا وهم يلعبون دون روح ودون حماس، آمنوا هم أيضا أن العبء كله على (صلاح)، فهو فانوسهم السحري الذي يبدد كسوفهم الكلي، فإن أصاب نالهم من الانتصار جانب، و إن أخفق فهو من سيتحمل كل سكاكين النقد في النهاية، ألم يأت لليفربول بما لم تأت به الأوائل ..؟

* محمد صلاح .. مشكلة نفسية صاغها الاتحاد ..!

إذا كان الجمهور المصري العاشق لمنتخب بلاده قد تحمل طريقة (كوبر) قيراطا، فإنه تحمل نرجسية وأنانية اتحاد الكرة فدانا .. كيف ..؟

للوهلة الأولى ومنذ ملحمة الصعود إلى نهائيات كأس العالم بروسيا توقف برنامج الإعداد تماما، ربما اقتنع الاتحاد أن بلوغ النهائيات قمة المنى، وإنجاز عظيم لا يترتب عليه الطمع في تجاوز دور المجموعات، هنا بدأت سلسلة من الأخطاء الإدارية الفادحة ..

تعامل اتحاد الكرة مع المباريات الودية قبل نهائيات كأس العالم على أنها سياحة وسباق نحو ربط الأحزمة المونديالية، انشغل اتحاد الكرة بالبدل الرسمية لأعضاء الاتحاد تاركا الحبل الإداري على الغارب، ظهر عضو الاتحاد (مجدي عبدالغني) علنا عبر فضائية مصرية شهيرة يطلب أن يكون رئيسا للبعثة، بحجة أنه صاحب الهدف الملعون في مرمى منتخب هولندا في نهائيات كأس العالم بإيطاليا عام 1990 ..

وعندما جازف (مجدي عبد الغني) بكشف نواياه كان في الواقع يجسد للشعب المصري حقيقة أن اتحاد الكرة يتخبط دون ضوابط، كما أنه دليل على أن اتحاد الكرة بعيد تماما عن العمل الجماعي المنظم، كان التعاطي مع غرائب النزعة الذاتية قد خلف تراكمات نفسية في اتحاد الكرة، فانشغل الجميع بتحديد هوية المسافرين على حساب تجهيز المنتخب من الناحية الإدارية المحترفة ..

ومن أروقة مكاتب (الجبلاية) تصاعد الدخان الأبيض، الذي يكشف عن حجم الخلافات الشخصية التي تحولت مع اقتراب المونديال إلى تكسير عظام، خلافات تأكدت مع تلويح العضو (حازم إمام) بالاستقالة بعد أن وقع الفأس السعودي على الرأس المصري، نوايا (حازم إمام) دلالة على عدم رضاه عن أمور إدارية كثيرة زادت ماء التسيب على طحين الانتهاكات التي حولت إقامة المنتخب وتمارينه إلى حفلات وزيارات غوغائية أخلت بمعادلة التوازن النفسي للاعبين ..

عندما غادر المنتخب المصري إلى (غروزني) تناسى اتحاد الكرة أن نفسيات لاعبي المنتخب في الحضيض، هذا لأنه لم يحقق أي فوز أو تعادل في مبارياته طوال عام 2018، كانت هذه النقطة خطيرة للغاية فقد استحالت إلى عقدة لدى اللاعبين، وبدلا من بحث الأسباب وتلافي القصور دخل أعضاء الكرة في حروب ماراثونية حول أين يستقر المنتخب في روسيا؟

انقسم الفرقاء بين مؤيد للشيشان وبين معارض، وانتهى الخلاف بالاستقرار في (غروزني) بناء على استشارة من المدرب (كوبر)، وهناك كانت تنتظر محمد صلاح متاعب بعيدة تماما عن التركيز في مباريات المونديال ..

تحول محمد صلاح إلى وجبة دسمة لموائد رئاسية انزلق اللاعب خلفها دون حماية من الإداري المناوب للمنتخب، ودون إشعار مسبق من السفارة المصرية في (الشيشان)، كانت لقاءات صلاح مع رئيس الشيشان بريئة من الناحية الرياضية، لكن أطرافا حملت تلك اللقاءات ما لم تحتمل، ولقد عانى صلاح من تلك التأويلات في الصحف البريطانية تحديدا، اهتزت صورة ذلك المصري الطيب الودود الذي يتغنى به الإنجليز قبل كل لقاء (بو صلاح .. بو صلاح)..

فكانت مصيبة صلاح مصيبتين، مصيبة نفسية حين شعر بأنه ليس محميا من اتحاد الكرة المتمثل في إداري المنتخب، ومصيبة فنية جراء الإصابة التي يعاني منها على مستوى الكتف، لقد تشتت تفكير صلاح في الناحيتين فقل منسوب تركيزه داخل الملعب، ثم كانت المفاجأة التي قصمت ظهر صلاح أن المدرب (كوبر) وبدعم من اتحاد الكرة طلب من اللاعب أن يكون سفينة نوح يضم من كل زوجين اثنين، بمعنى أنه كان مطالبا بأن يأتي بالخوارق لوحده أمام روسيا والسعودية، هذا الشعور وصل للاعبين عندما كان الانفراد بصلاح عملية مستمرة تتم كل يوم عيني عينك ..

طريقة (كوبر) الدفاعية كان يمكن أن تأتي أكلها لو أن المنتخب تحصن من الاختراقات اليومية غير البريئة، أهم خطايا الاتحاد أنه باع (الكواليس) لقناة فضائية مقابل مبلغ يسيل له اللعاب، ساهم هذا الوضع (الشاذ) في تحويل معسكر المنتخب إلى وكالة من غير بواب، لقد أصبحت خصوصيات اللاعبين تذاع بشكل علني سافر، كان اللاعبون مفضوحين ببلاوي تلك (الكواليس)، واتحاد الكرة يشاهد الفوضى غير الخلاقة دون أن يحرك ساكنا ..

نفس تلك المظاهر الفوضوية التي استدعت عضوا منتدبا يسرح ويمرح في الوحدات التدريبية للمنتخب، ولم يجد مدربا ولا إداريا يوقفه عند حده ..

ظلت الاختراقات تتواصل على قدم وساق، وهذه المرة تدفق سيل من الفنانين إلى فندق المنتخب تحت يافطة رفع روح اللاعبين المعنوية قبل لقاء السعودية، والنتيجة أن الفوضى تناسلت وتكاثرت دون وعي، ودون احترام لقدسية الإقامة أو ملعب التمارين، وكالعادة وقف اللاعبون أمام هذه المشاهد الغوغائية في حالة استسلام، في حين ظل (كوبر) صامتا وهو يردد بينه وبين نفسه: إذا كان رب الدار للطبل ضاربا .. فشيمة أهل البيت الرقص ..

* اتحاد الكرة .. غلط في الحساب ..!

لا نعلم حقيقة حسابات اتحاد الكرة المصرية، وهو يصادق على (غروزني) كمحل إقامة للبعثة المصرية، لكن الدلائل تشير إلى أن اتحاد الكرة غلط في الحساب، ثم فشل في دمج لاعبه الأول محمد صلاح ضمن منظومة العمل، فقد ترك اتحاد الكرة نجم الفريق يصارع تيارات سياسية ما كان لها أن تتحول إلى صداع في رأس اللاعب لو أنه تفطن إلى أن ذلك الانعزال سيصيب اللاعب بتصدع نفسي ينعكس تماما على تركيزه الذهني داخل الملعب ..

الجانب الآخر يتعلق بضرورة إعادة تصحيح منظومة كرة القدم في مصر ، وهذا لن يحدث إلا إذا تفرغ أعضاء اتحاد الكرة لمهمة ترميم البيت الإداري من الداخل، لم يعد مقبولا أن يمارس عضو في اتحاد الكرة أربع وظائف أخرى، فتراه تارة محللا في الفضائية، وتارة أخرى ناقدا في برنامج رياضي يحمل اسمه، ومرة كاتب في صحيفة، وأخرى رجل أعمال يدير مؤسسة رياضية..

تحتاج الكرة المصرية في عصر الاحتراف إلى التخصص والتفرغ الإداري بعيدا عن المطامع الشخصية والعلاقات الضيقة، ليس عيبا أن يتقاضى العضو راتبا لكن العيب أن يجعل من منصبه مغنما للابتزاز على حساب مصلحة الكرة المصرية، ومن الواجب أن تتخلص الكرة المصرية من سرطان (قطبية) الأهلي والزمالك، لأن التنافس على مقاعد اتحاد الكرة لا يقل شأنا عن التنافس بين الأهلي والزمالك كرويا ..

تحتاج الكرة المصرية إلى فلسفة في (روزنامة) العمل، وتحتاج إنعاش وتطوير دوريات الفئات العمرية، والارتقاء بمنظومة إعداد اللاعب الناشئ فيصل إلى الفريق الأول وقد تغذى وترعرع على مبادئ الاحتراف الحقيقية، لأن الاحتراف في مصر مجرد حبر على ورق، كما أنه مصدر استرزاق لسماسرة معروفين يبيعون للشعب المصري المزيد من الوهم عن العالمية ..

وبصراحة لم تشهد منظومة العمل الإداري في مصر أي تغيير منذ أن كان المدرب الوطني محمود الجوهري ملهما في مونديال إيطاليا، وحتى العودة مجددا إلى المونديال مع (كوبر)، لقد ظلت العقلية الإدارية كما هي، جامدة و محلك سر ، لم تتغير ولم تتبدل ولم تتطور ..

نفس الكلام الذي قيل قبل 28 عاما يتكرر على لسان (هاني أبو ريدة) المؤسف أن تلك العقول هي ذاتها التي تتحكم في مصير الكرة المصرية بعيدا عن ضوابط الاحتراف وتطوير آلية بطولة الدوري الممتاز ، وهي بطولة تراجعت بحكم أن اتحاد الكرة حافظ على آلية العمل العقيمة، والنتيجة أن المواهب الفذة تبخرت بين النجوع، طالما و إنمنتهى أمل الاتحاد أن ينظم بطولة الدوري لأجل يفوز بها الأهلي حسب العادة، ثم الزمالك بعد أن يزهق الأهلي من أرقامه القياسية ..

مطلوب رؤية اتحادية واضحة، وخطط آنية ومستقبلية تقوم على أسس ومعايير علمية محسوبة بالقلم والمسطرة، تتيح لأندية المحافظات تصدير عملاتها دون وصاية ودون حجب، بلاش الاعتماد على الغيبيات ومبدأ (يومك عيدك)، على اتحاد الكرة أن يكون جريئا وصادقا مع نفسه ويعترف بتقصيره وعقلية الهواة التي تسيطر على عمله، اريحوا مائة مليون مصري لتستريحوا ..

أتمنى على الإعلام الرياضي المصري، وهو الرائد الحقيقي في الشرق الأوسط أن يميط اللثام ويكشف أقنعة من يبتزون الكرة المصرية، ويتلاعبون بمصيرها دوليا، فأي قراءة متأنية لما حدث للمنتخب المصري في مونديال روسيا سنصل إلى حقيقة مفادها: أن نتائج المنتخب المصري في مجموعته المونديالية طبيعية جدا ولا تحمل أي بصمة للمفاجأة، في ظل منظومة عمل مهترئة تدار بعقلية القرن الماضي فدائما يا جماعة الخير من يزرع الريح لا يجني سوى العاصفة ..!

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. نعم اتحاد الكرة سيء والمنظومة بأكملها تحتاج لتغيير، لكن كوبر أيضا مدرب مفلس.
    ويكفي ما فعله مع إنتر ميلان.. صفر أداء وصفر بطولات كبيرة رغم تواجد الظاهرة رونالدو.
    كوبر رجل لا يعرف سوى اللعب بطريقة واحدة، والمصيبة أنه لم يعد يتقنها.

    في النهاية يبدو أن الموقع مميز وبه كتابة جيدة، لكن يعيبه طول المقالات، تعبت جدا لقراءة كل هذا الكلام، هناك استرسال في بعض الأجزاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى