لوتشيانو سباليتي.. وابتسامات القدر التي لن تدوم

كتب- يوسف حمدي

يقول أينشتاين أن كل ما تخطئ فيه حساباتنا نسميه صدفة، ذلك لأننا نحب أن نعفي أنفسنا من مسؤولية ما أخطأنا فيه، هذا عن الصدف السيئة، أو ما نسميها كذلك بالأحرى، ولكن ثمة صدف نكون نحن فيها المستفيدين، وتلك التي من الممكن تعريفها بأنها كل ما تخطئ فيه حسابات الآخرين، ولكننا في تلك الحالة على الأرجح لا نسميها صدف، بل نرجعها إلى حسن تخطيطنا وعبقريتنا التي لا مثيل لها.

على الخط هنا يقف لوتشيانو سباليتي، الرجل الذي اعتاد على النجاحات الجزئية، تلك التي تمثل الانتقال من العدم إلى الوجود، والتي غالبًا ما تنتهي عند الوجود خاصة في السنوات الأخيرة، لا يستطيع لوتشيانو أن يخطو المزيد من الخطوات بعد ذلك، ولا تدري بالتحديد ما السبب في ذلك، نظرًا لأنك لن تستطيع تفسير ما يفعله هذا الرجل أو ما يدور في عقله، تمامًا كما فشل كل من حاولوا من قبل.

الجينات الإيطالية تظهر على جميع حامليها فيما يخص كرة القدم بالذات، وحتى إن تخلى سباليتي عن أغلبها فإنه لن يستطيع التنصل منها كليًا، تلك الجينات التي لها ما لها وعليها ما عليها، إلا أنه مع الأسف هناك من يغض الطرف عن كل ما هو إيجابي فيها، ويفضل الاحتفاظ بكوارثها فقط، والأمثلة على ذلك من الممكن أن نتحدث حولها إلى ما لانهاية، بشرط أن نتفق ختامًا على الفارق بين الهراء والتكتيك، وألا يتسبب الخلط بينهما في سوء الفهم حول أحد هؤلاء.

هل تتذكر ما حدث العام الماضي؟ في مثل هذا الوقت تقريبًا، حين التقت إيطاليا بنظيرتها السويد في صراع الملحق الأوروبي المؤهل إلى كأس العالم، حينها خسرت إيطاليا ذهابًا بهدف للا شيء في ستوكهولم، وإيابًا ظل التعادل السلبي مخيمًا على النتيجة أمام تحفظ دفاعي شديد جدًا من لاعبي السويد، الوقت يشير إلى ربع ساعة متبقية على النهاية، وإيطاليا تحتاج إلى هدف من أجل تعديل النتيجة بعد تأخرها ذهابًا..

حينها نظر فينتورا مدرب الأتزوري إلى دكة البدلاء بحثًا عن الحل، الذي كان لورينزو إنسيني حينها بدون نقاش، البديهيات تقول ذلك في مثل هذه الحالات، فينتورا في تلك اللحظة قرر أن يطلب من دي روسي الاستعداد للدخول، لينفجر دانييلي في وجهه غاضبًا بأن عليه إقحام إنسيني بدلًا منه، فماذا سيفعل لاعب ارتكاز مساند في موقفٍ كهذا؟

هل تذكرت هذه الواقعة جيدًا؟ حسنًا، منذ أيامٍ قليلة كان إنتر ميلانو على موعد مع مواجهة حسم الصعود إلى دور الستة عشر من دوري أبطال أوروبا أمام توتنهام، مباراة كان يكفيه فيها نقطة واحدة من أجل الصعود، الأمر الذي راق كثيرًا لسباليتي الذي قرر أنه لا يريد المخاطرة والبحث عن التسجيل بقدر ما يريد تأمين النقطة بالتعادل السلبي، المهم أنه وقبل ربع ساعة من نهاية المباراة تم إفساد هذه النتيجة بهدف لتوتنهام بأقدام إيريكسين، ليصبح الإنتر ثالثًا على سلم الترتيب في المجموعة خلف برشلونة وتوتنهام.

إذًا ماذا يحتاج النيراتزوري؟ فقط هدف، وهل هناك شيء يستحق الحفاظ عليه؟ لا، الهزيمة بهدف تشبه الهزيمة بعشرة أهداف في هذه الحالة، سباليتي على الخط ينظر لبدلائه نفس نظرة فينتورا منذ عام، الرجل نظر إلى لوتارو مارتينيز كنظرة فينتورا لإنسيني كذلك، ومن ثم قرر الدفع بجواو ميراندا ومن ثم التقدم للهجوم، خطة في منتهى الذكاء سيدي سباليتي!

ولأن التاريخ يعيد نفسه، ولأن فتح الدفاتر القديمة يقودنا إلى رحلة لا تنتهي، فإن هذا السيناريو الذي أصبحت عليه المجموعة يذكرنا بسيناريو العام الماضي، حين خسر إنتر ميلانو ديربي إيطاليا أمام يوفنتوس بثلاثة أهداف لهدفين في جيوسيبي مياتزا، وتحديدًا قبل خمس جولات فقط من نهاية الكالتشيو..

المباراة أشارت إلى تقدم الإنتر بهدفين لهدف حتى الدقيقة الثالثة والثمانين، اللحظة التي وصل فيها الوحي إلى سباليتي فقرر الدفع بجواو ماريو بدلًا من إيكاردي، قرار سحب المهاجم الوحيد والذي كان كفيلًا بتصدير الإزعاج لدفاعات يوفنتوس طوال المباراة كان عبقريًا بالفعل، عبقرية سمحت ليوفنتوس بأن يسجل هدفين في ثلاثة دقائق ويقلب الطاولة على غريمه ليبتعد حلم الأبطال شيئًا فشيئًا.

هل اكتفى سباليتي بذلك؟ بالطبع لا، الأمور ظلت في طريق اللا معقول كما تعودنا مع لوتشيانو، الرجل يقرر الدخول بتشكيل غير مفسر بحجة إراحة لاعبيه لشيء ما مجهول، الإنتر لا يلعب أوروبيًا ولا يلعب في بطولة الكأس، ويخوض صراعًا لحجز بطاقة أوروبية، ونتيجة ذلك مدرب إنتر يقرر إراحة 4 عناصر أساسية ليخسر ثلاثة نقاط أخرى تنهي حلم التأهل لدوري الأبطال منطقيًا بالنسبة له، إلا أن لعبة القدر أرادت شكلًا آخر للنهاية.

لاتسيو يخسر مباراته أمام سامبدوريا، ويصبح الفارق بينه وبين إنتر ثلاثة نقاط، ولأن السينيما تحضر في كرة القدم أحيانًا، يشاء القدر بأن تكون الجولة الأخيرة في الكالتشيو بين لاتسيو وإنتر، من يفوز سيحجز بطاقة الصعود، والتعادل سيكون في مصلحة لاتسيو المتفوق بثلاثة نقاط فوق ضيفه على سلم الترتيب، لاتسيو يتقدم بهدف، يتعادل إنتر، لاتسيو يتقدم مرة أخرى، ليقلب إنتر تأخره بضربتين ثابتتين، ويفوز بملحمة الصعود الأوروبي الغائب منذ موسم 2012 بفضل لعبة القدر..

تلك التي أرادت لسباليتي نهاية سعيدة لموسمه على الرغم من أنه كان يمتلك أسماء أفضل بكثير من لاتسيو، إلا أنه أضاع فرصة حسم هذا الصعود كثيرًا طوال الموسم، في فترات مبهمة أبرزها تلك السلسلة التي امتدت إلى 11 مباراة بدون فوز، نعم تمامًا كما قرأت عزيزي.

في هذا العام أراد هذا السيناريو أن يعود مجددًا، وشاءت لعبة القدر بأن تأتي الجولة الأخيرة من دوري المجموعات لدوري أبطال أوروبا وتوتنهام في المركز الثاني للمجوعة فوق إنتر الثالث، إنتر يحتاج إلى الفوز على أيندهوفن للصعود بشرط خسارة توتنهام أمام برشلونة، الاحتمالان منطقيان على ما يبدو، إلا أنه من الممكن للعبة القدر أن تلعب دورها في الاتجاه المعاكس.

ولماذا لا يخطف توتنهام فوزًا سينيمائيًا من الكامب نو يصعد به إلى ثمن النهائي؟ تمامًا كما خطف إنتر بطاقة الصعود لدوري الأبطال من لاتسيو العام الماضي، هنا سيدفع سباليتي ثمن ما فرط فيه سلفًا، وسيكتشف أن لعبة القدر لا تسير في اتجاه واحد دومًا، وأن ما تضعه في إطار الصدف لن ينقذك في كل مرة، طالما تفرط أنت في الفرص التي كانت بين يديك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى