عجينة (بلماضي) ..!

كتب: محمد العولقي

حبي الكبير للكرة الجزائرية يدفعني للمرور على المنتخب الجزائري مرور الكرام ، ومروري مرور الكرام يفصل بينه وبين مرور (اللئام) خيط رفيع يفترض أن يراه (جمال بلماضي) بوضوح إلا إذا كان يرتدي نظارة (سيد مكاوي).

لاشك أن كل جزائري غيور على سمعة البلاد والعباد يضرب كفا بكف ، وهو يشاهد المقالب الباردة التي يتحفنا بها المنتخب الجزائري طوال أربع سنوات عجاف، لم تطرح سوى منتخبا متهالكا بات لقمة سائغة في أفواه منتخبات أفريقية لا تساوى (بصلة).

وإذا كان هناك جمهور يضرب كفا بكف، فهناك جمهور آخر يضرب أخماسا في أسداس ، ويردد مقولة الممثل توفيق الدقن (أغلى من الشرف ما فيش) ، وفي كلتا الحالتين تبدو الأمور أمام اللاعبين المحترفين بالذات سيان.

يظن الاتحاد الجزائري لكرة القدم أن الخطأ ليس في التركيبة البشرية للمنتخب، ولكنها تكمن في الإطار الفني، لذا ضرب الاتحاد رقما قياسيا جديدا في تبديل وتغيير المدربين دون أن يضع يده على مكان الجرح الحقيقي.

خلال أربع سنوات فقط، جلب الاتحاد أربعة مدربين بين مواطن وخواجة، وبمعدل مدرب قبل ووسط وبعد الأكل، وهي (روشتة) قاتلة ساهمت في تفاقم أوضاع المنتخب، وجعلت الاستقرار على كف عفريت ..

لم يكلف الاتحاد نفسه عناء الإجابة عن أسئلة منطقية تدق على النافذة الفنية : لماذا يزداد (طين) المنتخب الجزائري بللا مع قدوم كل مدرب جديد، فالجمعة الجمعة والخطبة الخطبة وما بدلوا تبديلا ..؟

لماذا يبقى مردود المنتخب محلك سر دون تقدم للأمام، رغم ما يزخر به المنتخب من محترفين يسدون عين الشمس وينشطون في أقوى دوريات العالم ..؟

لماذا لم يلمس الجمهور تطورا في الروح المعنوية مع (جمال بلماضي)، ولم يرصد تدفقا فنيا ونفسيا، حيث بقي مؤشر المدرب المقال (رابح ماجر) تحت الصفر ..؟

في تصوري أن الاتحاد الجزائري يغض الطرف عن السبب الجوهري المباشر، الذي يجعل المستوى متفاوتا بين متوسط أحيانا وضعيف في أغلب الأحيان.

منذ عودة منتخب الجزائر من رحلة تألق لافتة في مونديال البرازيل، والمنتخب يسير من سيء إلى أسوأ، فقد تعددت أسباب التراكمات النفسية على المنتخب والموت السريري واحد..

تبدو الفجوة واضحة بين اللاعبين المحترفين الذين يتألقون في كبرى الدوريات الأوروبية، واللاعبين المحليين، فجوة يستطيع رؤيتها الأعمى الذي نظر إلى أدب (المتنبي)، وأسمعت جلبتها كل أذن مصابة بالصمم..

وبعيدا عن نظرة الاستعلاء التي تغلف مردود اللاعبين المحترفين، ولمسات الغرور التي استوطنت أرجل اللاعبين وأنفسهم ، يظهر العجز واضحا في رأب الصدع بين المحترفين والمحليين، وهي تكاد تكون تجربة مستنسخة من تجربة سابقة حدثت في نهائيات كأس العالم في المكسيك عام 1989..

ففي تلك الفترة تفاقمت الخلافات بين المحترفين والمحليين ، فعصفت بحظوظ المنتخب الجزائري الذي تلقى هزيمة نكراء تهد الجبال من إسبانيا بثالثة الأثافي والنار الهادئة..

وقتها لم يستطع المدرب الوطني (رابح سعدان) تلافي تلك الخلافات، فظهر المنتخب الجزائري مفككا ومهترئا من الناحية النفسية، رغم أن محاربي الصحراء قدموا مباراة كاملة الأوصاف أمام البرازيل، انتهت بخطأ فادح من المدافع (مغاريا) والحارس البارع (دريد) ترجمه (كاريكا) إلى هدف، وهذا العرض الفتان دفع مدرب البرازيل (تيلي سانتانا) إلى ممارسة نوع من الإطراء (المسرطن)، عندما قال عن (سعدان) : إما أنه مدرب عبقري أو مجنون..

وبصراحة، إذا ظل الاتحاد الجزائري ينظر لنصف الكوب المليان دون التمعن في النصف الفارغ، فستبقى سطوة رفاق (رياض محرز) هي من تتحكم في المشهد، وستكبر الهوة بين المحترفين والمحليين، وعندها لن ينفع أي خبير عالمي في إنعاش قلب توقف إكلينيكيا..

وبصراحة أكثر، على (جمال بلماضي) أن يتنازل عن طيبته وتبجيله للمحترفين على حساب المحليين، يفترض أن يظهر لهم العين الحمراء ويطالبهم بأن يؤدوا مباريات قتالية حماسية كما يفعلوا مع أنديتهم، بعيدا عن البرود الذي يحيط بأقدامهم والهواجس التي تملأ رؤوسهم، فتتسبب في إتلاف العائلة الواحدة داخل المنتخب، والنتيجة ارتفاع نسبة الخلافات والتناحرات التي تذكرك بملوك الطوائف الذين أضاعوا الأندلس..

شاهدت منتخب الجزائر وهو في حال تصعب على الزنديق قبل الكافر ، ومنتخب غامبيا المغمور يتلاعب به ويفرض عليه تعادلا بطعم الفضيحة..

أما أم الكوارث، فكانت هزيمة منتخب الجزائر من منتخب بنين بهدف وسط عرض جزائري رمادي وغير مفهوم ، لم تكن صدمتي في الهزيمة فحسب، بل كانت أيضا في مردود رياض محرز الباهت، فقد كان يلعب بلا نفس وبلا روح، يخشى على قدميه حتى يعود إلى فريقه (مانشستر سيتي) سليما..

وليت لاعبي منتخب الجزائر المحترفين شاهدوا في نفس اليوم المصري محمد صلاح وهو يصول ويجول مع الفراعنة دفاعا وهجوما ، ثم يقوم بدور المرشد والموجه وهو يبث الحماس في عروق اللاعبين المحليين قبل خروجه مصابا أمام سوازيلاند(ذهابا) ، إنها (الجرينتا) التي تنقص رياض محرز وبقية الكتيبة الجزائرية المحترفة..

ويا عزيزي رئيس الاتحاد الجزائري، لا داع لأن تلقي باللائمة على (ماجر وبلماضي وقبلهما كرستيان غوركوف) ، فالخلل يكمن في المحترفين ودلعهم الزائد، فهم الذين يخلقون الهوة بينهم وبين المحليين، ويفسدون ود وقضية العائلة الواحدة..

يجب أن يستوعب (بلماضي) قبل فوات الأوان أن ماء المحترفين زاد على طحين المحليين، والنتيجة أن العجان أو الخباز (بلماضي) فشل في تكوين عجينة متماسكة لا تكون سهلة البلع أفريقيا..

تبدو عجينة (بلماضي) الرخوة مطمعا أمام كل المنتخبات الأفريقية صغيرها وكبيرها، ولا حل أمامه سوى إعادة تشكيل (العجينة) الجزائرية وفق مقادير مدروسة، أما إذا كان (بلماضي) يجهل المقادير، فما عليه سوى الاستعانة بكتاب فن الطهي لأبلة نظيرة..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى