ديربي مانشستر.. أين وضع مورينيو أصابعه الثلاثة ليلتها؟

 

تحليل- يوسف حمدي

“إنني أبدو جاهزًا للرد على أي شيء، ومجابهة أي شيء، ذلك فقط لأنني فكرت طويلًا قبل الإقدام على العمل”.. مقولة تعود إلى القرن قبل الماضي على لسان نابليون بونابرت، وفي الحقيقة لن تجد أنسب منها لوصف ما يعيشه جوزيه مورينيو حاليًا وكذلك ما عاشه طوال مسيرته، في أي لحظة نجاح أو فشل، وفي أي وضع  سواء كان متهمًا أو موضع امتداح..

مورينيو سيستطيع الرد على أي شيء، فقط لأنه فكر طويلًا قبل الإقدام على أي من ردوده، أو بالأحرى لأنه يفكر في أحاديثه تلك أكثر من التفكير في أي شيءٍ آخر.

بعد هزيمة توتنهام أشار بأصابعه الثلاثة دلالة على ثلاثة ألقاب للبريمرليج حققها هو، وكدلالة أخرى على أنه رقم لم يحققه 19 مدربًا آخر في الدوري الإنجليزي مجتمعين، بعدها بأسابيع اضطر لرفع أصابعه الثلاثة في وجه جماهير تشيلسي كدلالة أخرى على نصف ألقاب الدوري التي حققها ناديهم، والذي جلبها هو لهم بالطبع..

أما في المرة الثالثة فكانت الدلالة مختلفة، ثلاثة أصابع في وجه جماهير يوفنتوس كإشارة للثلاثية التي حققها هو مع إنتر ميلانو، والتي لم يحققها اليوفي بدوره طوال تاريخه، وفي موعد مع بيب جوارديولا سقط مورينيو بالثلاثة في ديربي مانشستر، ليصافح بدوره المدرب الإسباني ويغادر الملعب في غضون ثوانٍ فقط، ليبقى السؤال حاضرًا؛ أين وضع مورينيو أصابعه الثلاثة ليلة ديربي مانشستر؟

لا جديد يذكر

فيما عدا الظروف التي حتمت غياب بوجبا وبدء لوكاكو على دكة البدلاء، لم تشهد تشكيلة الفريقين أي جديد، جوارديولا بالـ 4/1/4/1 المعتادة، وبوجود بيرناردو ومحرز ودافيد سيلفا وستيرلينج أمام فيرناندينيو وخلف أجويرو، وبرباعي دفاعي معتاد قوامه ووكر وستونز ولابورت وميندي.

على الناحية الأخرى قرر مورينيو إعادة الاعتماد على نفس الأسماء التي واجهت يوفنتوس بتعديلات بسيطة، 4/3/3 بوجود ومارسيال و لينجارد وراشفورد في الأمام، مع تواجد للثلاثي فيلايني وماتيتش وهيريرا في الوسط، أمام رباعي دفاعي قوامه أشلي يونج وليندلوف وسمولينج ولوك شاو، وتذكر اسم يونج لأننا سنحتاج العودة إليه لاحقًا.

لا جديد، مرة أخرى

المواجهة بين مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي مؤخرًا أصبحت إعادة لسيناريو متوقع دائمًا، فقط لأن العارضة الفنية هنا وهناك يتولاها مورينيو وجوارديولا، الثنائية التي تحولت إلى الشيء ونقيضه في كرة القدم منذ ليلة سقوط مورينيو بالخمسة في الكلاسيكو الإسباني منذ 8 سنوات..

ليلتها قرر السبيشيال وان أنه لا مفر من بيب سوى عكس نظرياته، وأن الحل الوحيد يكمن في البقاء في الخلف والتقدم فقط في حالة المرتدات، والاعتماد على السرعات لاستغلال المساحات التي يتركها أبناء بيب في حالة الهجوم، وذلك باستخدام مرونة مورينيو الذي اعتادها خاصة في المواجهات الكبيرة.

ربما شعرت أنك تقرأ أشياء غير صحيحة، نعم أنت محق، مورينيو لم يصبح مرنًا كما كان، وجوارديولا لم يعد يترك تلك المساحات التي أسقطته مرارًا في مواجهات تفوق فيها بالطول وبالعرض، ولهذا أصبح مورينيو بلا مفر لأن قناعاته القديمة لم تعد تعطي الحلول المطلوبة أمام بيب، عفوًا، لم تعد تجدي نفعًا أمام أي خصم إلا نادرًا.

الشهيد أشلي يونج

إذًا بعد ذكر ما سبق لم يعد هناك حاجة لذكر أن جوارديولا لعب على الاستحواذ وتدوير الكرة، بينما كان مورينيو ينتظر الفرج في مناطقه، الآن نحن بصدد ذكر كيف تم تنفيذ ذلك واعتمادًا على من واستغلالًا لأي نقاط ضعف، والجدير بالذكر أيضًا أن بعضًا من هذا ستشعر أنك قد قرأته من قبل لأنه لا جديد يذكر كما أخبرناك سلفًا.

على الناحية اليمنى للسيتي وأمام جبهة لوك شو استقر بيرناردو سيلفا ورياض محرز، وعلى الناحية اليسرى وأمام جبهة أشلي يونج استقر دافيد سيلفا ورحيم ستيرلينج، الثنائي الأول لمس الكرة في 120 مرة فقط، أما الثنائي الآخر فوصل معدل لمساته للكرة لـ 168 مرة، ذلك على الرغم من قدرة الثنائي الأول على تدوير الكرة بشكل أكبر، ذلك لأن اللعب أمام أشلي يونج كان مغريًا جدًا، الرجل يترك مساحات خلفه وأمامه لا يمكنك أن تجدها في مكان آخر.

في العام الماضي كان يونج يلعب كظهير أيسر، أما الآن فقد قرر مورينيو الاستعانة به كظهير أيمن مع وضع ثقته في لوك شو، بالطبع لأن مورينيو لا يحتاج أظهرة من أعلى طراز لأن هذا سيفقده سلاحه الفتاك في المؤتمرات الصحفية بالطبع، ففي حال امتلك مورنيو ساندرو وكارفاخال مثلًا، كيف سيخرج ليشكو من فارق الإمكانيات بينه وبين من ينحني أمامهم؟

بالطبع سيستخرج أنصار مورينيو سلاحًا آخر الآن، الرجل طلب التعاقد مع لاعبين والإدارة لم ترضخ لمطالبه، جيد، ولكن متى حدث ذلك؟ بعد صفقات لم تضف شيئًا من المنتظر، وبعدما أعلن مورينيو أكثر من مرة أنه لا يحتاج للتعافد مع أظهرة جدد في الوقت الذي حظي فيه بكامل الدعم من الإدارة، لأنه كان يرى في يونج وفالنسيا ولوك شو ما يحتاج، إذًا لا مجال للحديث عن فارق الإمكانيات هنا، في هذه النقطة على الأقل.

أين الحلول؟

بعد أقل من ربع ساعة تأخر اليونايتد بهدف، كنتيجة طبيعية لما حدث قبلها، بعدها لم يتغير شيئًا في سير المباراة، كنتيجة طبيعية أيضًا لما تحدثنا به سلفًا حول افتقاد مورينيو للحلول في المواقف المشابهة.

راشفورد  سيلعب دور المهاجم، سيلعب لينجارد على اليمين لكي يغيب تمامًا عن المشهد، الرجل لا يستطيع تقديم أي شيء هناك، ولكن هناك مارسيال على اليسار، فلا مفر من أن يستقر لينجارد في الناحية الأخرى..

راشفورد يمتلك من السرعة ما لا يمتلكه سانشيز، الرجل الذي بدا تائهًا في العمق أمام يوفنتوس منذ أيام، راشفورد لن يكون بنفس كفاءة لوكاكو في التعامل مع الكرات الهوائية ولعب دور المحطة، ولكنه بالطبع سيعطي في هذا أكثر مما يمكن أن يعطيه سانشيز.

على دكة البدلاء هناك ماتا وسانشيز، هما حلان مثاليان لما بعد الدقيقة الخامسة والسبعين، تلك التي سيصل إليها مورينيو متماسكًا ولو على مستوى النتيجة فقط، سيزج بالثنائي ويقلب الطاولة بهدفين كما حدث في تورينو منذ أيام، وسيرفع أصابعه الثلاثة في وجه جوارديولا كإشارة لثلاثة نقاط سرقها منه كما اعتاد، هذا ما فكر فيه مورينيو متناسيًا أن التفاصيل لا تعاد، وأنه ليس شرطًا أن يضيع أجويرو ومحرز وسيلفا ما أضاعه ديبالا وكوادرادو منذ أيام.

تحركات

في ناحية مانشستر سيتي بدا جوارديولا على أتم الاستعداد للمواجهة، اللامركزية في التعامل مع الرباعي الذي يتوسط فيرناندينيو وأجويرو، خاصة فيما يتعلق ببيرناردو سيلفا ومحرز اللذين عجز الجميع عن تحديد من منهما سيذهب إلى العمق ومن سيستقر على الطرف، ببساطة لأن كل منهما كان يتمركز وفق ما تحتاجه الهجمة ليس إلا.

“الخريطة الحرارية لكلٍ من رياض محرز وبيرناردو سيلفا – هوسكورد”

في الأمام كان هناك سيرخيو أجويرو، على الورق فقط، الرجل لم يظهر في منطقة الجزاء سوى في ثلاثة كرات تقريبًا، في أغلب الوقت كان ينضم على اليسار إلى ستيرلينج ودافيد سيلفا من أجل قضاء وقت لطيف رفقة طيب الذكر أشلي يونج..

وفي أوقات أخرى كان يعود إلى الوسط من أجل إتاحة المجال للبقية لأن يتواجدوا هم داخل منطقة الجزاء، وفي أوقات أخرى نادرة كان يجد المساحات في العمق، هنا فقط كان يعود لممارسة أدواره التقليدية كمهاجم صريح.

“الخريطة الحرارية لسيرخيو أجويرو – هوسكورد”

شوط المدربين؟

هكذا يسمى الشوط الثاني بنظرة سطحية قليلًا، استنادًا على إتاحة الفرصة للمدرب للجلوس مع لاعبيه لربع ساعة، ومن ثم تعديل ما يجب أن يعدل وفقًا لما يراه هو.

في الحقيقة لم يظهر أي جديد في بدايات الشوط الثاني، نفس البداية على جميع المستويات تقريبًا، حتى على مستوى الهدف الذي يتم به استفتاح الشوط، ولكن الفارق أنه جاء بأقدام أجويرو وليس سيلفا، وأن دفاعات اليونايتد كانت أكثر كارثية في هذه اللقطة.

الأمر أصبح يحتاج التدخل، لوكاكو غير الجاهز بالطبع سيصنع أكثر مما يجب أن يصنعه راشفورد، فضلًا عن أن فاعلية ماتا وسانشيز ستبدأ بعد الدقيقة الخامسة والسبعين ولا يمكن اللجوء إليهما قبل ذلك الحين، وأيضًا لأن الورقة الرابحة الأهم في مانشستر مع مورينيو لم تكن متاحة، لأنها كانت حاضرة بشكل أساسي هذه المرة لتعويض غياب بوجبا.

راشفورد من الممكن أن يظهر عل الطرف؟ حسنًا، من الممكن وضعه مكان لينجارد واستبدال الأخير بلوكاكو، هذا لأن البلجيكي بات يمثل الأمل الأخير في الكرات الهوائية والعرضيات ومحاولة خطف هدف من أقل عدد من الفرص، نظرًا لأن هذا الأمر أصبح فقط هو المتاح أمام مورينيو حاليًا.

الظروف ابتسمت لمورينيو أخيرًا، فلوكاكو الذي لجأ إليه اصطاد له ركلة جزاء بعد دخوله بدقيقة واحدة فقط، تلك التي ترجمها مارسيال إلى هدف لتصبح النتيجة 2/1 فقط، فارق الهدف الذي سيقلبه بالطبع في آخر الدقائق ليشير بأصابعه الثلاثة.

تعديلات هنا وهناك

هنا قرر جوارديولا الاستعانة بساني بدلًا من محرز، مع نقله على اليسار ووضع ستيرلينج على اليمين من أجل اللجوء إلى الأجنحة التقليدية للاستفادة من المرتدات والمساحات التي من المتوقع أن يتركها مورينيو الذي سيتقدم بحثًا عن التعادل.

أما مورينيو فوصل إلى الدقيقة الخامسة والسبعين التي يحبها، ماتا وسانشيز بدلًا من هيريرا وراشفورد، وبهذا ستتحول الخطة من 4/3/3 إلى 4/2/3/1 مع تحرير نسبي لفيلايني وتحرير مطلق لماتا من الواجبات الدفاعية في الخلف.

هنا لجأ جوارديولا لحل آخر، اللعب بدون مهاجم وإقحام جوندوجان بدلًا من أجويرو من أجل ضمان السيطرة على الكرة بشكل أكبر، وأيضًا لخلق زحام في وسط الملعب يقطع الطريق على مورينيو في حال حاول الاستحواذ أو السيطرة ولو قليلًا.

حلول جوارديولا أتت ثمارها، ولم يجد مورينيو المساحات التي بحث عنها، ولم ينخفض ريتم لاعبي السيتي كما انتظر، وظلت الكرة بين أقدام عناصر السيتي ولكن مع تراجع نسبي مقارنة بالدقائق الخمسة والسبعين الأولى، ليجد جوندوجان نفسه وحيدًا في منطقة جزاء اليونايتد في مشهد دفاعي كوميدي معتاد لسمولينج وليندلوف، وفي خطأ فردي من تلك الأخطاء التي سيتحدث عنها مورينيو في لقاء ما بعد المباراة لاحقًا.

مورينيو بدون أصابع

بعد المباراة صرح مورينيو بأنه راضٍ عن الأداء الذي كان جيد، والذي كان جيد جدًا أيضًا برغم النتيجة، تصريحات تشبه ما قاله منذ أيام أمام يوفنتوس حيث رأى أن الفريقين لعبا بشكل جيد، بل أن كليهما لعب من أجل الاستحواذ والسيطرة.

في حديثه كان هناك شيئًا واحدًا ينتمي إلى المنطق، وهو أن الأهداف الثلاثة جاءت من أخطاء فردية، ولكنه نسي أن يذكر أنها مكررة ومتوقعة ولا أمل في أن تجدها لا تحدث في مباراة ما يلعب فيها أشلي يونج وسمولينج وليندلوف في خط دفاع واحد، ولكنه على أية حال سلاح محبب لمورينيو يمكنه استخدامه كلما سقط.

في النهاية سقط مورينيو، ولم تشفع له النتيجة كما حدث في مباريات سابقة، في ديربي مانشستر حدث ماهو متوقع، بالأحرى حدث ما يعبر عن سير اللقاء بدون تدخل أية عوامل خارجية، لأول مرة منذ فترة يجد السبيشيال وان نفسه عاجزًا عن الرد أو التباهي بشيء ما..

ولأول مرة أيضًا تفقد أصابعه الثلاثة التي اعتاد رفعها القدرة على تغيير أي مما حدث، أو حتى على أن تشفع له في مواجهة الجميع، ليترك ديربي مانشستر سؤالًا واحدًا بلا إجابة، أين ذهبت أصابع مورينيو الثلاثة ليلتها؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى