إنتر سباليتي ومنافسة يوفنتوس.. واقع أم خيال؟

 

تحليل- أحمد مختار

 

“نحن نصنع أشياء بسيطة، لكن نتقنها بشكل جيد، وهذا هو الأهم”، لوتشيانو يطمئن جماهير الجوزيبي مياتزا، بعد سنوات طويلة من القلق والشك، منذ لحظة رحيل جوزيه مورينيو بعيدا عن إيطاليا. هكذا كانت اللحظات السعيدة بداية الموسم الماضي، لكن كل شيء تغير للأسوأ، حتى نجاح الأفاعي في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وخطف آخر بطاقة لدوري الأبطال، بعد الفوز على لاتسيو في أسبوع الحسم.

إنتر ميلان فريق براجماتي، يلعب بواقعية شديدة منذ بداية تألقه تاريخيا منذ سنوات قديمة، ومع سباليتي حافظ على نفس النسق، مع استخدام وسطه في نقل الكرة من الدفاع إلى الهجوم، واستغلال مثلثات التمرير التي قد تبدو مملة وبطيئة، لخلق الفراغ اللازم أسفل الأطراف، تجاه بيرسيتش وكاندريفا، مع تحرك الظهيرين باستمرار للداخل والخارج كخداع للخصم أكثر منه استلام وتسليم.

بدأ إنتر بشكل مميز لكنه أكمل الموسم بطريقة سيئة بعض الشيء، مع تباين واضح في المستوى من فترة لأخرى، حتى عقد أكثر من صفقة رائعة هذا الصيف، لتضعه الصحافة الإيطالية كمنافس فوق العادة أمام يوفنتوس، وكأن الأمجاد القديمة ستعود مع سباليتي، إلا أن بداية الكالتشيو كانت صعبة للغاية، لدرجة أجبرت المدرب على التصريح قائلا، “يجب علينا أولا أن ننافس روما ونابولي، قبل التفكير في منافسة اليوفي”!

 

فلاش باك سريع لأفضل لحظات الموسم الماضي، أمام نابولي على سبيل المثال في سان باولو. لعب إنتر بخطته العادية 4-2-3-1 لكن مع وضع دي أمبروزيو كقلب دفاع ثالث أكثر منه ظهير أيمن، على مقربة شديدة من سكرينيار وميراندا. وكأنه يسحب هجوم نابولي ووسطه للضغط أكثر على هذه الجهة.

وبمجرد بدء الهجمة، يبدأ دفاع إنتر في لعب الكرة الطولية مباشرة نحو الوسط، خصوصا مع صعود جورجينيو بجوار وسطه لخطف الكرة سريعا أمام مرمى الضيوف، لذلك يحصل الإنتر على فرصة أكبر للحصول على الكرة الثانية في وسط ملعب نابولي، ومن ثم نقل اللعب إلى اليمين مباشرة نتيجة تقدم هذه الجهة عند نابولي، من أجل الضغط وطلب الكرة.

صحيح أن نابولي لم يكن محظوظا في أكثر من محاولة، وكان الطرف الأقرب للفوز على مدار الشوطين، لكن في النهاية خرج إنتر بنقطة ثمينة، وظهر أيضا بصورة متحدة من دون الكرة، على عكس ما جرت العادة لأي فريق يلعب في سان باولو.

تحول الإنتر شيئا فشيئا لنسخة أسوأ، نتيجة عدم وجود دكة قوية، وانخفاض مستوى بعض الأسماء الرئيسية، بالإضافة لضعف خط الوسط في التعامل تحت الضغط، وضبط التحولات من الدفاع إلى الهجوم أو العكس، دون نسيان الاعتماد المبالغ فيه على ثنائية إيكاردي-بيرسيتش، والتي أنقذت الفريق كثيرا، لكن بالتأكيد أثرت بالسلب عند انخفاض مستوى أحدهما، خصوصا أننا نتحدث عن أسماء مميزة، لكنها لم ولن تصل إلى مردود ميسي أو رونالدو مثلا، في الحفاظ على المردود لعدم مواسم متتالية.

كل هذه الأسباب جعلت إدارة الإنتر تفكر في تطوير المشروع، بالتعاقد مع أسماء جديدة، مثل ناينجولان، لاوتارو مارتينيز، كايتا، فيرساليكو، بوليتانو، أسامواه، وغيرهم، ليعتقد البعض بأن الأيام الوردية قادمة لا محالة، رغم أن الواقع أكثر تعقيدا، والدليل ما حدث في البدايات، أمام ساسولو وتورينو.

لعب سباليتي برسمين مختلفين في أول مباراتين، 4-4-1-1 أمام ساسولو، و3-4-2-1 ضد تورينو، ليخسر المباراة الأولى بأداء كارثي، بعد انعدام عملية صناعة الفرص، وضعف إنتاج الوسط في ربط خطوط الفريق، بينما أدى بشكل أفضل في المباراة الثانية، قبل أن يتراجع المستوى دون مبرر في النهايات. ومع الاختلافات الواضحة بين الخطتين، بقت ثنائية “فيتشينو-بروزوفيتش” ضعيفة بوضوح في محور الارتكاز، لتضع مزيدا من علامات الاستفهام حول “ميركاتو” إنتر.

إنه سوق صيفي جيد لا أكثر ولا أقل، لا يصل أبدا إلى مرحلة الامتياز كما وصفه الإعلام، والسبب واضح وصريح، لا يزال خط الوسط ضعيفا وغير منتج، بعد عدم ضم رافينيا من برشلونة، أو الإصرار على فيدال، كذلك فشل الإدارة في إقناع بيريز بالتخلي عن الرقم 10 مودريتش، لقد خسر سباليتي تدعيما مهما في المنتصف، لأن إنتر في أمس الحاجة إلى لاعب قادر على ربط الدفاع بالهجوم، وإعطاء الفريق ثقلا ضروريا في العمق، حتى بعد عودة نانيجولان واستعادته لمستواه، فالبلجيكي لاعب “بوكس تو بوكس” أكثر منه لاعب وسط دائرة، أي أن التحكم في نسق المباريات لن يحدث، به أو من دونه.

خطة ثلاثي الخلف توفر لإنتر تركيبة أفضل دفاعيا، مع دي فري، سكرينيار، وميراندا أو أمبروزيو، كذلك تعطي فيرساليكو وأسامواه ميزة الصعود المنتظم للهجوم، لكنها أيضا تفتقد للعمق المطلوب، من خلال ضعف الارتكاز في القطع الهجومي، وميل بيرسيتش المبالغ فيه للخط الجانبي، في تعارض وتنافر مع أسامواه، لأن الثنائي يتحرك أكثر للطرف لا للداخل، مما جعل الهجوم متوقعا في أوقات عديدة من المباراة، وبالتالي لن تحل هذه الخطة مشاكل إنتر كاملة، حتى بعد عودة ناينجولان واستعادة النجوم لمستواهم المعهود.

يطالب الكثيرون برسم ثلاثي الخلف، الذي يناسب بشدة خط دفاع إنتر، لكنه يفتقد بشدة لصانع اللعب في العمق، بالإضافة إلى عدم وجود لاعب هجومي متحرك بين الطرف والعمق، لميل بيرسيتش إلى الجناح، ودخول النينجا إلى الهجوم مباشرة، مما يجعل الجانب الآخر خاليا من الدعم لمساندة فيرساليكو يمينا. ربما تنجح هذه الخطة مستقبلا، لكن يحتاج إنتر لأكثر من صانع لعب خلف الكرة، لتعويض قيمة اللاعب المفقود في الميركاتو الصيفي.

يستطيع كايتا بالدي تقديم المساندة لإيكاردي في العمق، كنصف مهاجم ونصف لاعب وسط إضافي، مع ترك بيرسيتش على الخط، وفي الناحية الأخرى بوليتانو على سبيل المثال، لأن هذا الثنائي يناسبه أكثر رسم الرباعي الخلفي، لصعوبة قيامهما بدور صانع اللعب بين الخطوط على خطى هازارد مثلا في تشيلسي، بالإضافة لدخول ناينجولان في العمق بجوار بروزوفيتش، واللعب برسم قريب من 4-4-2، لعدة أسباب أهمهما..

تغطية الوسط برباعي متنوع ومتحرك بين الارتكاز والجناح، وزيادة عدد الفرص بوجود أكثر من خيار بالأمام، سواء كان كايتا أو إيكاردي، مع البديل الأرجنتيني مارتينيز، كذلك لأن فيرساليكو أو أسامواه ثنائي أقرب للأظهرة من الأجنحة، خصوصا الكرواتي الذي يحتاج للاعب جناح أمامه، على خطى تألقه بكأس العالم مع كرواتيا، لذلك تشكيلة رباعي الخلف أكثر ملاءمة لقدرات لاعبي إنتر، من نظيرها الخاصة بثلاثي الدفاع، والمفضلة للجمهور والإعلام.

كل هذه الأفكار مجرد حبر على ورق، لأن سباليتي هو الأهم، عليه أن يُظهر قدرته على إعادة ضبط الأمور في ميلانو، خصوصا مع سلبيته الواضحة في التغييرات وقراءة المباريات، مما يجعل فريقه في وضع صعب، نتيجة تأخر المدرب في التعامل الصحيح مع المجريات، ونقل هذا الشعور إلى لاعبيه داخل الملعب، فالانهزامية قاتلة على طول الخط، حتى وإن كنت تلعب مع فريق درجة ثانية، لا نادي بحجم وقيمة وتطلعات إنتر ميلان!

 

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى