كوليبالي.. المدافع الأميز في دوري أبطال أوروبا


تحليل: أحمد مختار

 

سحقا لمواقع الإحصاءات إذا كانت المصدر الوحيد لتقييم اللاعبين، لأن الأرقام قد تبدو صماء لا تعبر عن الصورة كاملة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بأكثر من الهدف أو “الأسيست”، وهذا ما حدث نصا لخاليدو كوليبالي. اللاعب الحاصل على أقل تقييم من بين مدافعي نابولي، في مباراتهم ضد باريس بقمة الأبطال، وفق أكثر من مصدر رقمي، رغم أنه عمليا كان أفضل مدافع في المباراة، بل دعونا نقول بأنه استحق نجومية التسعين دقيقة دون منافس، بعد وضعه لنجم هجوم فرنسا في جيبه، مبابي فعل القليل في السان باولو، والسبب مدافع الماما أفريقيا صاحب القميص رقم 26.

 

تحدث كيليني منذ عام تقريبا عن ضعف المدافعين في كرة القدم الإيطالية، عندما سئل عن أسباب عدم وجود جيل جديد من المدافعين في المنتخب، بعد ثلاثية كيليني، بارزالي، بونوتشي المعروفة إعلاميا بالـ BBC؟ إجابة كيليني جاءت قاطعة، “بسبب الجوارديوليزمو، نسبة إلى ستايل وطريقة بيب جوارديولا في اللعب”.

“جوارديوليزمو” دمرت الكثير من المدافعين في إيطاليا. الآن الجميع يريد أن يبني اللعب ولكن لا أحد يعرف كيف يراقب ويعرقل ويقوم بالافتكاك وخلافه. الأمر أقرب إلى العار، لأن هذه الصفات سمحت لنا بالتفوق في كل مكان. لن يكون لدينا تيكي تاكا، إنها ليست في فلسفتنا.

وبعيدا عن صحة أو خطأ وجهة نظر قائد يوفنتوس، لم يعد المدافع فعلا مطلوب منه فقط حماية مرماه من استقبال الأهداف. ومع التطور الكبير في عالم التكتيك وظهور مجموعة جديدة من المدربين، أصبحت الشمولية هي الشغل الشاغل لمعظم الفرق الكبيرة في الدوريات الأوروبية، فالمهاجم بات تقييمه أعقد من مجرد تسجيل الأهداف، ليقوم أجويرو، فيرمينو، سواريز، بنزيما، وحتى كوستا بالضغط المتواصل على دفاعات الخصوم، بينما زادت قيمة المدافعين الممررين في الميركاتو.

قل عدد المدافعين المميزين في السنوات الأخيرة، لدرجة استمرار بعض العناصر القديمة لسنوات طويلة دون منافسة، وتواجد أسماء لا تستحق في قوائم فريق العام، لذلك فكر أكثر من مدرب كبير في وضع لاعبي الوسط بالدفاع، صحيح أن جزء من هذه المغامرة تكتيكية بحتة لكنها أيضا مرتبطة بقلة العناصر المتاحة أمام حارس المرمى.

المدرسة القديمة في الدفاع ارتبطت بالمدافع المميز في العرقلة، الافتكاك، الحجز، التغطية، القيام بدور الليبرو، هكذا كانت تقييمات أي مدافع، ولهذه الأسباب تعلقت مثل أبناء جيلي، بأسطورة المدافعين، فرانكو باريزي، الإيطالي الذي جعل الكثيرون يتحولون إلى مركز قلب الدفاع في الأكاديميات ومراكز الشبان، أملا في السير على خطى الأسطورة.

تغيرت النظرة بعض الشيء خلال السنوات الأخيرة، بعضها تكتيكي بحت، وبعضها قائم على الندرة، وسأتحدث أكثر عن هذه القضية قريبا، لكن أسماء مثل دي ليخت، لابورت، فان دايك، كوليبالي لديهم ميزة الجمع بين الوظيفتين، خصوصا مدافع نابولي الذي أجده أميزهم خلال الفترة الحالية.

الدولي السنغالي لديه كل مقومات التكيف مع الكرة الحديثة، سواء بالسرعة، أو التسجيل، أو التمرير، أو البناء من الخلف، لكن مع صبغة قريبة من المدرسة القديمة، في قيادته للخط الخلفي، قوته في الافتكاك والاستخلاص، والأهم ميزته الواضحة في اللعب 1 ضد 1. قليلون جدا من “السوبر ستار” الحاليين في الدفاع، لديهم ميزة اللعب 1 ضد 1 أمام المهاجمين الأقوياء، لذلك أصبح هناك أكثر من مدرب يلعب بثلاثي خلفي، أو بمحاولة الضغط العالي، أملا في كسر حدة الهجمة قبل وصولها إلى مناطقه.

في مباراة نابولي وباريس سان جيرمان، وضع توماس توخيل كل ثقله الهجومي في نصف ملعب خصمه، بتواجد نيمار ومبابي كثنائي هجومي، خلفهما دي ماريا، دراكسلر، وفيراتي، بالإضافة لفتح الأطراف بثنائية مونييه وبرنات. ويمتاز الفريق الفرنسي بقدرته على خلق الفرص من الهجوم المنظم، بالإضافة لاستخدام المرتدات السريعة، نظرا لتواجد برازيلي مهاري بقيمة نيمار، وفرنسي أشبه بالطلقة كمبابي.

لعب كوليبالي في الإياب أمام مبابي، بعد دخول أنشيلوتي برسم قريب من 4-4-2، لكن بتثبيت ماكسيموفيتش في الخلف على مقربة من قلبي الدفاع، وقلل المدافع الأفريقي من قدرات بطل كأس العالم جيدا، لأنه يعرف كيف يتحرك من دون الكرة، ويجيد بشدة إغلاق الفراغات في القنوات الشاغرة، المنطقة المفضلة لانطلاقات كيليان.

يعتمد باريس في هجومه على نزول نيمار للمنتصف، يستلم وينطلق بمراوغاته قبل أن يرمي البينيات تجاه مبابي. لعبة تكررت كثيرا بين البرازيلي والفرنسي، وأسفرت عن أهدافا غزيرة في الدوري وحتى الشامبيونزليج، لكن قوة كوليبالي في التمركز، وذكائه في القراءة السريعة لشكل وإتجاه الهجمة، كلها عوامل ساعدته في التقليل من خطورة المهاجم الباريسي.

حتى الكرة الوحيدة التي هرب فيها مبابي ولعب تمريرة الهدف لبرنات، جاءت بعد تحوله لليسار ولعبه خلف المدافع الآخر ألبيول، بينما بقى كوليبالي داخل المنطقة بالقرب من مرماه، ليؤكد المدافع علو كعبه في الرأسيات، اللعب على الأرض، وبالتأكيد التعامل مع موقف 1 ضد 1، لسرعته في قطع الكرات، إما بالحجز أو بالعرقلة المشروعة.

على مستوى المهام الأخرى البعيدة عن الرقابة والتغطية، فإن كوليبالي يعد من أفضل مدافعي العالم، فيما يخص البناء من الخلف، لتفوقه في التمريرات القطرية والبينية، ومساهمته الفعالة في نقل الهجمة من الدفاع إلى الثلث الثاني من الملعب، أو حتى استخدام كراته العمودية في إيصال الكرة سريعا نحو ميرتينز أو إنسيني. ونتيجة لكل هذه المقومات والصفات، يمكن القول بأن خاليدو هو المدافع الأميز في الشامبيونزليج، إلى إشعار آخر.

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك رداً على علي جمعة إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى