* بول بوجبا .. الهروب من جحيم مورينيو ..!

 

تحليل- محمد العولقي

 

*وراء الكواليس في منتج إجازته السنوية، جلس (بول بوجبا) يقلب صفحات الجرائد بعينين تائهتين ووجه متجهم يحمل توترا لا حدود له، انفرط عقد الأيام السعيدة التي عاشها (بول بوجبا) مع منتخب فرنسا الفائز بكأس العالم في روسيا، أصبح يسابق الزمن بحثا عن منفذ آمن يتيح له فرصة استعادة توازنه النفسي، أيام قليلة ويعود (بوجبا) إلى جحيم مانشستر يونايتد الإنجليزي، يفكر (بول) في كيفية الخلاص من (جوزيه مورينيو)، وفي كيفية استثمار تألقه مع منتخب فرنسا في كأس العالم والهروب من دوامة ومتاهة الشياطين الحمر ..

تبدو الإشارات الغزلية الإيجابية التي أرسلها (مورينيو) لنجمه غير كافية لرأب الصدع، فهي لم تردم هوة الخلاف مع (بوجبا)، كما أنها لم تحرك في متوسط ميدان منتخب فرنسا أدنى عاطفة تجاه مدربه ..

(بول كان رائعا وحاسما في مونديال فرنسا، لقد تحمل العبء الأكبر على عاتقه وقاد وسط الميدان بكفاءة واقتدار، كنت واثقا أنه سيتغلب على جميع الانتقادات التي شككت في قدراته، نحتاجه دائما أن يؤدي مع اليونايتد بمثل هذه البراعة )، رسالة (مورينيو) تختزن الأسرار التي دفعت الديك الفرنسي للتمرد على الأسد البرتغالي ذي المزاج المتقلب، ففي ظاهرها جرعة معنوية للاعب الفرنسي، وفي باطنها ملامح طمأنة لم تكبح جماح (بوجبا) الذي لا يقل مزاجية وعنادا عن (مورينيو)، فالفرنسي صاحب العلامة الفارقة في فوز فرنسا بالمونديال للمرة الثانية يصر على مغادرة مانشستر يونايتد مهما كانت المغريات، رافضا من حيث المبدأ فتح صفحة جديدة مع (مورينيو) ، لكن كيف يخرج (بوجبا) من هذا الجحيم وقد سدت الفرق الكبرى أبوابها في وجهه ..؟

* خفايا الصراع ..

عندما تولى (مورينيو) قيادة مانشستر يونايتد قبل عامين، طلب من إدارة النادي ضرورة استعادة (بول بوجبا) من يوفنتوس الإيطالي باي ثمن (تخلى أليكس فيرجسون عن بوجبا وعمره 18 عاما لصالح يوفنتوس)، وهو ما دفع الإدارة لأن تبرم صفقة قياسية في تاريخ النادي كلفت ما يقارب 105 مليون يورو ، لكن لماذا فرض (مورينيو) على الإدارة إبرام هذه الصفقة بهذه التكلفة الباهظة؟

قطعا الأمر لا يتعلق بمؤهلات (بوجبا) الفنية و التكتيكية، فهو رغم ما يكتنزه من قدرات وفنيات و أداء قتالي ومهارات رفيعة لا يمكنه أن يتقمص دور (ميسي) مع برشلونة، أو (رونالدو) مع ريال مدريد سابقا، الواقع أن إصرار (مورينيو) على (بوجبا) كان وراءه ريال مدريد، فالفريق الملكي وضع (بوجبا) في حساباته وبدأ يستميل اللاعب تدريجيا، ولكي يحبط (مورينيو) هذه الصفقة لنوازع ذاتية طلب ضرورة جلب (بوجبا) مهما كلف الأمر، في نظر (مورينيو) كان الظفر بصانع ألعاب يوفنتوس انتصارا ساحقا على ريال مدريد ونوعا من تصفية الحسابات القديمة  مع (فلورنتينو بيريز)..

ولكي يخلق (مورينيو) مبررات قوية لهذه الصفقة الأعلى رقما في ذلك الوقت، كان على (مورينيو) أن يعقد مؤتمرا صحفيا كال فيه المديح بحق لاعبه الفرنسي (بول بوجبا)، إلى درجة أنه شبهه كثيرا بصانع ألعاب برشلونة (ليونيل ميسي)، وربما كان هذا التشبيه غير المنطقي أول من قصم ظهر (بوجبا) معنويا، ولقد تنامت وتعاظمت الضغوطات على (بوجبا) من كل حدب وصوب، وبات مطالبا أن يلمس الكرة فتتساقط الأهداف في مرمى الخصوم بغزارة أمطار الصيف..

بدأ وكأن (مورينيو) قد اقتنع واستأنس بالدعاية الإعلامية التي نسج خيوطها بنفسه، وبدلا من مساعدة (بوجبا) على التكيف مع الأجواء الإنجليزية المختلفة عن الأجواء الإيطالية كليا، طلب منه أن يكون (سوبر مان) الفريق، وأن يصنع الفارق في كل المباريات تحت ذريعة أن إمكانياته الهائلة تؤهله للقيام بكل الأدوار ..

حاول (بوجبا) تحرير ملكاته من الضغوطات واللعب بنفس المستوى مع يوفنتوس ، لكنه ظل يختنق كثيرا في الملعب والسبب (مورينيو) الذي كان يبدل ويغير مراكز (بوجبا) ، تارة لاعب وسط طرفي في اليسار ، وتارة محور ارتكاز ثابت ، وتارة صانع ألعاب ، هذا التنوع في الوظائف أفقد الفرنسي مزاجه وانضباطه، أربكه بشده ، وجعل أداءه يميل للعشوائية  وهو يرى نفسه حقلا للتجارب ، وكان لابد مما ليس منه بد ، بدأت فجوة التذمر تكبر مباراة وراء مباراة إلى أن تحولت إلى خلاف علني واضح ..

* الهروب بأي ثمن ..

لا يختلف اثنان على براعة (بوجبا) كلاعب وسط ميدان يقاتل أحيانا بسيوف العصور الوسطى، ويوزع المتعة أحيانا عندما يكون مزاجه رائقا، لكن ما يؤخذ عليه رغم براعته في المونديال أنه عنيد ولا يتنازل عن قناعاته قيد أنملة، شخصيته العنادية جعلته يتخذ من (مورينيو) ندا وخصما لا مدربا، بالمقابل لا يختلف (مورينيو) حاد المزاج عن (بوجبا)، فهو دائما لا يحسن التعامل مع النجوم ، ويرى نفسه النجم الأول بلا منازع، ووسط هذه الأمواج المتلاطمة كان لابد من حدوث تصادم بين الطرفين، ولقد أطلق (مورينيو) شرارة التصادم بطريقة غير متوقعه عندما أجلس (بوجبا) احتياطيا أمام (إشبيلية) في ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا ذهابا و إيابا، فلم يشارك إيابا إلا بعد خراب مالطا، لكن المؤلم في الأمر طريقة تعامل (بوجبا) مع الخسارة في (الأولد ترافورد)، خرج اللاعب مبتسما ولا أقول سعيدا، وهو تصرف يعكس التوتر الذي يتصاعد بينه وبين (مورينيو)..

هبط مستوى (بوجبا) كثيرا، ولم يعد ذلك اللاعب الذي يستقيم عليه عود الفريق ، ولقد وجدت الصحافة الفرنسية الفرصة سانحة لأن تنهش في لحم (بوجبا)، ثم تطالب (ديديه ديشامب) بضرورة عدم الاعتماد عليه في مونديال فرنسا، ولعل من حسنات (ديشامب) القليلة أنه صم أذنيه عن ذلك النداء، بل إنه تحمل مشقة الدفاع عن (بوجبا) رغم مردوده الضعيف في المباريات الودية التي سبقت المونديال، ثم قالها بعلو صوته: (بول) لاعب لا يمس، إنه ورقتنا الرابحة في الوسط، حيث يؤدي أدوارا مختلفة لا يستطيع أن يؤديها أي لاعب في العالم سوى (بوجبا)..

 

تدريجيا بدأ (بوجبا) يهيمن على وسط ميدان منتخب فرنسا في كأس العالم، تصاعد أداؤه إلى أن بلغ منسوبه الزبى في الأدوار الحاسمة، كان الفضل في هذا التألق لزميله محور الارتكاز الدفاعي (نغولو كانتي)، الذي كان مكنسة كهربائية في استرجاع الكرات، و قاعدة رادار تكتيكية حررت (بوجبا) هجوميا وجعلت منه لاعبا يؤدي الكثير من الواجبات بشهية مفتوحة، تضاعفت ثقة (بوجبا) بنفسه بعد أن أقنع كبار مدربي العالم أنه قطعة غيار نادرة لم يحسن (مورينيو) استخراج كل قدراتها الفنية والبدنية، وكان طبيعيا أن يتولد لدى (بوجبا) شعور أنه أخطأ الطريق نحو اليونايتد تحت قيادة (مورينيو)، فباتت وسيلة الخلاص من جحيم (مورينيو) هاجسا يقض مضجع الديك الفرنسي، خصوصا مع انسداد الأفق أمامه بعد أن تعاقد برشلونة مع (فيدال) لاعب بايرن ميونخ، وهو ما يعني ان (بوجبا) خرج من حسابات (فالفيردي) نهائيا برغم محاولات (جيرار بيكيه) إقناع الإدارة بضرورة جلب الفرنسي إلى معقل البرشا ..

أيام قليلة و يغلق باب الانتقالات الصيفية دون أن تتحدد واجهة (بوجبا) الذي يصر على الرحيل عن اليونايتد هذا الصيف مهما كلف الأمر، حدد النادي قيمة مائة مليون يورو للاستغناء عن خدمات (بوجبا)، وهو مبلغ كان يمكن لليوفنتوس دفعه لاسترداد نجمه لولا أنه تعاقد مع (كريستيانو رونالدو) نظير 130 مليون دولار جعلت الموقف المالي للنادي مهزوزا بعض الشيء ..

ترى هل من انفراجة لأزمة (بوجبا) مع (مورينيو) أم أن الطريق أمام الديك الفرنسي بات مسدودا حتى إشعار آخر ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى