عصا دورتموند.. إنجليزي يستحق لقب البديل الأفضل

تحليل- أحمد مختار

هل يمكن أن نشاهد بطلا جديدا في ألمانيا بعيدا عن ميونخ؟ الحقيقة أن هذا السؤال يبقى في درب الخيال، على الأقل حتى هذه اللحظة، لكن ما يفعله بروسيا دورتموند مؤخرا يستحق التقدير، بعد الرهان على المدرب لوسيان فافر، ومحاولة بناء فريق جديد، على خطى أيام كلوب القديمة، والتي انتهت بالخسارة في نهائي دوري الأبطال عام 2013.

فارق النقطة بين بروسيا وبايرن لا يدل على شيء يذكر، لكن المتابع الجديد لدورتموند يدرك مدى صلابة الفريق، وصعوبة هزيمته خلال التسعين دقيقة، نتيجة العمل التكتيكي المبهر للمدرب لوسيان فافر، الرجل المعروف بالانضباط والقدرة على جعل فرقه تنافس الكبار.

حتى في حالة عدم الفوز عليهم، فإن استقبال الهزيمة لن يكون أمرا سهلا، هكذا كانت الرحلة مع جلادباخ، ونيس، والآن بالسيجنال أيدونا بارك.

لوسيان فافر

نجح فافر مع جلادباح بطريقته المفضلة 4-4-2 على خطى أتليتكو مدريد، مع الاستعانة بمباديء الضغط العكسي في نصف ملعب الخصم، لكن مع حدة أقل. واعتمد المدرب أولا تقليل الفراغات في وبين الخطوط، مع غلق المساحات عرضيا أمام خصومه.

ولخص موقع تحليل الدوري الألماني طريقة لعب جلادباخ مع لوسيان في إجبار الخصوم على لعب المباراة في مساحات ضيقة، ومن ثم قلب اللعب على الأطراف عن طريق الأجنحة بالتبادل مع ثنائي الهجوم المتقدم.

لا يدافع من أجل الدفاع فقط، بل يعمل دائما على اللعب كوحدة واحدة بين الخطوط الثلاث، لتتحول الطريقة هجوميا من 4-2-2-2 إلى 4-2-4 بصعود رباعي صريح إلى الثلث الأخير من الملعب. وبعد تولي فافر تدريب فريق نيس، لم يحاول المدرب السويسري إعادة أفكاره بالنص، لأنه يعرف جيدا أن بطولة الدوري الفرنسي تختلف كليا عن البوندسليجا.

في فرنسا هناك تقدير رئيسي للمواهب والناحية الجمالية، عكس ألمانيا التي تركز أكثر على المرتدات والجانب البدني، لذلك ابتعد قليلا عن 4-4-2 وتحول إلى تكتيكات أخرى تناسب قدرات لاعبيه وطبيعة ناديه الجديد.

لعب نيس مع فافر في الليجا بأكثر من رسم خططي مع ميزة اللعب بثنائي هجومي في الأمام، حتى يحصل بالوتيلي وقتها على حرية كبيرة كمهاجم تسعة ونصف بين الوسط ومنطقة الجزاء. مزيج بين رباعي دفاعي صريح وثلاثي في بعض المناسبات، للحصول على هجوم أفضل وأسلوب لعب غير متوقع بالنسبة للمنافسين.

بعد العودة إلى الملاعب الألمانية، كأن فافر استخدم خليطا ذكيا بين مسيرته مع جلادباخ ورحلته في فرنسا، لأن دورتموند فريق مميز هجوميا، يضم مجموعة من المواهب الشابة، وجمهوره معتاد على العروض السريعة واللعب الجمالي، لذلك لم يصطدم لوسيان بهذه التابوهات سريعا، لكنه حاول إضافة بصمته الخاصة، بضبط التحولات الدفاعية، أملا في تحقيق المعادلة الصعبة، بتطبيق الفكر الهجومي لكن بانضباط خلفي مطلوب.

يلعب بروسيا مع فافر بمزيج بين 4-2-3-1 و4-3-3، لكن أكثر بتواجد ثنائي محوري في المنتصف، هما محمود داوود وفيتسيل، أمام رباعي الدفاع بقيادة أكانجي، ديالو، شميلزر، وأشرف حكيمي في أغلب الدقائق. بينما هجوميا هناك ماركو رويس في المركز 10، بين كلا من بوليسيتش ولارسن، وفي المقدمة فيليب بالمركز 9.

سجل أسود الفيستفالين 19 هدف حتى الآن بالدوري، واستقبلت شباكهم 5 أهداف فقط، مع قوة واضحة في التمركز أثناء الضربات الثابتة، إحدى مصادر الخطورة في الدوري الألماني، ليدخل مرمى الفريق هدفا واحدا من كرة ثابتة، في دلالة واضحة على تعليمات المدرب، بضرورة التمركز المثالي والرقابة اللصيقة داخل منطقة الجزاء.

عُرف بروسيا مؤخرا بأنه فريق سريع، يلعب بنسق مرتفع، وينخفض مردوده قليلا أثناء نهاية المباريات، بسبب المجهود الكبير في الضغط والافتكاك، كأيام كلوب ثم توخيل، لكن مع فافر الوضع مغاير، لأن الفريق يُنتج بشكل أفضل خلال الشوط الثاني، لأنه يعرف كيف يوزع مجهود لاعبين خلال التسعين دقيقة.

تكتيكيا، يصنع الفريق معظم فرصه من اللعب على الأطراف، أو استغلال مهارات نجومه في وبين الخطوط، خصوصا رويس وبوليسيتش. ويحسب لفافر استخراج أفضل ما في ماركو رويس، لاعب الوسط الذي بدأ مسيرته على الخط كجناح، لكنه تحول للعمق ليصبح رقم 10 صريح.

سانشو

بالإضافة للإنهاء المثالي داخل منطقة الجزاء، فالفريق سدد 38 كرة من داخل الصندوق، مقارنة برقم 25 خارجه، مع نسبة استحواذ تزيد عن 55% في متوسط مبارياته، بارتداد سليم وتنظيم دفاعي محكم، لكن تبقى الملاحظة الأهم على الإطلاق، أن دورتموند يسجل معظم أهدافه في آخر ربع ساعة. بالتأكيد الأمر ليس صدفة، والسر يكمن في أفضل بديل بالعالم.

سجل بروسيا 7 أهداف بعد الدقيقة 76، مع تألق واضح للمهاجم باكو ألكاسير، لاعب برشلونة المعار والذي سجل 3 أهداف حتى الآن في الدوري الألماني، لكن يحسب الفضل الأكبر للناشيء الإنجليزي، جادون سانشو، لاعب مانشستر سيتي السابق، والبديل الأفضل في الدوريات الأوروبية الكبيرة هذا الموسم، بعد نجاحه في صناع 5 أهداف خلال نزوله بديل في 6 مباريات بالبوندسليجا.

سانشو

سانشو لاعب هجومي رائع، يستطيع التمركز على الطرفين كجناح صريح، مع ميله الأكثر تجاه اليمين، ليحصل على الكرات بالقرب من الخط، ويستخدم مهارته وسرعته في الهروب من الدفاع، ومن ثم لعب الكرات العرضية أو التمريرات البينية داخل منطقة الجزاء.

وخلال مشاركاته مع مان سيتي سابقا، وحتى رفقة بروسيا بدوري أبطال أوروبا للشبان، لعب سانشو أكثر كجناح أيسر مقلوب، حتى يدخل للعمق من أجل التسديد ناحية المرمى.

هذا الموسم رفقة لوسيان فافر، تواجد أكثر على اليمين، حتى يركز أكثر على الصناعة، من خلال تواجده على الخط الجانبي، ومحاولة إيجاد رأس الحربة الكلاسيكي باكو ألكاسير بالقرب من المرمى، ليمرر الإنجليزي ويسجل الألماني، ويفوز دورتموند على ليفركوزن بجدارة، في قمة هذا الأسبوع من البطولة المحلية..

لتهتم الصحافة الأوروبية باللاعب، خصوصا أنه من أصول بريطانية، ترك بلاده وملاعبه عكس أمثاله، وذهب لخوض تحديات جديدة في ألمانيا، في خطوة لا يفعلها إلا البعض في البريمرليج.

يفيد جادون سانشو فريقه على مستوى قلب المباريات كبديل، ويؤثر بالإيجاب على نظام فافر التكتيكي، في إجباره الخصم على ترك مواقعه الدفاعية، نتيجة فتح الملعب عرضيا باستخدام الأجنحة السريعة، ليبدأ دورتموند الموسم بنجاح، على مستوى إدارة المباريات وقلبها عند تأزم النتيجة..

لكن دعونا ألا ننسى، أن خطف اللقب من بايرن يحتاج إلى ما هو أكبر من سانشو وحتى فافر، كرة القدم في انتظار معجزة!


اقرأ أيضا: العبقري لافولبي صانع الأمجاد

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى