أخر الأخبار

ما بعد المرتدات.. السلاح الذي هزم جوارديولا وإيمري

 

تحليل: أحمد مختار

قلت المرتدات بوضوح في السنوات الأخيرة، هكذا تؤكد إحصاءات دوري الأبطال وفق الموقع الرسمي لليويفا. فقد وصلت نسبة الأهداف من “المرتدات المباشرة” في عام 2014 إلى 23 % من إجمالي أهداف الشامبيونزليج، مع أنها كانت 27 % في نسخة 2012-2013، وكانت 40 % في نسخة 2005-2006. وتشير الأرقام مؤخرا أن هذه النسب تأخذ في الانخفاض أكثر فأكثر، والسبب تفشي ظاهرتي الضغط والضغط العكسي في ملاعب القارة العجوز.

في تحليل قديم بصحيفة “جارديان”، تحدث ألبرت كابيلاس، مدرب هولندي عمل في أجهزة برشلونة، دورتموند من قبل، وأحد أفراد الطاقم الفني لجوارديولا حتى 2010. تحدث الرجل عن فكرة استعادة الكرة والضغط المبكر، الأقرب إلى تنفيذ المرتدة القاتلة في نصف ملعب الخصم، ليقول:

حينما يفقد لاعبو البارسا الكرة، كان جوارديولا يقوم بالعد من 1 إلى رقم معين خلال التدريبات، وقبل أن يصل إلى ذلك الرقم، ينجح اللاعبون سريعا في استعادة الكرة عن طريق الضغط العالي. ذلك لأن الفريق المنافس عندما يقطع الكرة، لا يكون في موضع مميز على صعيد التنظيم خصوصاً خلال التمريرات الأولى، فينقض عليه لاعبو الهجوم، يتركون له التمريرة الأولى، ويحصلون على الثانية.

صيحة أخرى أيضا نفذها يورجن كلوب مع بروسيا دورتموند وحاليا ليفربول، حينما قال بفخر، “لا أملك صانع لعب، بل “الجيجن بريسينج” هو صانع اللعب الأول”. دورتموند يضغط سريعا حينما يفقد الكرة، ولا يعود إلى مرماه في الخلف، بل يتمركز قرب منتصف الملعب، وبمجرد قطع الكرة تتحول الهجمة إلى مرمى المنافس في لمح البصر، بواسطة التمريرات العمودية المباشرة نحو المرمى.

زاد الضغط بقوة وتوحشت ظاهرة ما تعرف بالـ “الكونتر بريسينج” أو الضغط العكسي، مما جعل هناك تناقص واضح في نسبة المرتدات الكلاسيكية، لأن دفاع الخصم أصبح معرضا لفقدان الكرة نتيجة الضغط. بالإضافة إلى صعوبة قطع أمتارا طويلة من الخلف للأمام والعكس، لتتمحور نواة الكرة الحديثة في السيطرة، الأهداف، ومحاولة ضرب المنافس في نصف ملعبه، دون انتظاره بالخلف.

في المباراة الأخيرة بين تشيلسي ومان سيتي، الشوط الأول كان للسيتي تماما، ضغط فريق جوارديولا كان مثاليا، عن طريق إغلاق منافذ البناء من الخلف أمام تشيلسي. تشيلسي ساري يبني عن طريق التمرير لجورجينيو، أو لعب التمريرات القصيرة باليسار، بين لويز، ألونسو، وكوفاسيتش، بالتالي تواجد ستيرلينج بالقرب من جورجينيو، وقام برنادو سيلفا بمجهود خرافي، لغلق زوايا التمرير بين لويز وكوفا، مع تغطية محرز على الطرف أمام ألونسو.

رقميا تشيلسي لم يصنع فرص بالشوط الأول، وأول تسديدة له في آخر دقيقة بالشوط كانت هدف كانتي، لذلك أدى لاعبو السيتي أول مهمة بنجاح، من خلال فصل هجوم تشيلسي عن بقية خطوطه، والتفوق في معظم الصراعات الثنائية. نقطة التحول كانت في هدف كانتي، اللعبة بدأت بتمريرة طولية من لويز إلى بيدرو، هذا ما تحدثنا عنه بعد مباراة تشيلسي وتوتنهام، بأن ساري عليه إيجاد حلول بديلة، عند تضييق الخناق على جورجينيو.

الحقيقة أن ساري يشبه جوارديولا في الفلسفة، لكن كل مدرب له سلاحه الخاص بالتأكيد. وبعد توحش غول “الضغط” في الكرة الحديثة، لجأ معظم المدربين الهجوميين إلى تعديل بسيط في طريقة لعبهم، من أجل التعامل مع هذا الخيار المرعب. جوارديولا نفسه أمام ليفربول هذا الموسم لم يلعب بهجوم متبادل، بل لجأ إلى قتل نسق المباراة، وتحويلها إلى نسخة بطيئة بعض الشيء. وساري ضد بيب في ستامفورد بريدج، لم يلجأ إلى البناء المنظم من الخلف بسبب ضغط خصمه، بل استخدم سلاح اللعب العمودي المباشر، بالكرات الطولية والهروب الخاطف خلف خطوط الضغط.

اختلف “زونال ماركينج” في تحليله للقمة عبر شبكة الإسبن مع جوارديولا، عندما قال مدرب السيتي بأن تشيلسي فاز بمرتدة وكرة ثابتة، ليؤكد المحلل في طرحه أن الهدف الأول لتشيلسي لم يكن بواسطة المرتدة، بل أقرب إلى مصيدة كسر الضغط. وبالعودة إلى ما قبل الهدف، فإن “الزرق” استدرجوا خصمهم فعلا، مع فاصل من التمريرات السلبية، التي أعقبها مباشرة لعبة طولية من لويز تجاه بيدرو، بعد تأخر برناردو في الضغط، لتوقعه لعب الكرة إلى كوفاسيتش وليس قلب الدفاع البرازيلي. هذه هي الفكرة باختصار شديد، أنت غير قادر على البناء المنظم، فتلجأ إلى تهدئة اللعب بعض الشيء، ثم قلبه مباشرة من جهة لأخرى، في طريقة بعيدة فعليا عن المرتدات الطبيعية.

يلعب توتنهام دائما أمام آرسنال بأسلوب رد الفعل لا المبادرة. أن يترك بوكيتينو الكرة لمنافسه، ثم يضربه مستغلا أخطاء الدفاع أو حتى المرتدات، لكنه هذا الموسم استخدم سلاحا مشابها لما فعله ساري. كرة طولية من الخلف إلى الهجوم، إما يستقبلها آلي أو كين، لاعب منهما يستقبل الكرة في الهواء، والآخر ينطلق من وضع الثبات إلى الحركة، لكن هذا لم ينجح ابدا بالشوط الثاني في مباراة الدوري، والتي انتهت بفوز المدفعجية بالأربعة، بسبب قوة الثلاثي رامسي، أوبا، لاكازيت في الضغط، ومرونة ثلاثي الدفاع في الرقابة رجل لرجل.

بالكأس كل شيء تغير، لأن آرسنال لعب بدفاع بديل، مفتقدا لكلا من هولدينج وموستافي، بالإضافة لبطء حركة بيتر تشيك مقارنة بالحارس الأساسي لينو، ليصل سون ثم آلي إلى شباك ملعب الإمارات، وينجح توتنهام في تحقيق الفوز، والصعود إلى نصف نهائي كأس الرابطة.

صحيح أن توتنهام لعب بالمرتدات أمام آرسنال، لكنه لم يسجل بالمرتدات، بل سجل مستخدما الأسلوب الجديد في الهروب من الضغط، عن طريق دعوة الخصم لنصف ملعبك، ومن ثم لعب الكرة الطولية المباشرة في وبين الخطوط، إما تجاه الأطراف خلف الأظهرة المتقدمة، كما فعل تشيلسي أمام سيتي، أو خلف منطقة الارتكاز وأمام الدفاع البعيد أمتارا عن مرماه. سقط سوكراتيس بغرابة في الهدف الأول، ليحصل آلي على الكرة الثانية ويمررها إلى الكوري الجنوبي. بينما عاد كين خطوات للخلف، وكأنه لاعب رقم 10، ليحصل على الكرة بين دفاع آرسنال وارتكازه، ويمررها إلى زميله أمام المرمى.

من الصعب وصف هدف تشيلسي ضد سيتي، وهدفي توتنهام أمام آرسنال، بالمرتدات الحقيقية، بل يرتبط الأمر أكثر بمدى انتشار خاصية الضغط في إنجلترا، ومدى وجود أمصال بديلة، في مقدمتها اللعب المباشر والتمريرات الطولية، بحثا عن الفراغ المتروك بالخلف، وسعيا نحو الظفر بالكرة الثانية، ليسقط جوارديولا وبعده إيمري، لكنهما بالتأكيد سيعودان أكثر قوة في المباريات الكبيرة المقبلة، في انتظار الجديد.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى