جلاكتيكوس الهلال .. بداية الغيث هاجس ..! 

تحليل – محمد العولقي 

* لا يمكن أن تذهب إلى أي مكان في (الرياض) دون أن تسمع حديثا مفتوحا على مصراعيه، مليئا بالضجيج حول (جلاكتيكوس) فريق الهلال السعودي لهذا الموسم الأزرق الباذخ على مستوى التركيبة البشرية للفريق الذي يدغدغ كل مشاعر الجماهير الهلالية في المملكة وخارجها ..

لا يتوقف الحديث عن المدرب البرتغالي (جورجي جيسوس)، وعن ومدى قدرته على ترويض كتيبة (الجلاكتيكوس)، والسيطرة على غرفة ملابس زرقاء تتدلى منها لآلئ كروية ثمينة، يتوقع لها أن توزع السحر على الهلاليين في صورة انتصارات ساحقة تتيح للهلال التهام أقراص الذهب وترك فتات الفضة والبرونز للمطاردين ..

يبدو الترقب الهلالي مشوب بالحذر على أساس أن (جيسوس) قد لا يروق للكثيرين ذ، غير أن الحكم عليه من خلال مباراة أو مباراتين لا ينسجم مع المنطق، ورغم ذلك فإن مخاوف الهلاليين من قدرات (جيسوس) لها ما يبررها لسببين منطقيين:

الأول: يتعلق بالفائض الكبير في منسوب اللاعبين، وفي هذه التخمة التي تعاني منها مجرة (الجلاكتيكوس)، حيث تحتاج هذه المجرة المحترفة إلى عقلية خبير رصين نافذ البصيرة، مدرب يعرف كيف تكون (عصمة) الفريق في يده وحده، مدرب قوي الشخصية يحتوي غرف الملابس، ويضع كل اللاعبين أمام خيار وحيد يتعلق بمستوى وقدرة كل لاعب على أداء الأدوار التكتيكية بعيدا عن نجومية الأسماء و إرثها السابق..

والثاني: وهو الأهم ويتعلق بالهيكل التنظيمي للهلال داخل الملعب، هيكل تكتيكي يستطيع أن يحتوي كل الكفاءات الفنية بمرونة مزدوجة تحافظ على الثوابت والتوظيف، وهذا التنوع في الشاكلة التكتيكية متاح أمام (جيسوس) إذا حكم عقله عند الاختيار وترك (قلب) العاطفة في بيته..

وإذا كانت مخاوف الهلاليين من (جلاكتيكوس) المدرب البرتغالي مجرد هواجس تستند على تجربة (ريال مدريد) الإسباني في حقبة بداية هذا القرن، فلأن الهلاليين يرجون (جيسوس) أن يقرأ التجربة المدريدية التي جمعت الفشل الذريع من طرفيه، رغم أن الفريق كان يستند على ثوابت بشرية عملاقة كزيدان وبيكهام ورونالدو ولويس فيجو وراؤول ومايكل أوين وروبرتو كارلوس، مجموعة ذهبية مخيفة لكنها متنافرة فكرا ومتباعدة تكتيكيا، الأمر الذي جعل الريال بلا أنياب وبلا مخالب، ونتيجة لكل هذا التضارب قدم الريال نفسه لقمة سائغة لكل فرق (لاليجا) كبارها وصغارها.

كان (جلاكتيكوس) الريال أكبر من أي مدرب عالمي مهما كان وزنه، والنتيجة أن الفريق في غياب حادي القافلة ظل يلعب بعقلية منفردة بعيدا عن روح الجماعية، ودون أي وثاق تكتيكي يربط كل هذه الجواهر الكروية ببعضها البعض..

  * البداية المستعصية .. 

ربما لم يمر الهلال طوال تاريخيه بمثل هذا المنعرج التاريخي على مستوى الكتيبة الزرقاء التي تطفح بنجوم دوليين لهم وزنهم العالمي دون شك، وهذا ما يجعل تجربة (جلاكتيكوس) الهلال متشبعة بالكثير من الهواجس والمخاوف..

فمثل هذا الثراء الفني في مختلف الخطوط بحاجة إلى (صائغ) حاذق يعرف كيف يطوع هذه الكتيبة الذهبية وتشكيلها كما يريد لا كما يريد لاعبو الثقل، وبحاجة إلى عقلية مدرب أشبه بمروض الأسود يعرف كيف يحتوي تذمر اللاعبين الاحتياطيين  حتى لا ينقلب الحد إلى الضد، وتتسبب سحابة (الجلاكتيكوس) في حجب الانتصارات عن الهلال ولو جزئيا..

نظرة خاطفة على خريطة (جلاكتيكوس) الهلال هذا الموسم ستصاب بالكثير من الاستعصاء الذهني، فالفريق يضم لاعبين أو ثلاثة في كل مركز، والفوارق بين هؤلاء اللاعبين تكاد تتوارى حتى التلاشي، ستكون المفاضلة بينهم صعبة، وربما سيحتكم المدرب إلى جزئيات صغيرة عند وضع التشكيل المثالي، وإذا كان بعض الفنيين يرون هذا الثراء الهلالي (نعمة) يمكن أن تكون ورقة رابحة تحت تصرف أي مدرب في حالات الطوارئ..

إلا أن فنيين آخرين عاشوا نفس التجربة عالميا يرون أن هذه التخمة (نقمة)، قد تتحول إلى (لعنة) في حال  فشل المدرب في حياكة ثوب تكتيكي يستوعب كل هذه الجواهر على قاعدة اللاعب المناسب في المركز المناسب ذ..

ربما كان من حسن طالع (جورجي جيسوس) أن الفريق خاض مباراته الأولى هذا الموسم أمام فريق الفيحاء وهو يئن من إصابات بعض لاعبيه المؤثرين على غرار عبدالله عطيف وسلمان الفرج ونواف العابد وعبدالله الخيبري..

بالإضافة إلى غياب الوافد الجديد عمر عبد الرحمن (عموري) لأنه مازال يترنح على مستوى الطراوة البدنية (على حد زعم المدرب)، هذه الغيابات أراحت (جيسوس) وجعلته يتنفس الصعداء، لأنها أتاحت له فرصة تطويق عناصره التي ارتفع منسوبها مع وصول المهاجم الفرنسي (غوميز)..

لكن حتى في ظل هذه الغيابات الطارئة، فإن (جيسوس) بقي في حيرة من أمره، بحكم أن دكة البدلاء لازالت غنية بالكفاءات خصوصا في الوسط والهجوم..

حرصتُ على متابعة مباراة الهلال أمام الفيحاء في الجولة الأولى لدوري المحترفين السعودي، وبعين فنية سجلت الكثير من الملاحظات على المدرب البرتغالي (جيسوس) سأكتفي هنا بثلاث، أما الرابعة سأتركها لتناولة قادمة لأهميتها تكتيكيا وخطورتها فنيا..

تشكيلة الهلال أمام الفيحاء

الملاحظة الأولى: يبدو (جيسوس) مضطرا لاعتناق شاكلة 4/2/3/1، كي يضمن إشراك أكبر قدر ممكن من نجوم (الجلاكتيكوس) في الوسط، الخطورة في الأمر أن المدرب يبدو غير مقتنع بهذه الطريقة، لكنه مضطر للتمسك بها ليبعد عن نفسه الإحراج أمام بعض اللاعبين، فكيف سيكون الحال مع عودة المصابين، ورطة تكتيكية ولا شك يجب على المدرب السيطرة على توابع زلزالها عندما تحين ساعة التذمر..

الملاحظة الثانية: يركز (جيسوس) على مستوى القوة الفنية والبدنية عند لاعبيه خصوصا الرواقين ياسر الشهراني في اليسار ومحمد البريك في اليمين، لكن (جيسوس) يتناسى أن الكثافة العددية في الوسط الطرفي تلغي الكثير من امتيازات ياسر و البريك..

فقد لاحظت أنهما يختنقان على مستوى التموين، وهذا من شأنه أن يخلق فوضى وتضاربا في المهام، كما أنه يحد من غزوات الظهيرين اللذين أراهما مصدر الخطورة رقم واحد قبل حتى إدواردو ونيفيس وخريبين وغوميز ، وهذا العيب ظهر واضحا على الهلال في الشوط الأول، ولولا حجم المنافس وقلة خبرة لاعبيه لمارس حربا نفسية تفرغ حمولة (جيسوس) من محتواها..

الملاحظة الثالثة: عانى الهلال أمام الفيحاء من الاختناق في معظم القنوات الهلالية الفاعلة، وهذا الاختناق الذي قد يبرره المدرب على أنه ترنح بدني مع بداية الموسم، أرى أن سببه المباشر ضعف اللياقة النفسية عند لاعبي الهلال، وهذا عامل مهم جدا أثر على الأداء الهلالي بشكل واضح..

وقد تجلى هذا الفقر في اللياقة النفسية من خلال انعدام شبه كامل للعراكية وصرامة الرقابة الصارمة للخصم، وفشل الفريق في إيجاد حلول تساهم في وأد عملية الاستعصاء، بدليل أن هدف المباراة الوحيد جاء من ركلة جزاء على خلفية مناورة فردية من الظهير الكاسح محمد البريك، ولم يأت من عمل تكتيكي مدروس ومنظم..

أما الإشكالية الحقيقية التي قد تضع (جيسوس) على صفيح ساخن طوال الموسم، فتتعلق بمعادلة (عموري و إدواردو)، ترقبوا فك طلاسمها في تناولة قادمة إن كان في العمر بقية ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى