مصر والأمم الإفريقية

كتب: أ.د. حسني نصر 

عندما يتراجع الجميع عن المبادرة تتقدم مصر الصفوف لتنقذ بطولة الأمم الإفريقية لكرة القدم التي لم يعد باقيا على موعدها سوى ستة أشهر فقط.

سحب الاتحاد الإفريقي منذ أسبوعين تقريبا تنظيم بطولة كأس الأمم الإفريقية 2019 من الكاميرون بسبب عدم جاهزيتها على مستوى الملاعب، وعدم استقرار الأمن فيها، على أمل أن يهدى البطولة للمغرب لتعويضها عن فشل محاولاتها استضافة كاس العالم أكثر من مرة. المفاجأة أن المغرب اعتذرت عن قبول الهدية الإفريقية المكلفة، ورفضت التقدم لاستضافة بطولة الفقراء.

بحث الاتحاد الإفريقي في دفاتره القديمة عن مستضيف يمكن أن يرضى بدور البديل الجاهز، ولم يكن أمامه سوى دولتين فقط في القارة السمراء قادرتين على الوفاء بمتطلبات الاستضافة من الناحيتين المادية (الملاعب والفنادق الجاهزة لاستضافة 24 منتخبا) واللوجستية، وهما جنوب إفريقيا ومصر.

ولأن من الصعب انتزاع موافقة حكومة جنوب إفريقيا المنتخبة ديمقراطيا قبل المرور على البرلمان، كانت مصر هي الخيار الأسهل، خاصة وان اتخاذ القرار فيها يأتي دائما من الأعلى ودون حاجة للبرلمان أو دراسة للجدوى، إذ يكفي أن يقول الرئيس أنه يريد استضافة البطولة لتتغير كل المعطيات وينتقل الاتحاد المصري ووزارة الرياضة من حالة الرفض التام التي التزم بها وقت إعلان سحب البطولة من الكاميرون، إلي حالة القبول التام أيضا والتغني بحكمة الرئيس.

خلال ساعات من اتصال رئيس الاتحاد الإفريقي بالاتحاد المصري كانت مصر قد تقدمت بملف الاستضافة دون أن يعرف أحد شيئا عن مصادر تمويل البطولة وكلفتها المادية والجماهيرية. وبسرعة أكبر تم تحديد الملاعب الثمانية التي تستضيف مباريات البطولة في أربع مدن مصرية هي القاهرة والإسكندرية والسويس والإسماعيلية وكذلك ملاعب التدريب.

من الجيد بالطبع أن تنظم مصر البطولة الإفريقية خاصة وأنها لم تنظمها منذ 13 عاما تقريبا عندما استضافت نسخة العام 2006، ومن الطبيعي أن تكون مصر أكثر الدول الإفريقية استعدادا لمثل هذه التجمعات القارية.

مع ذلك فإن القرار الفوقي المتعجل باستضافة البطولة يثير أسئلة عديدة حول آليات اتخاذ القرار في مصر. من هذه الأسئلة هل تمثل البطولة الإفريقية أولوية لمصر حاليا، خاصة وأنها تمر بظروف اقتصادية ضاغطة؟ ألم يكن من الحكمة الاعتذار عن هذا التنظيم وتوجيه الأموال التي ستنفق علي بطولة رفضها الجميع، إذا كانت هناك أموال فائضة عن حاجة الحكومة، إلى قطاعات أخرى تعاني من نقص التمويل مثل قطاعي الصحة والتعليم؟

كيف تنظم دولة بطولة قارية وهي تمنع جماهير الكرة من حضور مباريات مسابقاتها المحلية؟ هل ستجرى البطولة بدون جماهير كما يحدث في مباريات الدوري؟ أم أن الأمن سوف يتدخل كما يحدث الآن في تحديد أعداد الجماهير في كل مباراة من مباريات البطولة؟ وهل سيسمح النظام الخائف، في ظل قانون التظاهر، لجماهير الكرة سواء المصرية أو غير المصرية بالخروج في مسيرات في الشوارع احتفالا بفوز منتخباتها؟

ثم.. ما الذي يضمن للاتحاد الإفريقي عدم وقوع مجازر جديدة في الملاعب المصرية أثناء البطولة، كتلك التي وقعت لجماهير النادي الأهلي في بورسعيد وراح ضحيتها 74 مشجعا، والتي وقعت في ملعب الدفاع الجوي بالقاهرة لجماهير الزمالك واستشهد فيها 22 مشجعا؟

يعلم الاتحاد الإفريقي جيدا أن جماهير الكرة في مصر ممنوعة من التواجد في الملاعب باستثناءات أمنية قليلة، فهل ستكون البطولة الإفريقية بوابة لعودة الجماهير، بما في ذلك روابط الأولتراس الحمراء والبيضاء، التي تصنفها الحكومة كجماعات إرهابية وتعتقل افرادها، إلى الملاعب كما يتمنى الجميع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى