الألماني من أصول سورية.. لاعب الوسط الذي لا يهاب الكرة

 

تحليل: أحمد مختار

كل شيء تغير بعد نزول محمود داوود، لقد أدى دورتموند مباراة مغايرة في الشوط الثاني، بعد ضبط التحولات الدفاعية، وخلق فرص أكثر من العمق والأطراف، ليستحق الألماني من أصول سورية نجومية المباراة، رغم أنه لم يسجل أو يصنع أي هدف خلال القمة، لكنه كان بمثابة كلمة السر التي استخدمها لوسيان فافر لهزيمة بايرن، ووضع نيكو كوفاتش في موضع الشك من جديد.

من طفل رضيع مولود في عامودا بالحسكة السورية، إلى مهاجر صغير مع أسرته تجاه الأراضي الألمانية، هذه هي الرحلة الأولى للسوري الأصل الألماني الجنسية محمود داوود، بعد انتقاله إلى مجتمع مغاير واحترافه الكرة في سن صغير في البوندسليجا.

حصل على الفرصة لأول مرة مع فريق الشباب في مونشنجلادباخ، قبل صعوده إلى الفريق الأول، وتألقه ثم انتقاله إلى بروسيا دورتموند في صفقة نالت اهتمام الصحافة الأوروبية، بعد مراقبة أندية برشلونة ومانشستر سيتي ويوفنتوس وليفربول للاعب لفترة طويلة.

داوود تعلم كرة القدم في مدارس ألمانيا، ويعترف بأن مثله الأعلى هو زين الدين زيدان، ربما لانحدارهما من أصول الشرق الأوسط، ويمكن بسبب عشقه لطريقة لعب زيدان، وهدوئه في التعامل مع الكرة، مع ذكاء شديد في اتخاذ القرار.

في النهاية لعب داوود في المنتصف، لكن ليس مثل زيدان كرقم 10، بل عاد خطوات للخلف ليصبح لاعب وسط مساند، أو ارتكاز دائرة يتحرك بين نصف ملعبه ونصف ملعب الخصم، المهم أن مناطق نفوذه حول الدائرة.

محمود نموذج للاعب الوسط الحديث، له قدرات كبيرة على مستوى التمرير من كافة أماكن المستطيل، بالإضافة إلى سرعته في الركض بالكرة من مركز إلى آخر، مع سرعة تحوله من الهجوم إلى الدفاع، لمساندة لاعبي الارتكاز وقطع الكرات قبل أن تصل إلى مرمى فريقه. إنه أفضل مثال ممكن للارتكاز الذي يتألق في نصف ملعبه ونصف ملعب الخصم، ليكون على أتم الاستعداد لشغل أكثر من مركز، لاعب وسط مساند، ووسط هجومي، وارتكاز أول بالقرب من خط الدفاع.

خلال أيامه الأولى مع جلادباخ، صنع الموهوب ذو الأصول الكردية مع زميله تشاكا ثنائية صلبة في منطقة الارتكاز، ثنائي يهاجم معا ويدافع معا، على طريقة بول سكولز وروي كين في مانشستر خلال حقبة التسعينات، وتكمن قيمة اللاعبين في كونهما غير قابلين أبدا للتنصيف، لأنهما امتلكا أرقاما مذهلة في الشقين الدفاعي والهجومي مع مونشن.

يعشق داوود فكرة القادمين من الخلف، يتحرك باستمرار في القنوات الشاغرة بين المدافعين، وينطلق بدون كرة في أنصاف المسافات، وبعد انتقال شاكا إلى آرسنال، يحصل محمود على فرصة أكبر لقيادة وسط النادي الألماني، خصوصا أنه يلعب أكثر إلى الأمام، في نصف ملعب المنافس، ليسجل أهدافا أكثر نتيجة تحركه في القنوات الشاغرة بين المدافعين والأظهرة.

حصل محمود على حرية أكبر في الوسط، لاعب قوي في التمرير والصناعة، له دور هجومي واضح مع قيامه أيضا بالشق الدفاعي. يعتبر نموذج للاعب الوسط الحقيقي في زمن الندرة الحالية، لذلك تألق مؤخرا مع لوسيان فافر، الرجل المهتم بما يعرف بالإطار التكتيكي المحكم، ليضع لاعبيه في المكان المناسب، حتى يحصل منهم على أفضل نتاج ممكن.

في قمة بروسيا وبايرن، وضع فافر مهاجمه ألكاسير على الدكة، وبدأ بماريو جوتزه كنصف مهاجم ونصف لاعب وسط، مع ترك الكرة لبايرن والاعتماد على المرتدات، لكن عاب الفريق بعض السلبيات بعد هذا الرهان، من خلال عدم وجود لاعب قناص بالأمام، بالإضافة للبطء الشديد في التحولات كلما استلم ماريو جوتزه الكرة، نتيجة تأخره ونقص لياقته.

لم تكن هذه هي المعضلة الأساسية، لأن خط وسطه كان ضعيفا للغاية، سواء في التعامل مع الضغط القوي من بايرن، أو حتى على مستوى المرتدات ولعبة التحولات، خصوصا مع انخفاض مستوى جوليان فيجيل وصعوبة ربطه مع زميله فيتسيل، لذلك جاء أول تغيير بين الشوطين، بدخول محمود داوود مكان فيجيل، في خطوة إيجابية قام بها المدرب السويسري، لتقوية خط وسطه وإضافة لاعب يجيد الاحتفاظ بالكرة، مع تميزه في التحرك والتمركز من دونها.

مع وجود داوود داخل الملعب، حصل ماركو رويس على الكرات في العمق، بعد لعبه كمحطة استلام من داوود وفيتسيل، بالإضافة لفتح الملعب طرفيا بواسطة سانشو ولارسن حتى دخول باكو ألكاسير.

الأمر كان أكثر وضوحا في الحالة الدفاعية، لأن بايرن افتقد لقوته الأساسية خلال المباراة، ألا وهي افتكاك الكرات في نصف ملعب دورتموند، لأن محمود وزملائه نجحوا في امتصاص ضغط البايرن، وأجبروه على الاندفاع للأمام والخروج من مناطقه، مع اللعب بدفاع متقدم، ليستغل الوضع كلا من سانشو، رويس، وألكاسير، ويقلب دورتموند المباراة بالثلاثة.

بالعودة إلى مستواه هذا الموسم، فإن داوود لعب في منطقة الوسط، إما كارتكاز دفاعي صريح أو لاعب وسط مساند، مع دور واضح في عملية البناء من الخلف، بمشاركته في التمريرات التي تسبق نقل الهجمة إلى الثلث الأخير، وتواجده باستمرار في نصف ملعبه، لمساندة دفاعه أثناء ضغط المنافسين.

في النهاية هو لاعب مفيد لأي مدرب، لأنه قريب دائما من زملائه، سواء المدافعين للهروب من الضغط، أو المهاجمين لاستلام التمريرة التي تسبق الهدف أو الصناعة، لذلك يبقى مهما لفافر، وأحد نجوم دورتموند حتى الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى