هل ظلمنا الناشئين؟

كتب- سالم ربيع الغيلاني

أردت كتابة هذا المقال فور الخروج الحزين لصغار الأحمر، من التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم.

لكنني آثرت التريث، لاسيما بعد المشاعر المختلطة التي رافقت ذلك سواء من قبل المعنيين المباشرين بالمنتخب، من لاعبين وإداريين وفنيين، ممن رأيتهم يسفحون دموع مرارة الخروج في غرفة الملابس عقب اللقاء، أو غير مباشرين من إعلام وجمهور ومشجعين للكرة العمانية، الذين أوجعهم إخفاق التأهل لكأس عالم الصغار للمرة الثانية على التوالي ومن ذات الدور.

الآن وبعد أن وضعت منافسات البطولة أوزارها بنيل المنتخب الياباني لقبها، وبعد أن عادت الحياة لنسقها المعتاد في الشارع الرياضي، واستطاعت مشاغل الدوريات المحلية، وبطولة الكأس الغالية أن تخفف من وطأة ذكريات ما حدث ومرارته.

أصبح بالإمكان مناقشة تلك المشاركة بعيدًا عن غضب الخسارة، أو تبريرات التعاطف، أضحى بإمكاننا بعد ذلك كله أن نقول ما كان بالإمكان أفضل مما كان.

كثيرون علموا بنتائج الفريق دون أن يشاهدوا أيا من مواجهاته، وكثيرون شاهدوها دون أن يعلموا بالمعطيات التي رافقتها، ولا لوم في ذلك على الجمهور فهم معنيون بالنتائج قبل أي شيء آخر.

لكن العتب كل العتب على الإعلام، الذي لم يتردد في الحديث عن تقصير المنتخب والقائمين عليه، في حين تغافل عن تقصيره بعدم مؤازرة المنتخب ولو بابتعاث موفد واحد على الأقل من كل مؤسسة إعلامية لمؤازرة المنتخب وتحفيز عناصره، ومعايشة الحدث، ونقل تفاصيله الدقيقة للجمهور، والتعرف على خبايا مثل هذه البطولات وما يحاك في دهاليزها المظلمة. مع استثناء وحيد لإذاعة “هلا إف أم” التي انتدبت من يغطي مرحلة ما بعد التأهل.

ما حققه الناشئون في هذه المنافسات وفقًا للعديد من المعطيات يعد مذهلاً بدءا من التأهل لنهائياتها، التي عجزت عن بلوغها جميع المنتخبات الخليجية، ومعظم فرق غرب آسيا، وذلك رغم الفارق الهائل في الإمكانيات بيننا وبين بعض الدول على مستوى التأهيل الفني، والبدني، وأيضًا التعداد السكاني الذي يمنحها تنوع الخيارات وتعددها.

وانتهاءً بالمشاركة في النهائيات وبلوغه ربع نهائي البطولة قبل الإقصاء من اليابان في الأمتار الأخيرة من مباراة ذلك الدور.

شريحة واسعة من المهتمين النخبويين في السلطنة تعتقد أن منتخبنا كان يجب أن يتأهل لنهائيات كأس العالم ببيرو؛ أسوة بما حققته منتخبات الناشئين السابقة في أزمنة سالفة، رغم علمهم التام بالظروف التي رافقت تلك المنجزات التي نتغنى بها جميعًا.

فهل هي غفلة أم تغافل عن الحقائق الساطعة؟! ما لا يدركه عدد غير قليل من الجمهور ومثلهم من الإعلام كما كشفت عنه ردود أفعال بعضهم هو: أننا لا نملك دوري ناشئين يمنحك الوقت والفرصة لاكتشاف جميع العناصر المثالية التي تضمها فرقنا المختلفة للمشاركة في صفوف الأحمر.

فما الذي يمكن أن تقدمه 6 مباريات في الموسم لهذه الفئة على المستويات كافة سواء البدنية منها أو الفنية؟

وكيف يمكن لأي جهاز فني القدرة على متابعة الفرق جميعها لاختيار الأفضل منها مع وضع مشابه؟ مباريات قليلة في رقعة جغرافية واسعة، ولا يتوافر تسجيل لها قد يسهل المهمة.

لذلك فإن من الأمور المذهلة والملفتة في هذا الفريق هو الدور الذي قام به الجهاز الفني في اختيار عناصر قادرة على المنافسة في ظل هذه الظروف الصعبة.

منتخب اليابان الذي واجهه أحمرنا يتم إعداده منذ ستة أعوام، وهو نتاج ما يربو عن خمسين لاعبا من المواهب اليابانية التي تُعد لمعتركي كأس العالم 2026 و2030 .

ذلك الفريق حصيلة عمل مدروس ومخطط، لذلك عندما شاهدتهم وهم يجرون على طول الملعب وعرضه، وكيف يتعاملون مع ظروف المباراة المختلفة قلت لمن حولي حينها إن هذا الفريق الصغير عظيم، وخروجه من هذه البطولة ظلم كروي كبير، رغم أنني وبدافع الوطنية كنت أتمنى خسارته.

فريقنا أمام اليابان المُرّهِق كان مُرهقًا، بفعل خوضه ثلاث مباريات من العيار الثقيل جدًا في ظرف سبعة أيام واجه خلالها منتخبات الفارق البدني بينه وبينها كان كبيرًا جدًا .

وهو الأمر الذي دفع بمدربه للتلويح بوجود شبهات في التلاعب بالأعمار، في حين أن المنتخب الياباني كان على عكس منتخبنا تمامًا بعد أن أراح مدربه سبعة من عناصره الأساسية في اللقاء الذي سبق مواجهة فريقنا.

لو كانت المعطيات مختلفة قليلاً لكنا رأينا صغارنا أفضل حالا مما كانوا عليه، وهذا لا يعني أنهم سيكونون أفضل من اليابان، فهذه ستكون مبالغة وفق ما شاهدناه من هذا الفريق في البطولة.

اليابان الذي أقصانا تغلب على جميع الفرق التي صادفها بسهولة جمة رغم عملية التدوير بين اللاعبين التي ما فتأ مدربهم يجريها في جميع المواجهات التي خاضها، ولم يعان طوال المنافسات إلا أمام فريقين فقط؛ هما المنتخب “الطاجيكي” الذي تعادل معه سلبيا في دوري المجموعات وتغلب عليه في نهائي البطولة بهدف وحيد، ومنتخبنا الذي فاز عليه بصعوبة بالغة بفارق هدف سُجل في الدقائق الأخيرة من المواجهة التي لا ننكر أنها شهدت فرصا هائلة لصغار “الساموراي”.

لكن كرة القدم لا تعترف إلا بالمحصلة النهائية؛ لأنه لو انتهى اللقاء بنتيجة التعادل وخدمت الضربات الترجيحية فريقنا الوطني، لنسي الجميع أحداث اللقاء كما نسوها في المواجهة التاريخية في نهائيات كأس العالم بالإكوادور قبل أكثر من عقدين من الزمان عندما بلغ الأحمر نصف نهائي تلك البطولة على حساب نيجيريا بهدف للرائع محمد عامر رغم الفرص السهلة الكثيرة التي أضاعها النيجيريون في ذلك اللقاء.

علينا أن نكون منصفين لأنفسنا قبل منتخبنا، فما تحقق يعد جيدًا جدًا رغم أن الجميع كان يأمل بالمزيد؛ لأن الإنجاز الحقيقي والمرجو من هذا الفريق قد تحقق؛ فالعناصر الرائعة من اللاعبين التي تكشفت خلال هذه البطولة، هي الهدف الحقيقي من تكوين هذه المنتخبات التي تصب إفرازاتها في نهاية المطاف في الفريق الأول الذي يمثل الواجهة الرئيسة لكرة القدم في أية دولة.

لذلك فإن معاتبة الفريق والقائمين عليه بسبب نتائج فرضها واقع غير منصف للرياضة والرياضيين في السلطنة لا يخدمنا في شيء أبدًا. علينا أن نوجه تركيزنا إلى الضغط لتحسين وضع الرياضة في السلطنة على مستوى التأهيل وتوفير الإمكانيات المختلفة للارتقاء بها لمستوى الطموح بدلا من الضغط على فرقنا المجتهدة جدًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى