يا زول …!

 

كتب- محمد العولقي

* ليس من لوازم العقل، ومقتضيات الوفاء بشروط المهنة في شيئ، الاكتفاء من النقد الرياضي والموقف الإعلامي بالمتابعة الخبرية لطقس الكرة السودانية المتقلب بنظام قرون الاستشعار دون الوفاء بواجب توضيح الصورة .

رغم أن الواضحات من الفاضحات كما قالت العرب العاربة والعرب المستعربة ..

وفي ظل هذه القناعة أعترف دون ضغط أو إكراه أننا قصرنا كثيرا في مد يد العون لكرة سودانية مثيرة للأعصاب، بينها وبين التاريخ والجغرافيا علاقة تزاوج كاثوليكي.

وبينها وبين الشعب الذي يلعب الكرة على امتداد مليون كيلو متر مربع توأمة روحية، كلما عطست الكرة السودانية يصاب الشعب بالزكام ..

بالمناسبة الشعب السوداني الذي تتوزع عاطفته الكروية بالتساوي بين الهلال والمريخ، مثقف كرويا يمتلك ذاكرة فوتوغرافية إعصارية .

شعب إن حاور صحفيا رياضيا غلبه، وإن حاصر مدربا هزمه بقاضية الفهم والمعرفة، شعب صاحب ذوق رفيع للغاية لا يعتدل مزاجه إلا بتحليل هدف وسبر أغوار تمريرة حريرية ساحرة خرجت من قدم لاعب .

شعب يمتلك ناصية الإقناع، عندما يتكلم في الكرة يسكت الجميع عن الكلام المباح ..

يقف شعر رأسي تعجبا عندما أفتش في دفاتر الكرة السودانية القديمة على طريقة التاجر الهندي، فالمنتخب السوداني الذي كان سيد أفريقيا عام 1970، هو ذاته المنتخب الذي يحتفي ببيضة الديك ، كلما خرج من (حفرة) تصفيات سقط في (دحديرة) جديدة ليس لها قرار ..

وأشهد – والشهادة لله – أن الجمهور السوداني ظريف خالص، ويمكن خالص مالص على رأي الفنانة خفيفة الظل (شويكار) في فيلم (العتبة جزاز).

فهو عندما يغضب من صقور (الجديان) يعبر عن غضبه بحرق العمائم السودانية، جمهور مهذب ومؤدب لا يستهويه الصوت العالي، ولا يلجأ لقلة الأدب للنيل من لاعب مقصر أو مدرب مدمر .

جمهور خفيف الدم يجيد التهكم والسخرية في قالب كوميدي يوقف القلوب من شدة الضحك ..

ينظر ساسة (العربان) للسودان على أنه (سلة الخبز)، يلوذ بأرضه الجياع كلما طرقت المجاعة باب الأزمات ومسنا الضر .

كما أنه بلد يفيض نيله الأزرق خيرا وفيرا فيجعل من مساحة السودان جنة الله في أرضه ..

تربة السودان الخصبة تنتج كل شيئ، وأرضها دواء لكل داء يستطب به إلا كرة القدم التي تحولت عند السودانيين إلى مرض عضال، و داء ليس له علاج .

فالسودانيون الذين يهيمون على مساحة هي الأكبر عربيا يركضون خلف كرة القدم، وكلما صدمهم المنتخب في بطولة أو تصفيات لم يقولوا :” توبة من بعد ذي النوبة”.

بل على العكس يتذمرون ويتعايشون مع انتكاسات المنتخب ولسان حالهم يقول : “مهما أطعمتمونا هزائم وراكم وراكم “..

نعم ليس على المرء إلا أن يكون مقامرا حتى يجرؤ على تحمل مسؤولية الحديث عن كرة سودانية تتحكم في المزاج الشعبي .

ناهيك عن الحديث عن لحظتها الراهنة التي لا تشير بالضرورة إلى القاعدة الرياضية الشهيرة التي تعتبر كرة القدم بوابة الإنسان نحو التفاؤل ..

يعلم المشجع السوداني خفيف الظل والعاشق الولهان أن الكرة السودانية تتخبط (خبط عشواء) في الظلام .

ويعلم أنه عندما يركض خلف قطبيه الهلال والمريخ محليا فكأنما يركض نحو سراب العالمية، باعتبار البوابة المؤدية إلى الانفتاح معتمة، لن يراها اتحاد الكرة حتى لو تعاقد مع عيني زرقاء اليمامة ..

لاسبيل أمام الكرة السودانية للخروج من شرنقة التقوقع سوى تصحيح المسار، والانطلاق نحو آفاق الاحتراف بعيدا عن اللجوء لخدمات المدرب الوطني (محمد عبدالله مزدا) القابل للطرق والسحب بحسب العادة السودانية التي قطعها عداوة ..

ولأنني عاشق غير ضال ومشجع غيور على الكرة السودانية، ومعجب مثل أي (زول) بخفة دم رواد (الكورنجية) .

فليس لي سوى مداواة داء الكرة السودانية بالكي كآخر علاج، والكي هنا ليس إلا فتح أبواب الخصخصة على مصراعيها، هروبا من نظام بدائي لا يغني من برد ولا يسمن من حرارة ..

من غير المفهوم إصرار الدولة على إبقاء الأندية تحت صنبورها المالي، رغم ما يمثله ذلك من عبء إضافي غير ضروري على جيوب ذوي الدخل المحدود .

خاصة أن هذه الأندية لا يجني منها أي ربح كروي، فالكرة السودانية خاسرة على الدوام، والمنتخبات التي تمثل هذه الأندية شبه الدكاكينية تتذوق دائما طعم الخيبات الأكثر مرارة من (كورس) مرض الملاريا الذي أهلك الآلاف من السودانيين، شأنه شأن مرض كرة القدم الأشد فتكا بمعنويات الشعب السوداني الصبور ..

ليس أمام الكرة السودانية لتسترد عافيتها وتقضي على كل الأمراض المستعصية التي صدرتها للشعب السوداني سوى خصخصة الأندية، ودفع عجلة القطاع الخاص نحو محيط الرياضة .

وحتى لا أقطع بطاقة في حزب البكاء على اللبن المكسوب والبيض المسلوق ليس هناك بد من الاكتفاء بالتنبيه إلى ضرورة أن تحشد الحكومة طاقاتها في فتح منافذ استثمارية تغطي الجسد الأسمر العريان .

فبدون خصخصة حكيمة تراعي موازين القوى سيظل الحديث عن كرة قدم سودانية متطورة مجرد أضغاث أحلام لا تفرق كثيرا عن أحلام السودانيين بالفوز بكأس أمم أفريقيا ولو لمرة واحدة كل قرن ..

مؤخرا انتابتني سعادة غامرة عندما علمت أن قطبي الكرة السودانية الهلال والمريخ سيخوضان لقاء وديا في (أبو ظبي) الشهر القادم ، وهي فرصة لتحرير الكرة السودانية من قيودها الداخلية ، وفرصة استثمارية مواتية لتقيس الكرة السودانية نبضها عربيا.

على يقين أن مدرجات الملعب ستغص بآلاف مؤلفة سودانية وغير سوادنية، فللكرة السودانية نكهة لا تقاوم، فهي الأصل دائما وما طفا على السطح الرياضي العربي مجرد تقليد في تقليد ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى