الغرفة التي تختزن أسرار الريال ..!

 

كتب- محمد العولقي

يستفزني المدرب الذي يبدأ مهمته بالأنا المحاطة بالغرور والتعالي، كما تثير اشمئزازي أمزجة مدربين يعبدون أطماعهم ويقدسون النفس الأمارة بالسوء، فلا يجدون من يطلب منهم معرفة ثلث الثلاثة ..

وحسنا فعل مدرب الطوارئ (سولاري) عندما تخلى عن نغمة الأنا، ضاغطا على (نحن ) الجماعية التي تستوعب كل الأدوار في فريق تعود دائما على تعاطي الغرائب، كلما فلتت الأمور من غرفة ملابس لاعبي ريال مدريد ..

وعندما يضع (سولاري) نفسه جزءا من (نحن) والتعامل مع اللاعبين على هذا الأساس، فإن في ذلك اعترافا صريحا بسطوة غرفة الملابس، وهي سطوة تاريخية دفعت غرفة الإدارة التي يمثلها رئيس النادي (فلورنتينو بيريز) للابتعاد عن شر غرفة الملابس مع فاصل من الغناء ..

حاول (بيريز) ترويض غرفة ملابس ريال مدريد بالتعاقد مع الإيطالي ( أنطونيوكونتي)، ليبقي غرفة ملابس اللاعبين في عصمته وتحت نفوذه بعد إطاحة اللاعبين بممثل (بيريز) المدرب الضعيف الشخصية (لوبتيجي)، لكن لاعبي ريال فرضوا على (بيريز) زميلهم السابق الأرجنتيني (سولاري)، وهو انتصار ساحق ماحق لغرفة ملابس ريال مدريد قبل أن يكون انتصارا للاعبين أنفسهم ..

كان (بيريز) يحاول منع غرفة الملابس من التحكم بالمشهد العام، ولعل انقلاب غرفة الملابس على (لوبتيجي) أنهى سيطرة (بيريز) على الفريق، بحكم أن كل القرارات الفنية كانت تصدر من فوق، وتحديدا من مكتب رئيس النادي وليس من غرفة ملابس اللاعبين ..

يضغط (سولاري) في مؤتمراته الصحفية على ضمير (نحن)، كما لو أنه يقول للعالم : “إن المدرب يستمد قوته من اللاعبين”، وبصورة أدق من غرفة الملابس التي طالما كانت سببا مباشرا في لفظ كل مدرب لم يكن نتاج مخرجات غرفة الملابس ..

الشيء الذي لا يعجب (بيريز) على الإطلاق يكمن في قوة غرفة الملابس ومدى تحكمها بمصير النادي، وهذا الامتعاض يختزل ويلخص المشاهد المأساوية لمدربين دخلاء على غرفة الملابس حاولوا ترويض لاعبيها وفشلوا فشلا ذريعا ..

دخل (بيريز) الكثير من الجولات والصراعات مع غرفة ملابس اللاعبين، وفي كل جولة كان يسقط في بداية السباق بطريقة دراماتيكية، حتى أنها أسقطته من عليائه عام 2006في صيف ساخن ضيع فيه (بيريز) لبن الريال، قبل أن يعود بعد ذلك كمطلب اقتصادي واستثماري في ولايته الأخيرة  ..

كان (زيدان) يدير العرض بنجاح، ويتحكم في قرار غرفة الملابس بحكم الانتماء الذي يربط (زيدان) بقانون غرفة الملابس، ولقد أثار هذا حنق وغيرة (بيريز)، فسعى لتحطيم روابط اللاعبين وخلق بلبلة مع مدربهم، الأمر الذي تفطن له (زيدان) فقدم استقالته لينفد بجلده من محرقة (بيريز) ..

لا أحد يعلم لماذا يتجاهل (بيريز) تاريخ ريال مدريد؟ رغم أن كل المؤشرات والأرقام تقول بالصوت العالي :”إن غرفة الملابس هي من صنعت مدربي وإنجازات ريال مدريد”، وأي خروج عن هذه الحقيقة فكانما يعاكس المنطق ويضع العربة قبل الحصان ..

في عام 2004، حاول (بيريز) السيطرة على غرفة الملابس من خلال التعاقد مع (كاماتشو) مدافع الريال السابق وأحد خريجي غرفة الملابس، كان بيريز كمن يدس السم في العسل عمدا ..

ظن (بيريز) بهذه الحسابات أنه سيروض غرفة الملابس وتدين له بالولاء، غير أن رد اللاعبين كان صاعقا ، يومها تقدم (زيدان) – وقد كان هو من يدير العرض –  من (كاماتشو) قائلا : “لن تحتمل جحيم غرفة الملابس”، وصلت الرسالة بعد ثلاثة شهور حين قرر (كاماتشو) الرحيل، كما لو أنه لم يستفد من درس رئيس النادي السابق (لورنزو سانز)، الذي اضطر لإقالة (كاماتشو) بعد 22 يوما لا غير، كان ذلك عام 1998 عندما تكالب لاعبو غرفة الملابس على المدرب الألماني (يوب هينكس) وطردوه في ليلة ليلاء على الرغم من أنه المدرب الذي جلب الكأس الأوروبية السابعة ..

كان من الطبيعي أن يرحل (كاماتشو) لأنه في الحالتين لم يكن خيار اللاعبين، أو بصورة أدق لم يكن يحظى بأي قبول من اللاعبين بغض النظر عن حقيقة أنه من مخرجات غرفة الملابس، لقد رأى اللاعبون أنه مجرد (مهرج) في سيرك (بيريز)، ولا يمكنه أبدا فهم أسرار اللعبة في الكواليس ..

لا يستطيع (بيريز) إنكار حقيقة أنه جلب مدربين من الطراز العالي مثل البرتغاليين كارلوس كيروش وجوزيه مورينيو والبرازيلي لوكسمبورغو والإسباني رافائيل بينيتيز، بهدف إفراغ غرفة الملابس من محتواها، وترويضها بحيث تبدأ القرارات المصيرية من مكتب الرئاسة وليس من غرفة الملابس، ومع ذلك مني بانتكاسات متتالية ، وبقيت غرفة الملابس صامدة في وجه محاولات بيريز الفاشلة..

يصر (بيريز) على حظر التجوال في تاريخ الريال، ربما يرى في غرفة الملابس كابوسا يقض مضجعه دون سبب، ببساطة لا يريد (بيريز) أن يفهم أن مدربين من وزن : خوزيه فيلالونجا ولويس كارنيليا وفيلتاس سوليتش وميجيل مونوز وديل بوسكي وزيدان جلبوا المجد الأوروبي والعالمي لريال مدريد لأنهم من إنتاج غرفة الملابس، صنعت  منهم أبطالا وصنعوا لها مجدا لا يضاهيه مجد آخر ..

في تصوري أن الوضع مع (سولاري) مختلف بعض الشيء عن مدربي غرفة الملابس السابقين، والسبب أن الريال حاليا يفتقد للاعب الذي يدير العرض، وهو اللاعب المنقذ الذي يدور حوله الفريق داخل الملعب وليس داخل غرفة الملابس ..

لو يتمعن (سولاري) قليلا في تراث ريال مدريد على مدى 70 عاما، سيكتشف أن فريقه الحالي ينقصه قائد العرض، في منتصف الخمسينيات وحتى بدايات الستينيات كان (ميجيل مونوز) هو كابتن الفريق، لكن (ديستيفانو) هو الذي كان يدير العرض بعبقريته الفذة ..

وفي منتصف الثمانينات كان (كاماتشو) هو القائد، لكن الذي يدير العرض كان المكسيكي الأكروباتي هوغو سانشيز، وفي الألفية الجديدة تناقلت شارة القيادة من فرناندو هيرو إلى راؤول غونزاليس، لكن (زيدان) هو بطل الفريق الذي كان يدير العرض بمهارة مدهشة ..

وبأنف فأر عرف كيف ينجو من جحيم تسونامي، تفطن (زيدان) المدرب إلى أن شارة القيادة ليست وحيا من السماء، لقد كان يهمه من سيدير العرض في النهاية، لذا ترك (زيدان) الشارة للمدافع سيرجيو راموس، لكنه سلم جميع مفاتيح العرض للنجم الكبير كريستيانو رونالدو  وكانت غرفة الملابس سعيدة بهذا القرار ..

فعلا يبدو (سولاري) في موقف لا يحسد عليه، سيجد صعوبة بالغة في تحديد هوية من يدير العرض المدريدي كي تتنفس غرفة الملابس الصعداء، ولكن نظرة سريعة لمحتويات غرفة الملابس الحالية كفيلة بأن يقتنع (سولاري) بالحقيقة المرة، فالبحث عمن سيدير العرض بعد رحيل رونالدو أشبه بمن يبحث عن إبرة في كومة قش ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى