(محمد نور) نموذجا ..!

كتب – محمد العولقي

 

مهم جدا في عالم إلكتروني تستطيع سبر أغواره بكبسة زر ، أن يقوم رجال الإعلام الرياضي بدور التوجيه والتنوير والإنصاف.

يجدر بحملة بيارق الإعلام الرياضي أن يضعوا علاقتهم بأطراف لعبة كرة القدم تحديدا في إطارها المعرفي، القائم على الندية وليس التبعية لناد أو نجم مهما بلغت درجة توهجه ..

ليس مقبولا في عالم مفتوح على الهواء والماء وبقية كواكب المجموعة الشمسية أن يحمل الصحفي الرياضي طبلا أو مزمارا في الرايحة والجاية ويمجد نجما بعينه دخل دنيا التحليل، فكانت محصلته خارج الميدان صفرا على الشمال ..

قليلون هم الذين ارتقوا بمفهوم الإعلام الرياضي كرسالة وضمير نابض بالحيادية، وغادروا صالات التعصب وملاعب الخيبة وأختها الحسرة، وبقي السواد الأعظم من حملة الأقلام يعملون إما بالتوجيه عن بعد، أو تحت ضغط الحاجة للبقاء تحت أشعة شمس النفاق المصطنع ..

أصبح الفضاء المفتوح خصما شرسا لكل كاتب أو ناقد يحاول بلورة رأي هدفه تصحيح مسار العمل الرياضي فضائيا، لقد صار عدد المتعصبين للألوان بعدد حبات الأرز الصيني، يلوثون الفضاء بطروحات ضيقة الأفق، خالية تماما من متطلبات مهنة الشرف الرفيع الذي أريقت دماؤه على رصيف التعصب الأرعن دون وازع من ضمير ..

دعوني في هذه المساحة أغرد خارج سرب المتعصبين للأندية السعودية، وأقول إن دخول فنان الملاعب السعودية (محمد نور) فضاء التحليل دون إلمام بتوابعه، كان خطأ جسيما في حق شعبية (نور) قبل أن يكون خطأ في حق هذا المجال الذي بات بلا ضوابط تردع ومقومات تقنع ..

أنا (والعياذ بالله من شر نفسي وسيئ عملي) واحد من محبي وعشاق (محمد نور) لاعبا، عندما كانت قدماه ترسمان لوحات سيريالية تتوارى أمامها إبداعات ( سلفادور دالي) خجلا وكسوفا ..

هذا العشق (الميداني) لنجم الاتحاد والكرة السعودية (محمد نور) يدفعني لمصارحته من الوجه للوجه :” لقد أوقعت نفسك في (حيص .. بيص)، وأنت تقتحم مجالا إعلاميا صعبا، يحتاج زادا وزوادا ومقومات من يفتقدها يظهر عاريا ثقافيا وكلاميا، وتكون فضيحته الثقافية أمام الناس بجلاجل، كونها فضيحة تنقل لحضرات المشاهدين على الهواء مباشرة “..

يمكن للاعب (محمد نور) أن يكون مروجا إعلانيا لدوري المحترفين السعودي، على أساس أن مكانته الكبيرة في قلوب عشاقه ترفع من منسوب أي إشهار مصور، ويمكن أيضا أن يكون واجهة توعوية تنقل كل أهداف الدوري الأقوى عربيا إلى كل بيت عربي بصورة بوستر أو حتى بمقطع تعريفي يراعي حقيقة ما قل ودل ..

لكن أن يركب (نور) موجة التحليل دون أن تتوفر فيه أبسط شروط الشرح والتفصيل والإقناع، فهذه المغامرة غير المحسوبة العواقب استنزفت الكثير من سمعة اللاعب، فما أقسى أن يتحول نجم جماهيري كما هو الحال مع (محمد نور) إلى مادة خصبة للتندر والسخرية من حجم ثقافته الكروية، على خلفية أنه كان يجد صعوبة في تجميع جملتين على بعض تسندانه مع كل مطب يضعه أمامه البارع (وليد الفراج) ..

ليس شرطا أن تكون نجما كبيرا في كرة القدم لتضيف لقاموس التحليل الرياضي الكثير من المصطلحات والمفردات عالية الجودة، تماما مثلما أن لاعبا عظيما مثل (مارادونا) فشل في أن يكون مدربا ناجحا رغم محاولته استثمار عبقريته كلاعب من كوكب آخر ..

ليس هناك مقارنة منصفة بين (نور) و (خالد الشنيف) في ملاعب الكرة، الأول كان عازفا ساحرا تخطت شهرته حدود المملكة إلى قارات العالم، في حين أن الثاني كان لاعبا عاديا جدا لا فرق بينه وبين أي لاعب اعتزل بلا حس وبلا خبر ..

لكن عندما يتعلق الأمر بالتحليل الرياضي كعلم له ثوابته وقواعده، لاشك أن (خالد الشنيف) محللا رائعا، يحسن توظيف المفردة، ويحسن التعامل مع الكاميرا دون ارتباك ، كما يحسن قراء ما بين سطور شاكلات اللعب، حاله كحال الفنان المثقف (سامي الجابر) الذي جمع بين نجوميته كلاعب ونجوميته كمحلل بارع، يعرف كيف ينجو من فخ السؤال، ومن لغم التعصب في أغلب الأحوال ..

لقد زادت القنوات الفضائية الرياضية المتخصصة، وتضاعف معها (الغث) في غياب السمين، ولقد طرحت القنوات العربية في سوق (اللي ما يشتري يتفرج)، موضة جديدة تستهدف جذب اللاعبين المعتزلين إلى مجال التحليل حتى من دون أن يمتلكوا أبسط مقومات الحضور والثراء اللغوي والمعرفي ..

لم يعد المشاهد العربي بليدا وأسيرا لقنوات تلمع صورها بغسيل نجوم (التأتأة) ، ثم تفرض عليه استديوهات تحليلية محشوة بنجوم لا يمتلكون ناصية اللغة ولا ناصية الإقناع، ولعل هذا الاستهبال بعقول المشاهدين خلق أزمة ثقة مع قنوات تجعل من استديوهاتها التحليلية سوقا للدعاية على حساب الوعي والمنطق والفائدة ..

ليس ذنب (محمد نور) – قليل الحيلة ثقافيا – أنه وجد نفسه فجأة وبدون تأهيل بين مطرقة (أحمد حسام ميدو) وسندان فيلسوف الملاعب (يوسف الثنيان) ، الذنب هنا ذنب من جعلوا (نور) يبدو مثل (كاركتر) الممثل الكوميدي (يونس شلبي) ما بيجمعش على حد تعبير (سعيد صالح) في مسرحية مدرسة المشاغبين ..

تحليل مباريات كرة القدم علم واسع وعميق، لا يمكن السباحة في بحره بالأبيض والأسود ما لم تتوفر في (المحلل) صفات وسمات ومقومات فريدة أبرزها :

أن يتمتع المحلل بقدر معقول من الثقافة الكروية، وببديهية سريعة في رد الفعل تخول له دائما الهروب من فخ الأسئلة الملغومة ، كما يجب على المحلل أن يتمتع بالكياسة والإقناع والوقار، والأهم أن يترك المحلل معطف التعصب في بيته، فيبني قناعاته وتصوراته على ثوابت منطقية وقواعد تحترم ذوق وعقل المشاهد الذي لم يعد كمالة عدد ، لاحظوا أنني لم أضع قواعد اللغة شرطا أساسيا أوله (نور) ، على اعتبار أن اللغة العربية تتعرض لمذبحة فضائية، بعد أن صار عدد الذين يمثلون بها على قفا من يشيل ..

أتصور أن عند (محمد نور) من الشجاعة ما يكفيه للاعتراف بأن تجربته في تحليل ثلاث مباريات بداية شاقة ومزعجة ومرتبكة، جعلت صورته تهتز في عيون وعقول من يعدونه أسطورة (اتحادية)، ولسان حال عميد الأندية السعودية الأصدق أنباء من الاستديو التحليلي ..

وأعتقد أيضا أن (نور) يستطيع مشاهدة نفسه مرات ومرات ليتيقن أن عالم التحليل لا يعترف بالتمني، دون التزود بخبرة وثقافة منهج (ولكن تؤخذ الدنيا غلابا) ..

أعرف مسبقا أن الأخوة في الفضائيات قد يفتحوا على العبد لله (مزيكة) إتاحة الفرصة أمام الجميع، غير أن هذا الانفتاح دون ضوابط ليس مبررا كافيا لأن نجعل من الاستديوهات التحليلية سوقا عكاظيا يهرف فيه الجميع بما لا يعرفون ..

وللأعزاء على قلبي في الفضائية السعودية الرياضية، دوريكم جميل ويرفع رأس كل مشاهد عربي مفتون بتجليات دوري المحترفين من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين، فقط يجب أن تتواكب حرارة المباريات الملتهبة حماسا وأداء بفريق عمل تحليلي يعطي الدوري بعدا جديدا من الإثارة والندية ويضيف لنا دلالات جديدة في فهم ما بين سطور كل مباراة، وأظن أن المملكة حبلى بالمحللين المقنعين فكرا وسلوكا، بعيدا عن أسطوانة نجوم يرهقون عقولنا بثرثرة (قهاوي) تفقد المباريات بهاراتها وتوابلها، فما أحوجنا إلى مباريات تحليلية خارج الملاعب بنفس حماس وقوة المباريات داخل الملاعب، واللبيب يفهم بالإشارة ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى