اليونايتد مع سولسكاير.. السير وفق مبادئ الكرة الحديثة

 

تحليل-أحمد مختار

“كرة القدم سهلة جدا إذا كنت تملك مجموعة رائعة من اللاعبين. لم أفعل شيء بعد، الفضل يعود إلى هؤلاء الذين تألقوا داخل الملعب”. هكذا بدأ أولي جونار سولسكاير أول تصريحاته، بعد الفوز الكبير الذي حققه مانشستر يونايتد على حساب كارديف، خلال المباراة الرسمية الأولى للمدرب النرويجي، وأسطورة النادي إبان حقبة السير أليكس فيرجسون.

من الواضح للجميع أن غرفة ملابس مانشستر يونايتد كانت غير راضية عن مورينيو، هناك كراهية متبادلة بين الجانبين. المدرب ينتقد اللاعبين علانية عبر وسائل الإعلام، والمجموعة نفسها لا تريد العمل مع البرتغالي. فريق اليونايتد الحالي به مجموعة لاعبين تجيد الهجوم أكثر من الدفاع، وكلما كانوا في وضع مبادر، كلما سجلوا أهداف وفازوا. وكلما عادوا للخلف كلما استقبلوا أهدافا ساذجة.

في تقرير “totalfootballanalysis” عن المدرب الجديد لمانشستر يونايتد، تناول الموقع التكتيكي مسيرة المدرب الرائعة مع فريق مولدي النرويجي، حصوله معهم على أكثر من بطولة، والأهم لعبه بفلسفة هجومية صريحة، مع تطبيق إستراتيجيات الضغط والبناء من الخلف، وبالتأكيد خلق التفوق العددي والنوعي في وبين الخطوط، واللعب بأكثر من تكتيك، سواء 4-2-3-1 أو 4-4-2، أو حتى 4-3-3 في بعض المباريات.

قواعد اللعب الموضعي الذي يشتهر به مدرب السيتي جوارديولا، أولى القواعد التي أرساها سولسكاير في النرويج، من خلال توزيع اللاعبين في مختلف أماكن الملعب، ومحاولة البحث عن الرجل الثالث الحر من دون الكرة، بالإضافة إلى تطبيق مصيدة الضغط المتقدم، بمعنى إغلاق العمق أمام حامل الكرة من لاعبي الخصم، لإجباره على التمرير تجاه الطرف، ومن ثم تضييق الخناق على الظهير المقابل بأكثر من لاعب، لقطع الكرة وتطبيق المرتدة الخاطفة.

يفضل جونار الاستحواذ والحصول على الكرة، نسبة حيازة فريقه عالية، يسجل لاعبوه أهدافا غزيرة، لكنهم أيضا يستقبلون بكثافة، بسبب الاندفاع المبالغ فيه أحيانا. الأهم من ذلك أنه يولي اهتماما مضاعفا بخط الوسط، باستخدام لاعبي الارتكاز في صناعة الفرص، التحرك من دون الكرة، شغل المراكز الهجومية، التسجيل والأسيست، ووضع أكثر من لاعب على الطرف، كصعود الظهير إلى نصف الملعب الآخر، وفتح الملعب عرضيا بعودة لاعب الارتكاز بين قلبي الدفاع، لخلق موقف 2 ضد 1 أسفل الأطراف، وحصول لاعب الوسط وصانع اللعب على حرية الاستلام والتسليم بالمركز 10، داخل عمق الملعب.

هذه المميزات قد تنجح في الدوري النرويجي، وتفشل في البريمرليج، خصوصا مع حدة المنافسة وقوة المنافسين. إنها قواعد يعرفها المديرون في الأولد ترافورد جيدا، لكن شخصية سولسكاير القريبة من مانشستر يونايتد، أسلوب لعبه الهجومي، وحتى تقربه من اللاعبين بحكم سنه ونتيجة شهرته كنجم كبير داخل الملعب، كلها عوامل رجحت كفته مقارنة بغيره، لأنه مناسب جدا لقدرات وإمكانات لاعبي الفريق الحالي. نفسيا لأنه لاعب سابق وأسطورة حية للنادي، خططيا نتيجة لعبه الهجومي، حتى يمكنه لم الشمل من جديد، وإعادة بوجبا وأمثاله إلى الواجهة، بعد فترة طويلة من المشاكل والصراعات.

لعب مانشستر يونايتد برسم 4-3-3 أمام كارديف ثنائي، رباعي دفاعي من بينهم ثنائي على الأطراف يهاجم كثيرا، مع لاعب ارتكاز يعود للخلف، وثنائي متحرك في الوسط الأمامي، أقرب إلى الريشة الصريحة بين العمق والأطراف، بالإضافة إلى تنوع واضح بالثلث الأخير، مع جناح يدخل للعمق كلاعب وسط إضافي، وآخر يتحول إلى منطقة الجزاء كمهاجم وهمي، مع رأس حربة غير ثابت، يفيد زملائه بحركته وتمركزه، ربما أكثر من أهدافه.

ثنائي مثل لينديلوف وجونز غير قادر على البناء من الخلف، لذلك عاد ماتيتش خطوات للخلف، قام بدور قلب الدفاع الثالث، لكي يكون نواة التمرير الرئيسية للثنائي هيريرا وبوجبا بالوسط. بطل العالم مع فرنسا هو الأساس لكل عمليات الهجوم، لأنه مميز بالكرة، سريع، مهاري، ولديه ميزة الانطلاق من الثباث، لذلك حصل بول على حرية كبيرة مع سولسكاير، تحرر بعض الشيء من المهام الدفاعية، في ظل تغطية شاو-ماتيتش خلفه، ليصنع قناة اتصال مباشرة مع مارسيال على اليسار.

نال لينجارد نجومية المباراة وفق لغة الأرقام، وقدم اللاعب مباراة كبيرة بعيدا عن الأهداف، لأنه سمح لأشلي يونج بالصعود للأمام، بعد دخوله إلى العمق على مقربة من هيريرا، مما جعل هناك مثلثات تمرير على كل جانب. هيريرا، يونج، ولينجارد على اليمين، بوجبا، شاو، ومارسيال على اليسار، مع قيام راشفورد بدور المهاجم “الوهمي” الذي يخلق الفراغ لغيره، يتحرك لجعل زوايا التمرير أوضح، والخيارات أشمل أمام حامل الكرة في المنتصف. لقد لعب اليونايتد بأسلوب هجومي صريح، مع تقارب اللاعبين من بعضهم، ليظهر الفريق كوحدة واحدة، سواء بالكرة أو حتى من دونها.

يمكن توقع طريقة لعب الفريق في القادم، أظهرة تتقدم كثيرا مع تغطية من لاعب الارتكاز، وسط يصنع الفرص ويسجل الأهداف، مع هجوم لا مركزي بالثلث الأخير، لكن مع وجود مشاكل دفاعية أيضا، بسبب الاندفاع وترك مساحات بالخلف، بالإضافة لحاجة الدفاع إلى بعض الأسماء الجديدة، أي ستكون هناك بعض الأزمات الناتجة عن الجودة، وهذا أمر يبدو طبيعيا بالنسبة لمتابعي ومحبي النادي.

تدور كرة القدم في فلك الأهداف، مباريات عديدة بالشامبيونزليج مؤخرا انتهت بكم كبير من التسجيل، لدرجة وجود نتائج قياسية في الأدوار الإقصائية من النسخة السابقة، لدرجة أن صحيفة الجارديان البريطانية عنونت بمانشيت رائع بعد ربع نهائي السنة الماضية، “برشلونة لا يجيد الدفاع أمام روما، لكن هل البقية تجيده؟”، بعد تسجيل الريال ثلاثة أهداف في مرمى اليوفي بتورينو، ثم رد السيدة العجوز بالبرنابيو، وحتى النتائج القاسية في مباراتي روما-ليفربول بنصف النهائي. بالمجمل هناك استحواذ، سيطرة، فرص، ضغط قوي، ضغط عكسي، مرتدات في نصف ملعب الخصم.

إنها مباديء التكتيك الجديد الذي ظهر للعلن منذ سنوات، بالتحديد انطلق بشكل أقوى مع حقبة بارسا جوارديولا، ثم تطبيق الضغط في الدوري الألماني مع كلوب، وحتى ظهور الأمصال المضادة ككرة أتليتكو مدريد وليستر، لكن في النهاية الفريق الذي يستطيع التسجيل هو من يكون في الصورة، حتى وإن كان دفاعه ضعيفا أو متوسطا. فريق مثل ريال مدريد حقق دوري الأبطال لمدة ثلاث سنوات على التوالي، لأنه يملك الخبرات والنجوم، مع استغلال الفرص أمام المرمى بنجاعة منقطعة النظير.

من الصعب معرفة مستقبل سولسكاير في إنجلترا. المؤكد أن اختياره لم يكن نابعا لكونه أحد تلاميذ السير، أو شخص لطيف يحبه اللاعبون، وبالتأكيد لا يرتبط الأمر فقط بحسن سيره وسلوكه، ولكن علينا ألا نغفل شخصيته التدريبية النابعة من تلك المبادىء السابقة، الخاصة بالشخصية و”البرستيج” والشكل الهجومي المبادر.

لذلك بعيدا عن حقبة مورينيو، وحتى دون الدخول في تقييمات مسبقة وسريعة للمدرب الجديد، فإن الناحية الخططية تؤكد هي الأخرى حاجة الفريق الحالي لمدرب هجومي، مبادر، يفضل الاستحواذ، ويسير وفق مباديء الكرة الحديثة، القائمة على السيطرة، الأهداف، ومحاولة خلق كم كبير من الفرص، مع الضغط العالي في نصف ملعب الخصم. إنها أبجديات التكتيك الجديد الذي لا يفهمه مورينيو، ويعرفه سولسكاير، حتى وإذا كان قليل الخبرة، أو لم يختبر في فريق كبير، أو حتى غير قادر على قيادة اليونايتد خلال الموسم الجديد.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى