الوجه الآخر لنيمار.. ما لن تخبرك عنه حسابات المشجعين

 

تحليل- أحمد مختار

مستهتر، لا يتحمل المسؤولية، ممثل، مخادع، ومستفز معظم الوقت. ضرب الرقم القياسي العالمي في عدد مرات فقدان الكرة أمام يوفنتوس في شامبيونزليج 2017. لم ينجح في حمل منتخب بلاده على عاتقه بالمونديال الأخير، .ورحل عن فريقه الذي أحضره من أوروبا بطريقة سيئة.

كذلك لديه سمعة غير جيدة في بلاده، بالتحديد مع ناديه الأول سانتوس، لوجود خلافات مالية ضد والده. هذا هو نيمار باختصار شديد، “كوكتيل” من المشاكل والصراعات والقضايا والمشاعر المغلفة بالكراهية والحقد والغيرة، وأحيانا الانتقام، وكثير من التشفي والشماتة والندم في نفس الوقت.

يصف إدواردو جاليانو في رائعته كرة القدم في الشمس والظل، الجانب الآخر في اللعبة، وكأنه يتحدث في الوقت الراهن عن أيقونة البرازيل في زمننا الحالي نيمار،”ومن حسن الحظ أنه ما زال يظھر فـي الملاعب، حتى وإن كان ذلك فـي أحيان متباعدة، وقح مستھتر يخرج على النص، ويقترف حماقة القفز على كافة تقاليد الفريق الخصم وعن الحكم وحتى الجمھور، لمجرد متعة الجسد المنطلق إلى مغامرة الحرية المحرمة”!

نيمار وقح مستهتر في أفضل حالاته، سواء مع سانتوس عند الفوز بالليبرتادوريس، أو رفقة برشلونة أيام مثلث الرعب الهجومي بالتعاون مع ميسي وسواريز، وحتى لحظة تحقيقه الميدالية الذهبية مع البرازيل في الأولمبياد. كل شيء تغير بعد قراره الغريب بالرحيل عن برشلونة، ودفع الشرط الجزائي دون موافقة ناديه.

خطوة دا سيلفا كانت مريبة، لا يتعلق الأمر فقط بالانتقال، لكنه لم يكن مثل فيجو، ويقرر الخيانة المباشرة بالذهاب إلى العدو اللدود، أو حتى اختار حلا وسطا بالتوقيع مع أحد عمالقة الدوري الإنجليزي، للاستفادة من المال والكرة والإعلام وجنون الجماهير. اللاتيني لم يفعل هذا أو ذاك، قرر فقط بأوامر والده أن يختار المال أولا، والهروب من ظل ميسي ثانيا، كما قيل المقربون منه في الصحف البرازيلية.

في النهاية وضع نيمار نفسه كعدو للجميع، لمشجعي برشلونة بعد خيانته لها، حتى لأنصار الريال وكبار البريمرليج، بعد قراره بعدم الذهاب إلى أي منهم، ليكون بلا ظهير إعلامي/ جماهيري عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

هناك من يدافع عن ميسي، رونالدو، كوتينيو، إيسكو، هازارد، وغيرهم حتى عندما لا يظهروا بشكل مثالي، لأنهم قدموا أشياء كثيرة إيجابية بالتأكيد، لكن أيضا لأن حب الجمهور باق، ومستمر بلا مقابل مشروط.

الحقيقة أن نيمار ليس ملاك، هذا الكلام لا يتعلق فقط بمستواه المتراجع في بعض الأحيان، كمردوده ضد الريال في ذهاب الأبطال بالموسم الماضي، وانخفاض مستواه مع منتخب بلاده بالمونديال العالمي الأخير، بل مرتبط أكثر بشخصيته المستفزة، وعقليته الضعيفة في بعض المواقف التي لا تحتمل ذلك، كمبالغته في التمثيل، ادعاء السقوط، عدم التأثر الظاهري، وقلة مراعاة مشاعر الجمهور، وحتى فقدانه التركيز عند تعرضه للاستفزاز من الخصم أو الحكم.

كل هذه الأمور أجلت كثيرا من جلوس نيمار على عرش كرة القدم، رغم وجود مناخ كروي عام ينتظر بطلا جديدا في مرحلة ما بعد “ميسي-رونالدو”، لدرجة أن الشارع الرياضي تفاعل بشكل مبالغ فيه مع تألق هازارد في المونديال، ودفع مودريتش دفعا نحو الحصول على جائزة أفضل لاعب في العالم، رغم أن الكرواتي قدم موسما ضعيفا للغاية، إذا تحدثنا بلغة المستوى والتكتيك والثبات وحتى القيادة في الأوقات الصعبة.

هذا رأي لا خلاف عليه، نجم باريس يعاني من “ديفوهات” وعيوب ومشاكل تحتاج لحلول جذرية منه لا من غيره، خصوصا على مستوى العقلية وضبط النفس عند تأزم المواقف، لكن ما لن تخبرك عنه أبدا أماكن تواجد المشجعين ومواقع التواصل الاجتماعي أن نيمار لا يزال لديه الكثير..

ورغم كل ما تم ذكره بالسابق، يبقى المرشح الأول لإدارة قواعد هذه اللعبة بالسنوات القادمة، لأنه يملك صفات ومهارات ومقومات، تفوق هازارد ومبابي وجريزمان، وكل من يأمل في أخذ الجمل بما حمل.

انتشرت صورة منذ فترة، يظهر فيها نيمار حزينا وزملاؤه يرفعون مبابي، بعد تسجيله عدة أهداف في مباراة واحدة. لا خلاف أبدا على تفرد الفرنسي الصغير بطل كأس العالم، وربما حصوله على جائزة أفضل لاعب بالعالم بعد فترة وجيزة، لكن المتابع الجيد لباريس سان جيرمان مع توخيل سيدرك فورا أن البرازيلي أجهز وأفضل وأكثر ثقلا من نظيره الفرنسي، على مستوى مساعدة فريقه، وخدمة تكتيك مدربه، وكونه عامل الحسم الرئيسي في مختلف المباريات الكبيرة التي خاضها سان جيرمان مؤخرا.

في مباراة الذهاب ضد نابولي بملعب حديقة الأمراء، حمل نيمار فريقه بعد البداية الكارثية بالشوط الأول. توخيل تحول إلى 3-4-2-1 في الشوط الثاني، وبصراحة كان اختيارا مثاليا للألماني. 3 مدافعين ثم مونييه يمين وديماريا يسار، مع نيمار ومبابي بالعمق، أمام فيراتي ورابيو، وخلف النائم كافاني.

كافاني يقدم موسم كارثي حتى الآن، لا يتحرك كثيرا، لا يتعاون مع زملائه، والعكس صحيح، ولا يضغط مثل السابق، وكأن باريس يلعب منقوصا من لاعب. لكن الميزة في تعديل توخيل أنه حصل على أفضل شيء ممكن من نيما، خصوصا أنه تواجد كرقم 10 بالعمق، لا جناح مثل العادة.

لعب نابولي بثنائي محوري، جعل نيمار يستلم كثيرا في المنطقة بين الدفاع والوسط، مع مهارته، مراوغاته، انطلاقاته، شكل البرازيلي مصدر رئيسي للخطورة، وكان سبب أساسي في الهدفين، رغم أنه لم يسجل ولم يصنع وفق لغة الأرقام.

تعملق فيراتي بشدة أمام ليفربول، وقدم ماركينهوس هو الآخر مباراة مثالية، لكن كان نيمار بمثابة “حبة الكرز” لخطة توماس توخيل. وفق رسم 3-3-1-3 بالهجوم، صعد دي ماريا على اليمين، مال مبابي يسارا، وتواجد البرازيلي كرقم 10 صريح بالعمق، أمام فيراتي مباشرة، ليحصل على التمريرة العمودية باستمرار في وبين الخطوط، وتبدأ معه معظم هجمات باريس ضد الإنجليز، ليراوغ ويصنع ويمرر ويسدد ويسجل، مع عودته من دون الكرة على اليسار في الحالة الدفاعية، لتتحول الخطة إلى ما يشبه 4-4-2 بالخلف.

عندما يكون في يومه، لا أحد يستطيع إيقافه. وحتى في أسوأ حالاته ربما يفيدك بلمسة أو لعبة مفتعلة. حتى في مباراة البرازيل وبلجيكا بربع نهائي المونديال، لم يقدم نيمار الكثير في الشوط الأول، لكن بمجرد تحركه ونشاطه بالشوط الثاني، عاد السيلساو إلى المباراة، وكاد أن يتعادل بالدقائق الأخيرة.

في الحقيقة نيمار بالتأكيد ليس ملاكا، لكنه أيضا أبعد ما يكون عن الشيطان، على الأقل داخل رقعة العشب الأخضر، المعروفة باسم ملعب المباراة.

المستقبل أمام البرازيلي، عمره فقط 26 عاما، لديه المقومات كافة للعودة من جديد بين مصاف الكبار. المسار يحتاج فقط إلى تعديل، باستمرار التركيز والنضج في المباريات الكبيرة كما يفعل هذا الموسم، ووجود فريق علاقات عامة بعيدا عن الملعب، شيء قريب من حملات العلاقات العامة التي تحمي الشخصيات الكبيرة عبر وسائل الإعلام، وتقلل من مشاكلهم، إما بالنصيحة والتوجيه، أو حتى بإخماد نيران الأخبار قبل اشتعالها.

هكذا فعل نجوم كبار في فترات سابقة، وعلى رأسهم رونالدو، ولا يوجد أي مبرر أمام نيمار، لمواصلة التفريط في موهبته الفذة، والتي لا ينافسه أحد فيها، إذا وضعنا ميسي خارج الحسابات!


اقرأ أيضا: السوبر كلاسيكو.. والوجه القبيح لكرة القدم

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. أفضل ملاحظة أنه أصبح بلا ظهير جماهيري.

    فعلا شتان الفارق بين تعامل الإعلام مع نيمار وغيره، كلما يسقط فإن السهام المصوبة عليه أكثر بمراحل.

    مقال ممتاز

  2. مقال أكثر من رائع ، نيمار مبابي ديبالا ديمبلي هازارد و اخيرا كين يقودون حقبة ما بعد ميسي و رونالدو، إذا لم يحقق البرازيلي الابطال مع الباريسيين سيثبت أن اختياره كان خاطئا و ربما يغادر إلى انكلترا في نهاية المطاف أو يعتزل مع الريال

اترك رداً على نادر حمزة إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى