تحليل توووفه: موسى ديمبلي.. المهاجم الذي ضل طريقه إلى الارتكاز

 

تحليل-أحمد مختار

قام موقع “ستاتس بومب” بعمل مقارنة رائعة منذ فترة، بين فان لا بارا وليوري ساني. لا بارا لاعب هادرسفيلد المعار حاليا إلى مديلزبره، وساني أحد أفضل الأجنحة في البريمرليج.

وكان العامل المشترك بين هذا الثنائي، هو عنصر المراوغة. كلا منهما يملك أرقاما مذهلة على مستوى المراوغات الفردية.

مقارنة بين هذا الثنائي، اختار أماكن المرواغات، التمريرات التي تلي المراوغات، ومدى استفادة الفريق ككل منها. لتكون النتائج مرتبطة بأن لا بارا معظم مراوغاته في نصف ملعب فريقه.

التمريرات التي تلي المراوغة تكون في الأغلب إما للمهاجمين زملائه، أو مقطوعة من مهاجمي المنافسين، بينما كانت معظم مراوغاته في نصف ملعب الخصم ضعيفة وخاطئة.

عكس ساني، معظم مراوغاته في الثلث الهجومي الأخير، قليل عندما تجد مراوغة في نصف ملعبه، ومعظم التمريرات التي تلي المراوغة تكون للاعب الوسط، الظهير، المهاجم، أي أن هناك وفرة في نوع وزوايا وإتجاه التمرير.

هذه الأمور لا تقلل أبدا من لا بارا أو ساني، بقدر ما تعكس طريقة لعب هدرسفيلد “سابقا” ومانشستر سيتي، ومدى استخدام كل مدرب للاعبه المهاري من أجل خدمة الاستراتيجية النهائية للفريق.

 ما علاقة كل ذلك بموسى ديمبلي؟

الحقيقة أن تحديد نوع المقارنة بين لا بارا وساني، سيقودنا أيضا إلى تحديد دور ديمبلي في تركيبة توتنهام، لأن هناك خلط كبير جدا عند شريحة لا بأس بها من النقاد والجماهير، بمعنى أنهم يضعونه دائما في مقارنة مع لاعبي الوسط المهاجمين أو لاعبي الاتكاز الدفاعيين، في الحقيقة أنه حاليا بعيد كل البعد عن الجانبين!

رغم أنه بدأ مع توتنهام كلاعب وسط هجومي صريح، ولعب فترة كارتكاز وحيد، كل هذه الأمور تسببت في خلط غير محمود، لكنه بالنهاية صار بمثابة المهندس الأول لمعظم العمل الهجومي، والناقل الحقيقي للهجمة من الثلث الثاني إلى الثالث، تجاه مناطق الخطورة في وبين الخطوط.

على مدار خمسة مواسم لعبها مع توتنهام، خطف ديمبلي قلوب الجماهير سريعا، نتيجة طريقة لعبه الجمالية، وتفننه في الحفاظ على الكرة، وامتيازه في الاستحواذ دون مشاكل بالمساحات الضيقة.

جنبا لجنب مع أرقامه الدفاعية الجيدة، سواء على مستوى الافتكاك أو العرقلة المشروعة، حتى رحيله في يناير الحالي إلى الصين، ليغلق صفحة الدوري الإنجليزي تماما من حساباته.

صدق أو لا تصدق، بدأ موسى ديمبلي مسيرته كمهاجم صريح في الدوري الهولندي. نعم هذه المعلومة صحيحة تماما، فديمبلي كان أحد أعضاء الجيل الذهبي لفريق أزد ألكمار الفائز ببطولة الدوري الهولندي موسم 2008-2009، رفقة المدرب المعروف لويس فان جال.

وقتها لعب الفريق برسم 4-3-3 المعروف، ومثل الهجوم الثلاثي بيلي، الحمداوي، وموسى ديمبلي، لينتقل بعدها إلى إنجلترا من بوابة فولهام، ويشارك كمهاجم صريح رفقة المدرب مارك هيوز في رسم 4-4-2.

كل شيء تغير حينما أتى الهولندي مارتن يول لتدريب فولهام، حيث أنه كان يعرف ديمبلي جيدا، من فترة تواجده بالدوري الهولندي.

وصفه بأنه لاعب رائع بالكرة، قوي جسديا، يعرف كيف يتحرك وأين يتمركز، مع ميزة الشق الدفاعي القوي، والذي تعلمه من فان جال، حيث أن المدير الفني المعروف يهتم كثيرا بالضغط، وأن يقوم الهجوم بوظيفة خط الدفاع الأول، لذلك اكتسب موسى مهارات أخرى من دون الكرة، والفضل يعود إلى الكرة الهولندية.

يؤكد “زونال ماركينج” عبر شبكة الإسبن أن يول أول من وضعه في مركز الوسط، كلاعب بوكس تو بوكس يدافع ويهاجم في آن واحد، قبل أن يعود خطوات للخلف، ويصبح هو لاعب الارتكاز الدفاعي، الذي يغطي خلف زميله، بافل بوغريبنياك، المتقدم دائما للأمام.

ومن هنا بدأت مسيرة ديمبلي كلاعب وسط لا يشق له غبار، حتى انتقاله إلى توتنهام مع بواش، وتطوره أكثر تحت قيادة ماوريسيو بوكيتينو بالسنوات الماضية.

لعب ديمبلي مع توتنهام في البريمرليج 123 مباراة، سجل فقط 5 أهداف وصنع 3 أسيست، مع عدد تسديدات ضعيف للغاية، أقل من 1 تسديدة في المباراة الواحدة، مع قرابة 1 تمريرة تؤدي إلى تسديدة بالمباراة، أي أنه امتلك أرقاما هجومية ضعيفة للغاية، لكنه كان مؤثرا بحق في طريقة لعب الفريق، وجعل توتنهام غير متوقعا، مع إعطاء الحرية الكاملة لزملائه.

إنه من نوعية اللاعبين الذين يجعلون البقية أفضل، سواء بالكرة أو من دونها.

توتنهام في فترات سابقة كانت طريقة لعبه أقرب للترحيل مباشرة من الثلث الأول إلى الثالث مباشرة، بمعنى استخدام خط الوسط كمحرك مستمر، حتى يشغل انتباه الخصوم، بينما يتم لعب التمريرة القطرية أو الطولية مباشرة من الظهير/ المدافع، تجاه إريكسين/ آلي، وقنص الكرة الثانية في نصف ملعب الخصوم.

لكن مع موسى، أصبح هناك تنوع حقيقي في طريقة اللعب، لأن لاعب الوسط يقدم رفاهية الخروج الآمن، ويوفر أكثر من صانع لعب في التشكيلة الأساسية.

وكما كانت أرقامه الدفاعية جيدة من دون الكرة، فإنه استحدث ميزة جديدة للاعب الارتكاز الدفاعي، حيث أنه تغلب على الضغط بالمراوغة.

هناك أسماء أخرى في مركزه سيطرت على اللعبة بالاستحواذ أو التمركز، فيما عرف إعلاميا بالتيكي تاكا، لكن اللاعب البلجيكي عرفه الجميع بسبب مهارته، بروده، عدم خوفه، وحبه بل ولعه بالاحتفاظ بالكرة، والهروب من الرقابة بالمراوغات الفردية، التي جعلته أقرب إلى قلوب الأنصار والمتابعين.

فقط مزاجيته الشديدة وعدم التزامه في بعض الأحيان، أمور قللت من تطوره وحصوله على قيمة أكبر من وضعه الحالي، فاللاعب افتقد فعليا إلى هذه الأمور، ليفقد تركيزه في بعض المباريات، إما بسبب التهور الذي يصل إلى حد الاستهتار، أو حتى نتيجة خروجه من أجواء المباراة إذا ارتكب خطأ مبكر، كما حدث في مباراة بلجيكا وفرنسا في المونديال الأخير، حينما بدأ بشكل سيء، ليستمر أدائه الضعيف حتى خروجه بعد مرور ساعة واحدة فقط من القمة.

 ليس بالسهولة أن تجد شبيها له، خصوصا مع تأديته وظيفة الارتكاز الدفاعي بنجاح.

هو النجم الذي امتلك مهارات فردية فذة، حيث أنه -فعليا- كان أقرب إلى المهاجم، الذي لعب بإرادته دورا آخر لعدة سنوات، قبل أن يرحل إلى الصين بغرابة، بنفس الطريقة التي عاش بها مسيرته داخل الملاعب.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. لاعب رائع وتحليل ولا أروع.

    أتذكر موسم ألكمار مع فان جال. وأعجبتني جدا التصاميم المستخدمة. محببة للعين.

    كل الشكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى