آرسنال مع إيمري.. لوحة النتائج أهم من التكتيك! 

تحليل- أحمد مختار

“كرة القدم تناسب جداً شخصيتي، النشاط لا غنى عنه”، يعتز إيمري بمهنته كمدير فني لأكثر لعبة عشقها منذ صغره. ورغم أنه لم يلعب في أندية عملاقة أو يكون له باع طويل داخل الملعب، إلا أنه حصل على شهادات التدريب أثناء فترة لعبه، لأنه أراد فهم كرة القدم من منظور مختلف وخلال وقت مبكر، لذلك حينما ترك الكرة واعتزل، لم يبتعد عن المستديرة كثيراً، وانشغل سريعاً بمهنة الإدارة الفنية خارج الخطوط.

إيمري

يحلم أوناي بامتلاك ميسي، لكنه يعرف أن هذه الفكرة أقرب للمستحيل، لذلك يعمل كثيرا من أجل صناعة نظام تكتيكي رفيع المقام، يجعله قادراً على الفوز في المواجهات المعقدة، دون الحاجة إلى لاعب بأسطورية الأرجنتيني.

وهذا ما حاول فعله مع إشبيلية، لكن حينما امتلك أكثر من نجم كبير في باريس سان جيرمان، لم يُحسن الأمور في النهاية، ولم يتحمل الضغط الإعلامي والجماهيري، حتى رحيله دون الحصول على ذات الأذنين.

الإسباني مدرب استراتيجي لا فيلسوف، بمعنى أنه يعدل من خططه وفق الخصم، لا يلعب على الفعل في الغالب، وعلى لاعبيه فهم ذلك جيدا، لأن كل مباراة قد تكون لها رسمها الخاص، الذي يختلف عن المباراة السابقة، وسيختلف عن المباراة التالية.

ونتيجة لكل ذلك، تبدو تجربته مع آرسنال مناسبة للطرفين، فالمدرب يريد بيئة هادئة للعمل دون ضغوطات، والنادي الإنجليزي يحاول الخروج من مرحلة ما بعد آرسين فينجر، بأقل الخسائر الممكنة.

يختلف أوناي تماما عن فينجر، فيما يخص التعديلات التكتيكية والمرونة الخططية، في كونه يعمل بالساعات يوميا على هذا الشق، لذلك قد يتعب الفرق الكبيرة التي تلعب بالاستحواذ ويرهقها، لأنه يهتم بالضغط العالي، ويغير من خططه لإيقاف مفاتيح الخصم جيدا.

وبعد البداية السيئة هذا الموسم، انتفض المدفعجية خلال شهري سبتمبر وأكتوبر، ليحقق الفريق سلسلة انتصارات متتالية، ويجد نفسه على بعد نقطتين فقط من الصدارة!

حقق الفريق اللندني انتصارا عريضا على فولهام بالخمسة، بعد أيام من فوزه المهم والصعب على واتفورد بثنائية.
ورغم تباين المستوى بين المباراتين، إلا أن هناك عامل مشترك واحد بينهما، القراءة السليمة للمدرب أوناي إيمري أثناء سير اللعب، والقيام ببعض التبديلات والتغييرات التي ضمنت لآرسنال تحسن الأداء أولا، ثم الفوز أو تأكيده ثانيا، وهذا ما جعل الثقة قوية بينه وبين الجمهور، بعد البداية السيئة على مستوى النتائج على الأقل، أمام مانشستر سيتي ثم تشيلسي.

في مباراة واتفورد، لعب آرسنال برسم قريب من 4-2-3-1، لكن بتمركز رامسي في المركز 10، وأوزيل على الجناح الأيمن أمام أوباميانج في الناحية الأخرى.

وفشل الفريق في خلق فرص حقيقية بالبدايات، نتيجة قوة مجموعة خافي جراسيا في تقليل الفراغات، مع صعوبة الدمج بين أوزيل ورامسي، فالألماني كان مقيدا على الطرف، لا تصله كرات عديدة، ولا يجد الدعم المتواصل من زملائه..

بينما الويلزي تكمن قوته في كونه لاعب “بوكس”، يقطع من الخلف إلى الأمام، وطالما متواجد بالثلث الأخير من الأساس، فإن قوته قلت إلى النصف أو ربما أكثر.

دخول إيوبي مكان رامسي، ثم ويلباك محل أوباميانج، واللعب بشيء قريب من 4-4-2، حسب تمركز عازف الليل بالكرة، عند تحوله للعمق، مكانه المفضل بين الأطراف وخلف رأس الحربة..

مما أدى إلى تقدم بيريلين بعض الشيء هجوميا، ووجود خيارات هجومية متنوعة أسفل الأجنحة. مع بعض التوفيق والحظ، نجح صاحب الأرض في خطف الفوز بالدقائق الأخيرة.

أمام فولهام، أفضل مباريات آرسنال هذا الموسم، قدم فريق إيمري عرضين مختلفين. بالشوط الأول لم يكن الأداء في المستوى، وفشل الدفاع في الخروج بالكرة من الخلف، مع ضغط صاحب الأرض برسم قريب من 3-4-3.

ولعب إيمري بخطة 4-2-3-1 العادية، بتواجد تشاكا وتوريرا كثنائي محوري، وتمركز مخيتاريان وإيوبي على الأطراف، بالقرب من ويلباك ولاكازيت بقلب الهجوم.

وجد المدفعجية صعوبة بالغة في استخدام الوسط، نتيجة الضغط القوي من فولهام، لذلك كان اللعب أشبه بالكرات الطولية واستخدام ميزة الكرة الثانية، كما حدث في هدف لاكازيت الأول، لكن أيضا استقبلوا هدفا بسبب فقدان الكرة في نصف ملعبهم.

بالشوط الثاني تحسن الأداء بشكل محوري، لأن إيمري تحول إلى رسم 4-2-2-2، بوضع إيوبي ومخيتاريان في أنصاف المسافات بالعمق، وتوفير خيارات تمرير أخرى غير تشاكا وتوريرا، قبل دخول أوباميانج كمهاجم إضافي، على مقربة من لاكازيت.

تقول مدونة “عمود آرسنال” في تعليقها على اللقاء، مع كل التغيير والتبديل حتى الآن، ليس من الواضح ما إذا كان إيمري سيلتزم بنفس الهيكل.

ومع ذلك يبدو أن هذا الرسم هو الأقرب لتطبيق أفكار المدرب، 4-4-2 يلائم لاعبيه بشكل أفضل، أما في الدوري الأوروبي فيلعب أكثر برسم 4-2-3-1، لكن هل فعلا النتائج المبهرة مؤخرا تناسب أداء آرسنال داخل الملعب؟ وهل يسير المدفعجية حقيا كما يريد المدرب أوناي إيمري؟

لكل مدرب فلسفته الخاصة، التي تعلو فوق الاستراتيجية والتكتيك، ومع إيمري فهو مدرب مرن، ليس هجوميا أو دفاعيا، يستخدم الضغط القوي والبناء من الخلف لتطبيق فلسفته وتحديد أسلوبه، ثم يأتي بعد ذلك الدور الخططي بالرهان على 4-4-2 أو 4-2-3-1 أو أي خطة أخرى.

وبالعودة إلى المباريات الأخيرة لآرسنال، فإن الفريق حقا يفوز، لكن من دون تطبيق أفكار الإسباني، لأن الهجوم لا يزال يضغط بشكل ضعيف، والدفاع يبني من الخلف ببطء، مع لعب ثنائي المحور على خط واحد، مما يجعل خيارات التمرير ضعيفة، وزوايا اللعب شبه معدومة.

في تحليله عبر شبكة الإسبن، تحدث “زونال ماركينج” من نفس الزاوية تقريبا، بأن آرسنال حاليا يلعب بطريقة براجماتية، لكن دون تطبيق لتصريحات المدرب قبل الموسم، والغريب أن أفضل مباريات الفريق تكتيكيا كانت أمام تشيلسي في ستامفورد بريدج، وقتها خسر بنتيجة 2-3.

لا يصنع آرسنال فرصا عديدة، كذلك من الصعب على دفاعه التقدم بعيدا عن مرماه، أما هجومه فمن النادر أن يقطع كرات في نصف ملعب المنافس، وبالتأكيد كان موفقا بشدة في بعض المباريات الأخيرة.

حتى على مستوى التكتيك، فإن رسم 4-4-2 الأقرب للضغط، لا يناسب أوزيل بعض الشيء، مع انخفاض مستواه مؤخرا وقلة فعاليته على الأطراف، أما رسم 4-2-3-1 فلم يحقق نتائج كثيرة، ويبدو أنه أقرب للمباريات السهلة فقط.

رقميا، سجل آرسنال 15 هدف من لعب مفتوح، رغم أن نسبة توقع أهدافه 9.5 وفق عدد الفرص وأماكن خطورتها، لتؤكد الإحصاءات حاجة الفريق إلى تحسن إضافي، سواء في طريقة اللعب، أو حتى في إراحة بعض العناصر التي لم تسترجع قوتها بعد.

من الصعب انتقاد إيمري أو لومه، لأن الجمهور يهمه النتائج أولا وثانيا وثالثا، لكن من باب الذكرى تنفع الفائز قبل الخاسر، علينا تذكر كلمات خوانما ليو في نهاية التحليل، “النتيجة مجموعة من البيانات، أنت تناقش العملية وليس النتيجة النهائية، النتائج لا تُناقش.

هل أنت تذهب الي الملعب لمدة تسعين دقيقة من اجل مشاهدة لوحة النتائج في نهاية المباراة؟ أم لكي تشاهد المباراة نفسها”؟ وعلى أوناي إيمري مشاهدة المباريات نفسها من جديد، حتى يواصل على نفس النسق المرتفع، لكن مع أساسات قوية وثابتة.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

اترك رداً على عمر هاشم إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى