كيف ساهم تعيين جوارديولا كمدرب لبرشلونة في تغيير شكل كرة القدم للأبد؟

 

كتب- أحمد مختار

كان يعرف جيدا أنه قبل أن يتمكن من تغيير النتائج، عليه أن يغير العقول أولا. ولأنه من الرائع التفكير الآن في البدايات، حين تم تعيينه كمدير فني لبرشلونة في صيف 2008.

لم يكن الأمر أكثر من مجرد شك في كونه مغامرة غير محسوبة النتائج، لشاب في بداية حياته التدريبية، مقبل على قيادة واحد من أهم فرق العالم.

كما كان ينظر إليه أيضا على أنه استخدام سياسي ساخر، للرمزية التي يمثلها خريج شباب النادي، صاحب الشعبية الجماهيرية الجارفة، والأصول الكاتلونية الصريحة، من أجل حماية نظام جوان لابورتا الرئاسي من الانتقادات المتزايدة في وقت صعب ومحوري.

عرف جوارديولا التحديات كافة منذ اليوم الأول، لذلك كانت رسائله واضحة للجميع. قال للاعبيه في أول اجتماع رسمي، “عليكم أن تثقوا في عملي، وستشعرون بالتغيير سريعا”.

بينما وجه كلمات أكثر قوة للجمهور في يوم جامبر، حينما صرح وسط كامب نو قائلا، “لا أعدكم بشيء، لكن أعدكم بفريق ستفخرون به”. وكانت هذه حقا هي البداية، لفريق تاريخي لا ينسى في عالم كرة القدم.

“خذ الكرة، مرر الكرة”، فيلم وثائقي جديد عرض مؤخرا يحكي عن حقبة برشلونة 2008-2012، وحصل هذا الفيديو على اهتمام مضاعف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا مع كم المقالات المكتوبة التي تحدثت عنه، بالإضافة إلى تحليل رائع نشر عبر صحيفة الاندبندنت البريطانية، للمحلل والكاتب “ميجيل ديلاني” بعنوان يخطف الأنظار سريعا.

الباقي، حسنا، هو أكثر بكثير من التاريخ. لم يفز جوارديولا على الآخرين فحسب، بل فاز بكل شيء في برشلونة، وبالتالي فعل أكثر بكثير من تغيير العقول. لقد غير اللعبة بأكملها.

https://twitter.com/FCBArab/status/1063071165743271938

قال أريجو ساكي، بأن أياكس السبعينات، ميلان الثمانينات وأوائل التعسينات، وبارسا بيب، هم الفرق التي قدمت تطورا مذهلا في آخر 50 سنة. “شهدت السنوات الخمسون الأخيرة في هذه الرياضة تطورًا مستمرًا من أياكس إلى هولندا وميلان إلى برشلونة جوارديولا.

بدون التطور، هذه الرياضة ميتة. وبدون أخذ المخاطرة، تظل هذه اللعبة في الماضي، بينما يجعلك الابتكار تتطور كل عام. ليس بالضرورة أن يكون التطور خاص بك، لكنك تجبر خصومك ومنافسيك على التعديل لكي ينافسوك، بالتالي يقدمون المصل المضاد للإكسير الذي اخترعته أو ابتكرته أو حتى عدلت عليه، هذه هي الثورة التكتيكية باختصار”.

جوارديولا لم يخترع شيئا، لا الضغط ولا الاستحواذ ولا حتى التمرير والتيكي تاكا، كلها مبادئ وأمور كانت متاحة منذ عشرات السنين، ويمكن القول بأن شخصا بقيمة كرويف له دور أكبر في هذا الجانب من تلميذه، لكن الشيء الحقيقي الذي يحسب لبيب أنه أعاد تفسير وإدراج هذه الأدوات مرة أخرى في الكرة الحديثة..

هو لا يحب كلمة “تيكي تاكا”، ولا يذكرها أبدا خلال محاضراته الكروية أثناء فترة التدريب أو في المؤتمرات التي عقدها أو حضرها.وذلك لأن العبارة إعلامية جماهيرية بحتة وصفت خاصية التمرير والهجوم والضغط، التي اشتهر بهم بارسا بيب خلال أربع سنوات ذهبية.

برشلونة بيب أقرب إلى فن التمركز واستغلال أكبر قدر ممكن من المساحات، بجعل الكرة هي من تجري لا اللاعب، ومحاولة تحريك الخصم لا الكرة فقط فيما يعرف بمبادئ اللعب الموضعي، القائم أولا وثانيا وثالثا على التمركز الصحيح.

بينيتيز ومورينيو

لقد تغيرت أمور عديدة في كرة القدم بعد 2008، أصبحت الفرق الكبيرة تهاجم بنفس طريقة بارسا بيب، ليس بالضرورة أن تنسخ نفس الأدوات بالنص، لكن على الأقل فيما يخص التحكم ونقل الهجمة من جهة لأخرى، مع استخدام تركيبات الضغط والبناء من الخلف بشكل أوضح.

أدى هذا التحول إلى ارتفاع نسبة الأهداف في دوري أبطال أوروبا، من 2.47 هدف بالمباراة في 2007 إلى 3.21 بالموسم الماضي على سبيل المثال.

على مستوى الأكاديميات في إسبانيا وإنجلترا ودول أخرى، بدأ تدريب الشبان بإعطاء الأولوية لتقنية لعب الكرة وتمريرها.جوارديولا وكثير من المديرين أدركوا قيمة الضغط، في حين أن العلوم الرياضية الحديثة سمحت بدخولها بشكل غير مسبوق.

لقد أصبح الضغط بمثابة الجودة المسيطرة. حتى تقارير الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تصف هذه السطوة، في عدد الأهداف وارتفاع وتيرة الضغط، بإسم “تأثير جوارديولا أو ذا جوارديولا إفيكت”، وفق مدراء كبار، حاليين وسابقين، باليويفا.

عودة لإحدى مباريات شامبيونزليج 2007 بين تشيلسي مورينيو وليفربول بينيتيز. ملل كبير وتحفظ دفاعي فوق الوصف، ضرب بدون كرة وركض مستمر، وفرص شبه معدومة وأهداف قليلة جدا.

جوزيه نفسه وقتها هاجم بينيتيز لأسلوبه الدفاعي المبالغ فيه، وفق رأي أحد أشهر المدربين الدفاعيين في التاريخ الحديث، البرتغالي مورينيو!

خورخي فالدانو، له وصف مثالي لشرح حالة بينيتيز-مورينيو على حد سواء. يقول الأرجنتيني في حواره مع جارديان عام 2007، بينيتز ومورينيو لديهما نقص في الإبداع.

حياة كلا منهما تقاطعت في عالم مراقب من الإعلام، لهذا ينظران لبعض بعدم ثقة، مع شيئين مشتركين، جوع للنجاح والتألق لم يستطيعا الوصول إليه في فترة لعبهما داخل الملعب، والرغبة في أن يكون كل شيء تحت السيطرة.

هذان العاملان ينبعان من أن الاثنين لم ينجحا كلاعبين، لينتقل التركيز والغرور نحو التدريب. الذين لم يتألقوا كلاعبين سابقين لا يرون الموهبة في اللاعبين، ولا يثقون في قدرتهم على الارتجال ليحققوا الفوز.

إذا كانت كرة القدم تسير على قدم وساق مثل تشيلسي وليفربول، كان من الأفضل لنا أن نودع أي تعبير عن الذكاء والموهبة التي تمتعنا بها منذ قرن. هذا باختصار شديد الفارق الذي أدخله جوارديولا وفريقه، بعد سيطرة وتوحش غول التحفظ الخططي على المجريات في أواخر التسعينات وبدايات الألفية.

كانت كرة القدم محاصرة بشكل أساسي بين الأساليب التكتيكية المعقدة واللعب البدني العنيف، بالتأكيد كانت هناك تجارب هجومية مميزة، لكنها لم تكن ناجحة بالشكل الكبير، أو دعونا نقول بأنها لم تكن مقنعة للجميع، لذلك بقت في درجة أقل من نظيرتها الدفاعية، حتى صعود الفريق التاريخي لبرشلونة في 2008 وما بعدها.

قلب جوارديولا اللعبة بقدر طريقته في قلب اللعب من جهة لأخرى. لقد تحدث الكثير من لاعبيه عن ضرورة التعلم تحت قيادته، لذلك قام فريقه بلعب دور أكبر في الملعب، في حين يضغط على الخصم بقوة في نصف ملعبه، مع فرص بالجملة وأهداف غزيرة.

كان هناك خطر بالتأكيد نتيجة الدفاع المتقدم، ولكن تلك المغامرة جزء رئيسي من النجاح، مع الجمع بين الحيازة والضغط، بالإضافة للتناغم المطلوب بين القدرات الفردية واللعب الجماعي.

برشلونة فريق ممتع بطبعه، قبل جوارديولا وحتى بعده، كذلك فاز وسيفوز ببطولات، لكن الشيء الذي زرعه بيب حقا داخل النادي هو الجوع، أن يكون الفريق عداونيا لأقصى درجة، لا يرضى بالفوز العادي أو بتسجيل عدد معين من الأهداف، ولا يتوقف طموحه عند بطولة أو اثنتين أو حتى ست.

لقد كان ذلك الشعور هو الأساس لقيمة عمل المدرب مع لاعبيه، بعد تحويلهم من مجموعة مهارية فائزة إلى أخرى متوحشة بالكرة ومن دونها، تشبه الحيوانات المفترسة التي تأكل الأخضر واليابس.

في أول 10 مباريات رسمية للمدرب مع برشلونة، سجل الفريق 6 أهداف كاملة في 4 مواجهات مختلفة، كذلك كان قوام المنتخب الإسباني الفائز بكأس العالم 2010 من لاعبي البلاوجرانا، قرابة السبعة لاعبين من الفريق تدربوا وتطوروا تحت قيادة جوارديولا.

https://twitter.com/FCBArab/status/1063072323555807233

واجه مايكل كاريك برشلونة بيب مرتين في أوروبا، خسر مانشستر يونايتد أمام الكتلان، لكن قائد اليونايتد السابق عبر عن إعجابه الشديد بخصمه، عندما أكد بأنه استمتع كثيرا بكرتهم، قبل أن يشير إلى أن برشلونة كان وقتها النادي الثاني لأي مشجع في أوروبا، بمعنى أن المشجع الإنجليزي لمانشستر يونايتد كان يساند برشلونة في المرتبة الثانية، وهكذا بالنسبة لبقية الفريق، مع الكرة الجميلة والعروض الخيالية للأحمر والأزرق.

واحدة من أكثر الآثار الحاسمة لجوارديولا هي كيفية تغييره لأساليب التدريب، واحدة من مبادئه هي أن الكرة يجب أن تبدأ من الدفاع، لذلك أعطى البناء من الخلف مهمة رئيسية. صحيح أنه لم يكتشف هذا الأمر، لكنه على الأقل أجبر الجميع على تقبله، وجعل مدربي الفئات السنية في مختلف بلدان أوروبا يطبعون أسلوبه، ولو حتى على سبيل التجربة، لجعل الشباب الصغير أكثر تقنية بالكرة، سواء على مستوى التمرير أو الاحتفاظ بالهجمة تحت الضغط. أصبح المدافع الممرر ربما أهم من المدافع قاطع الكرات في الكرة الحديثة.

يقول ماتياس زامر في حوار سابق مع صحيفة فور فور تو في 2014، “حينما كنت أعمل في الاتحاد الألماني سابقا، حللنا ودرسنا طريقة لعب بارسا جوارديولا لعدة أيام.

فريق لديه هوية، شخصية، لمحة فردية، جماعية، شغف، أسلوب، ولمحة من الاعتزاز بالنفس”. والآن نحن في عام 2018 وقد تم تدريب العديد من اللاعبين على هذا المنوال. لديهم القاعدة التقنية، ولكن الأمر لا يتعلق فقط بكيفية لعبهم للكرة، بل هو كيفية التفكير والضغط بشكل صحيح.

بالتأكيد كرة القدم لا تتوقف عن الجديد، لذلك ظهرت عدة خطط وإستراتيجيات لتواجه أفكار جوارديولا وفرقه بعد ذلك، كالضغط العكسي القوي بالقرب من مرماه، لكن حتى في هذا الجانب فإن الفكرة الرئيسية لبارسا بيب هي الأساس، وما يقابلها من أفكار أقرب إلى المصل المضاد، مما يؤكد قوة تأثير تلك السنوات الأربع على كرة القدم بشكل محوري ومفصل.

يختم “ميجيل ديلاني” تحليله في الاندبندنت بهذه المقولة المهمة كأفضل نهاية ممكنة للسرد،”بعد فوز ميلان في كأس الأمم الأوروبية عام 1963، مع أول استخدام بارز للنهج الدفاعي مع المدرب القدير نيريو روكو.

أثر التحفظ على قواعد اللعبة لسنوات طويلة، من خلال ندرة الأهداف المسجلة في البطولات الأوروبية للأندية. نسبة 2.5 هدف تزيد أو تنقص بالمباراة، لكنها بقت ثابتة غير قابلة لمس، حتى السنوات الماضية، بالتحديد منذ 2008″.

هذا هو، ما يعرف بتأثير جوارديولا، كما قالت اليويفا!

*الحقوق محفوظ للتحليل الأصلي، للكاتب ميجيل ديلاني في صحيفة إندبندنت، بتاريخ 9 نوفمبر 2018.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى