لماذا يتطير الفرنسيون من توماس توخيل ..؟!

 

تحليل- محمد العولقي

أبدا .. لا يتعلق الأمر بتطير (الباريسيين) أو بتشاؤم الفرنسيين ، وإنما بحالات تحدث هنا وهناك فتثير الاهتمام وتجعلها دائما في فوهة الانقباض من القادم.

ورغم أن الفرنسيين عامة و (الباريسيين) خاصة لا يعلقون آمالا عريضة على الألماني الشاب (توماس توخيل) مدرب (باريس سان جيرمان) الفرنسي ، إلا أن حظوظ الفريق الباريسي قد تتعاظم مع قدرة (توخيل) على ترويض نجوم الفريق ، وتدجين خلافات الموسم الفارط..

من أسباب تطير (الباريسيين) من (توخيل) خبرته الضعيفة في المنافسات الأوروبية ، ثم تشاؤمهم من قدرة الرجل على خلق فريق صلب أوروبيا ينازع ريال مدريد وبرشلونة ، إنهم يتساءلون: كيف يستطيع (توخيل) احتواء والسيطرة على غرفة ملابس فريق يضم أغلى لاعبين في العالم؟

كل هذا التشاؤم والخوف من القادم يجعلان (توخيل) ظاهرة كروية تقتضي التأمل أو البحث للوصول إلى بيت القصيد، مع سبر أغوار طريقة لعب (توخيل) أوروبيا وليس محليا ، وكشف هوية شخصيته التي تميل للمرح الشبابي غالبا.

 لا للأرقام القياسية 

يعلم (توخيل) جيدا أن إدارة النادي الباريسي الأكثر رفاهية في بلد أبطال العالم، لم تتعاقد معه خلفا للمدرب (أولاي إمري) بحثا عن تحطيم الأرقام القياسية في دوري فرنسي ضعيف، لا يوجد فيه منافس حقيقي لفريق باريس سان جيرمان سوى باريس سان جيرمان نفسه ..

لم يقع الاختيار على (توخيل) اعتباطا ، فإدارة باريس سان جيرمان ترى أن الألماني استوفى كل الشروط المطلوب توفرها في مدرب تقع  على كاهله مسؤولية الإبحار بالفريق الفرنسي بعيدا في دوري أبطال أوروبا ..

قد ينهي باريس سان جيرمان الموسم محليا بتحقيق الفوز في 38 مباراة كاملة دون أن تسقط أية نقطة سهوا في الطريق ، قد يحصد (توخيل) مع نهاية الموسم 114 نقطة ، لكن هذا الرقم حتى وإن بدأ مخيفا فإنه بالنسبة للإدارة والجمهور الباريسي يساوي صفرا على الشمال ، في حال خروج الفريق من دوري أبطال أوروبا خالي الوفاض.

تفضل إدارة باريس سان جيرمان خسارة اللقب المحلي مقابل الفوز بدوري أبطال أوروبا، الحلم الذي لأجله تحول النادي على مشروع استثماري عملاق ، ولن يعينها فوز فريقها بثلاثية الموسم المحلي قدر اهتمامها بتحقيق حلم الفرنسيين الذي تحول منذ عهد (مارسيليا) إلى بيضة ديك.

 صدمة وحيرة ..

منطقيا لا يبرز (توخيل) بين فطاحلة المدربين في العالم ، من ذوي الإنجازات الكبيرة و الشهيرة ، ربما هذا مرده الى أن (توخيل) لم يدرب يوما فريق (سوبر ستار)، وسيبقى طموحه الكبير مع باريس سان جيرمان دخول عالم الفطاحلة أوروبيا هذا الموسم ..

يمتلك (باريس سان جيرمان) فريقا رائعا مثقل بنجوم وجواهر كروية من النوع الخارق للعادة ، ولقد كان في مقدور إدارة باريس سان جيرمان الفنية التعاقد مع مدرب عالمي يمتلك خبرة البطولة الأوروبية، على غرار جوزيه مورينيو أو زين الدين زيدان أو حتى آرسين فنجر.

لكن الإدارة الفنية للفريق الباريسي تجاهلت كل تلك الامتيازات، ثم ضربت ضربتها في مكان غير متوقع على الإطلاق.

كان التعاقد مع الألماني (توماس توخيل) مفاجأة للتقنيين الفرنسيين، وصدمة قاسية للجمهور الفرنسي الذي لا يعرف عن (توخيل) سوى أنه مدرب لفريق (بروسيا دورتموند) الألماني، فأين هي الحكمة من تعاقد إدارة باريس سان جيرمان مع مدرب ليست له تجارب باهرة في دوري أبطال أوروبا..؟

وكيف يكون الرجل المناسب لهذه المهمة الصعبة دون خبرة مسبقة ..؟

توخيل

حقل مغناطيسي ..

نتفق أولا على أن نقطة تفوق (توخيل) ليست تكتيكية بالفهوم العام للمفردة، لا يمكنه أن يدخل يده في جرابه فيضع خطة أو طريقة لعب لم يسبقه إليها أي مدرب آخر في العالم..

أهم ما يميز (توخيل) عن المدربين الشباب شخصيته وحيويته وطريقة التعامل مع الكلام، هذه الميزات الثلاث كانت مشكلة نجوم باريس سان جيرمان مع المدرب السابق (أولاي إمري)..

يتميز (توخيل) بمقدرته الفائقة على زرع الثقة في نفوس اللاعبين، وعلى إثارة حماستهم ، وهي ميزة مغناطيسية استطاع (توخيل) بموجبها جذب وشد جميع اللاعبين الكبار إلى حقله المغناطيسي.

لو تحدثنا عن براعة (توخيل) مع الفريق نفسيا ، سنجد أنه يمتلك ناصية التأثير على اللاعبين وشحذ حماستهم وهممهم ، هذا لأن (توخيل) يؤمن بأن الحديث إلى اللاعبين فن يساهم في توحيد الجبهة أكثر مما يفعله القالب التكتيكي.

يبدو (توخيل) حكيما عندما يوصل فكرته للاعبين بما قل ودل من الكلام ، كلامه مغلف دائما بحماسة شديدة ، كما لو أن خلاياه كلها توجز في الكلام ، فتدخل الفكرة آذان اللاعبين ولا تغادرها.

قبل قدوم (توخيل) كان التنافر بين نيمار وكافاني على أشده ، كان الثاني يتصرف كما لو أن الفريق ملكا له، ومع قدوم (توخيل) تغيرت الصورة تماما، نيمار بات أكثر انضباطا في أداء الواجبات، وكافاني أصبح لاعبا مهاجما متفهما، لا يتدخل في اختصاصات نيمار.

ولقد أضاف (توخيل) خاصية جديدة لمهاجمه كافاني تتعلق بمساعدته للاعبين، مع تقبل فكرة أن يكون بديلا عن طيب خاطر، والأكثر انتباها أن (توخيل) جعل (كليان أمبابي) سهما في خاصرة كافاني، رغبة منه في إيجاد الحلول والبدائل عند الاستعصاء التكتيكي.

يقول نيمار: “للمدرب (توخيل) تأثير كبير على الفريق، أسلوب عرضه مدهش، شخصيته المحببة تدفعنا للمزيد من العطاء، جاذبيته النفسية سر من أسرار توحدنا كعائلة واحدة”.

عبارة المصباح السحري

يعمل (توخيل) ليلا ونهارا على تحرير اللاعبين من الضغوطات على مستوى دوري أبطال أوروبا ، يحاول دائما تخفيف الأعباء القارية عن الفريق بممارسة الكثير من الواقعية النفسية ..

ليست مفاجأة عندما يبدأ (توخيل) حديثه للاعبين بعد الخسارة في (الأنفيلد) أمام ليفربول في الجولة الأولى من دوري أبطال أوروبا ، مستعيرا عبارة قالها الأديب الانجليزي (توماس كارلايل):

“ليس علينا أن نتطلع إلى هدف يلوح لنا باهتا من بعيد،  إنما علينا أن ننجز ما بين أيدينا من عمل واضح قريب”

تبدو عبارة (كارلايل) مثل مصباح علاء الدين الذي ينير الطريق المعتم أمام (توخيل) وأشباله ، فهو جعل من تلك العبارة منهجا يسير عليه اللاعبون ، حيث تعاهد الكل على أن العبارة السحرية هي مفتاح حل دوري أبطال أوروبا وليس الطابع التكتيكي بطبيعة الحال.

 استراتيجية المحاور 

عمل (توخيل) طويلا على الانتهاء من استراتيجية جديدة تصنع للفريق الباريسي شخصية قوية في دوري أبطال أوروبا ، لقد تعمد ان يكون هيكل الفريق في وسطه وفي محاوره ، وفي تحرير نجمه نيمار من الاندفاع العمودي ، رغبة منه في حماية خط الدفاع غير المثالي من مخاطر الفرق القوية التي تمتلك ثقلا في الهجوم.

قد يبدو لنا ان (توخيل) يتحايل أوروبيا بالبحث عن بناء قوي في العمق ، لكنه في الواقع اعتنق طريقة 4/2/3/1 لثلاثة أسباب:

الأول: تسليم كل مقاليد صناعة اللعب للنجم البرازيلي نيمار ، مع الاحتفاظ بمردود اللاعب هجوميا للاستفادة من حاسته التهديفية العالية..

الثاني: تحرير كل مساحات الرواقين أمام النفاثة (كليان أمبابي) ، والاستفادة من قوة اندفاعه ومهاراته التي تتطلب ممررا فوق العادة مثل نيمار ..

الثالث: الاعتماد على محوري الوسط الدفاعي (ماركو فيراتي و أدريان رابيو) بهدف تدعيم العمق وحماية ظهر تياغو سيلفا وكيمبيبي أو ماركينيوس البطيئين نوعا ما، مع منح ظهيريه حرية التحليق المحسوب بعيدا عن الاندفاع الأعمى..

حسنا، لا توجد ثمة مخاطر أمام (توخيل) محليا ، يمكنه أن يلعب بمبدأ المداورة للاستفادة من لاعبين مثل داكسيلر و انخيل ديماريا ولاسانا ديارا ونكونكو وبوفون القيدوم ، يمكنه أيضا أن يلعب بأي طريقة بينها 3/5/2 التي يفضلها، لكنه أوروبيا مطالب بالثبات أكثر والحذر كل الحذر من فخ نابولي وليفربول منافسيه المباشرين في مجموعته.

إذا كان الفرنسيون يتطيرون من (توخيل)، ولا يتوقعون منه جلب الذئب الأوروبي من ذيله هذا الموسم، فأنا عكسهم تماما، أعتقد أنه إذا كان هناك ثمة مدرب يستطيع جلب دوري أبطال أوروبا لعاصمة النور ، فلن يكون هذا المدرب سوى (توماس توخيل) نفسه ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى