رحيم المُخَلِّص

كتب – أ.د حسني نصر

 

ربما يكون من سوء الحظ أن تتنافس الأحداث السياسية الملتهبة مع الأحداث الرياضية الساخنة على الفوز باهتمامات الجمهور في العالم في وقت واحد.

إذ يكون من الصعب متابعة النوعين من الأحداث، خاصة إذا زادت الدراما الإنسانية في الأولى.. وحدثت المفاجآت غير المتوقعة في الثانية.

هذا بالضبط ما حدث هذا الأسبوع، حيث سيطر على أجندة الاهتمامات الدولية حادث اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي بعد دخوله قنصلية بلاده في اسطنبول، وما ارتبط به من تداعيات وتسريبات واتهامات وتوقعات.

في نفس الوقت أقيمت مباريات غاية في الإثارة والقوة والغرابة بدورى أمم أوروبا.

وبالتالي توزع اهتمام الناس بين متابعة تطورات قضية خاشقجي، ومتابعة ما يجري في الملاعب الأوروبية. ولم يكن غريبا أن يقطع البعض مشاهدته للمباريات لمتابعة آخر الأخبار على الفضائيات الإخبارية ثم يعود مرة أخرى للمباراة.

الدراما التي شهدتها مباراة إسبانيا وإنجلترا الاثنين الماضي، لم تكن أقل إثارة من دراما اختفاء خاشقجي، إذ تقدمت إنجلترا على غير المتوقع وعلى عكس سير اللعب بثلاثة أهداف في الشوط الأول رغم السيطرة الإسبانية الكاملة

ثم قلصت إسبانيا النتيجة وسجلت هدفين في الشوط الثاني لم يكونا كافيين بالطبع لتجنب الهزيمة.

وإذا كان الأسبوع قد ازدحم بأخبار اختفاء الصحفي السعودي في الجانب السياسي، فإنه في المقابل وفي الجانب الكروي كان أسبوع اللاعب الإنجليزي الموهوب رحيم ستيرلنج الذي عاد إلى التهديف الدولي بعد صيام دام أكثر من ثلاث سنوات.

وهو ما احتفلت به الصحافة الإنجليزية بشكل كبير، ودفع صحيفة “الجارديان” إلى تخصيص غلافها الرياضي لصورة سترلينج وهو يقفز محتفلا بالهدف، وصحيفة “الديلي تلجراف” إلى وصفه بـ “المخلص ستيرلنج”.

كان عدم التسجيل الدولي والانتقادات اللاذعة تضع المزيد من الضغوط على ستيرلنج وتجعله يتوتر أمام المرمى ويخشى وضع نفسه في موضع يتيح له التسجيل، خوفا من إضاعة الفرص السهلة وتلقي مزيد من اللوم والنقد.

وهو ما شاهدناه جميعا من اللاعب في مباريات كأس العالم الأخيرة التي أقيمت في روسيا، والتي فشل فيها في التسجيل من فرص سهلة، خاصة في مباراتي إنجلترا أمام منتخبي تونس وبنما.

التفسير الأقرب إلى المنطق لتوهج رحيم ستيرلنج هو التحرر النفسي من الضغوط، فالمهاجم بعد أن تزداد الضغوط عليه بسبب عدم التسجيل لفترة طويلة تصبح رغبته في التسجيل أقوى، وهو ما يدفعه إلى بذل جهد أكبر وتفكير أكبر أمام المرمى، وهو ما يأتي بنتيجة عكسية تتمثل في إضاعة الفرص السهلة.

في مباراة إسبانيا فعل رحيم العكس. ربما قال لنفسه ليس لدي ما أخسره وسأحصل بعد المباراة على النقد واللوم اللذين اعتدت عليهما، وبالتالي سألعب بطريقتي المعتادة ولن أهتم بالتسجيل.

عندما فعل ذلك تحرر من مخاوفه وسجل هدفين وأدى مباراة رائعة.

ما فعله رحيم أمام إسبانيا كان مختلفا عما قدمه من قبل، فبعد 16 دقيقة من انطلاق المباراة تمكن من تسجيل الهدف الأول بوضع الكرة بطريقة رائعة في أقصى الجانب الأيسر من مرمى ديفيد دي خيا أفضل حارس في العالم، ثم سجل الهدف الثاني من متابعة جيدة أضاع الكثير مثلها من قبل.

صحيح أن الفضل في الفوز الإنجليزي على إسبانيا لا يعود لرحيم وحده ويتقاسمه معه هاري كين صانع الأهداف الجديد، وراشفورد الذي سجل الهدف الثالث.

ولكن عودة رحيم للتسجيل كانت مثيرة، وتبشر بموسم جيد للاعب الأسمر على مستوى مانشستر سيتي والمنتخب الإنجليزي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى