مفاهيم مفقودة.. الملهم “ساكي” وقصة السان سيرو العظيمة

 

كتب- عمر الصالحي

 

قبل عقود من الزمن حدثت قصة لايزال صداها يُذكر إلى الآن، القصة تعود إلى مدينة ميلانو الإيطالية حيث يتواجد نادي آيسي ميلان أحد أعظم أندية أوروبا والعالم.

جمع حديث بين بيرلسكوني رئيس نادي ميلان ومدرب الفريق أريغو ساكي حينها، حيث قال بيرلسكوني في يوم ما موجهاً حديثه لساكي في الزمن الذي تفشى فيه مفهوم النجم الأوحد، زمن مارادونا “نابولي” وبلاتيني “يوفنتوس”: “نريد مهاجماً يضيء” السان سيرو “، فكان الرد الصادم من ساكي: “من سيضيء السان سيرو هي طريقة لعبنا”.

ساكي

اريغو ساكي هو أحد أعظم المدربين الملهمين “المبتكريين” في عالم الساحرة المستديرة، ورده البليغ هذا له دلالات عميقة.

هذا المدرب الإيطالي الذي أضاء عالم الكرة وابتكر “كرة الأشباح” ونجح في فترة ميلان الذهبية وعُرف فريقه باسم “ميلان ساكي”، يبين حجم العمل الكبير الذي يجب على كل مدرب عمله لبناء فريق عتيد بعيداً عن الأسماء، فهي كحال المقولة الأشهر في رواية الكسندر (الفرسان الثلاثة) “الفرد من أجل الجميع، والجميع من أجل الفرد”.

ويأتي هذا التعبير البليغ أيضاً في كرة القدم ليكشف الكثير من الخبايا في الطريق لتحقيق الأمجاد، لقد مقت ساكي نظرية النجم الأوحد بطريقة غير مباشرة ليوحي إلى برلسكوني الخلطة السحرية التي اعتمدها لقيادة الفريق في المرحلة القادمة بعيدا عن الأهوام السائدة حينها.

منطلق أن النجم الواحد هو القادر على صناعة المجد ما هو إلا جلب انتصار زائف “مبكر” قبل خوض المعركة “الخاسرة” التي ثبت فشلها في واقعنا القريب..

أسس عظيمة من حياة ساكي

قال ساكي في يوم من الأيام: “لا يجب أن أقلق من غياب لاعب ليس موجود، بل القلق يكون عندما يغيب لاعب موجود على أرض الملعب”.

إن عمق الجانب الفني لدى ساكي اعتمد كثيراً على جماعية الفريق رغم تواجد مجموعة كبيرة من النجوم كفان باستن ورود خوليت وفرانك ريكارد وباولو مالديني، ولكن عقلية الإيطالي الفريدة جعلته يفكر بأفكار خارج الصندوق آنذاك مما جعله أحد أبرز الأسماء التدريبية.

وتشير هذه الفلسفة إلى أن الاختيار الأمثل لقائد الكتيبة “المدرب” أهم من اختيار الجندي الشجاع “اللاعب”، فالأول هو من يحرك الكتيبة كيفما يشاء كقطع الشطرنج لكسب جولة تلو الأخرى بتكتيك “التوهين” مثلاً.

ويتبع ذلك قدرة هذا المدرب على أن يكيّف الفريق مع طريقة اللعب التي يراها مناسبة ومواءمتها مع إمكانيات اللاعبين في تشكيلة الفريق كالذي فعله ساكي مثلاً.

إرث كبير..

المتتبع لمسيرة بعض المدربين العالميين مؤخراً كالسير اليكس فيرغسون وغوارديولا ومورينهو وفينغر وساري وغيرهم من المدربين سيلاحظ أن جميعهم مرو بمنعطفات سواء على المستوى الحياتي والتدريبي..

وهذا زادهم إصرارا على تحقيق النجاح، وجعلهم شعلة في طريق التميز والإجادة بعد أن قدموا أنفسهم للعالم بصورة مثالية.

إنهم عملو كثيراً للوصول إلى مبتغاهم، واعتلو الهرم التدريبي العالمي بعد استفادتهم من الإرث الكبير الذي خلفه أسلافهم من المدربين العظماء القدامى كساكي الذي استمرت أفكاره بالتطور بعدة أصناف من قبل العديد من المدربين العالميين النتواجدين حاليا.

قد لا يصدق الكثيرون أن ساكي بدأ حياته كبائع متجول للأحذية إلى أن وصل إلى قمة هرم الأمجاد مع نادي الميلان، الظروف العسيرة والرغبة الكبيرة والهوس بالمجد  دفع بهذا الأصلع الإيطالي إلى أن يتسيد المشهد الكروي الأوروبي بعد ابتكاره للعديد من الأفكار والخطط التدريبية.

ورغم أن الإيطالي وجد الكثير من العراقيل في حياته بعد حملة واسعة قادها بعض الجماهير التي أساءت له لعدم حمله السيرة الذاتية المميزة لقيادة الفرق الإيطالية ظل هذا الأصلع يجاهد دائما ومتمسكاً بحلمه وبأفكاره بعيداً عن الظروف التي لطالما تغنت بها ألسن المدربين عند مواجهة الإخفاق في مسيرتهم التدريبية.

إن جودة المدربين تحكمها الكثير من الأسس العلمية والعملية والفنية، ولكن يبقى الجانب الأهم هو “العطاء” الذي يقدمه المدرب نفسه، وهل سيوازي حجم الطموحات الملقاة على عاتقه، وما هي قدراته على مستوى إحداث التأثير النفسي والمعنوي ليلهم كتيبة اللاعبين التي يقودها معنى الانتصار..

إنه الملهم ساكي الذي كان أحد أفضل من قدم دروسا في الكرة الجماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى