معلقو مستصغر الشرر..!

كتب- محمد العولقي

ما لم تكن أعصاب المعلق الرياضي في الثلاجة عند التعليق على مباريات الجوار العربي، فإنه يتحول دون وعي إلى مستصغر الشرر، أو بؤمة تنعق بالشر ..

أبدأ هذا الاستهلال المنطقي بعتاب مشاهد يتمنى أن يخرج التعليق الرياضي العربي من جلباب الانفعال الصارخ وشرنقة الترهل اللفظي الماسخ..

يعلم كل معلق رياضي أنه يجلس أمام الميكروفون، وهو أشبه ببرميل بارود قابل للانفجار تحت ضغط الخروج على قواعد المألوف، الكلمة تخرج من فم المعلق الرياضي بحجم القبة، وما لم يدقق في مفرداته في المباريات ذات الطابع الجواري والعربي الحساس، فإنه يشعل برميل البارود بكلمة أو جملة خرجت من بنات أفكاره تحت تأثير الانفعال لهدف جاء خارج حسابات الزمن ..

كرة القدم لعبة سلام تصادر  الخلافات السياسية مهما كان مثقال حجمها، ستجد هذا يبوس على رأس ذاك، وذاك يصافح هذا بعيدا عن ميكيافيلية السياسة، وهي مشاهد تذيب الجليد المحتقن، وترفع من انضباطية المعلق في وصف المباراة كما هي بعيدا عن مفردة مثيرة تستجلب حماقات ليس لها مكان من الإعراب في ملاعب كرة القدم ..

لست في واردي الانشغال عن الفكرة بتوجيه نقد لاذع لمعلق خليجي معين، ففي هذا الزمن اختلط حابل الطالح بنابل المالح، فلم نعد نسمع إلا نعيقا ونعيبا لمعلقين مصابين بهوس التعصب المسرطن، يصدرون الفواجع إلى منازلنا دون وعي ..

يفترض على كل معلق خليجي أن يفهم أن استخدامه لمفردات (حربية) وكلمات ( استفزازية) في مباراة سلاحها الرؤوس والأرجل، خروج عن ميثاق شرف المهنة، فإن لم تكن محايدا، دقيقا في اختيار المفردة الرياضية وتوظيفها، ذكيا في نقل الصورة دون بهارات (متشفية)، فعليك أن تجلس في البيت وتبحث عن مهنة تصلح لمواهب أعصابك المشدودة إلى ميدان الإثارة غير المنطقية ..

تأتي أحيانا نيران مستعرة تهب رياحها غير الحميدة على المباريات ذات الطابع الحساس، يتكفل الملعب وحده بإطفائها دون الاستعانة برجال إطفاء ..

لكن عندما يكون المعلق الرياضي أعمى البصر والبصيرة، لا يربط لسانه، ثم يتسلح بقاموس هو خليط عجيب من التهكم والانفعال، فهو بدون وعي يشعل حروبا لردود أفعال متشنجة تذكرنا بما حدث بين بكر وتغلب بسبب ناقة، وبين عبس وذبيان بسبب فرسي داحس والغبراء ..

أعرف أن التعليق على مباريات كرة القدم رسالة سلام تترجم مبادئ الكرة التي ترفض (التسييس)، وليست في حاجة لمعلق حربي يستعير مفردات هولاكو وتيمور لنك تحت أي ظرف ..

بين ركام مباريات ديربية عربية أو خليجية دائما ألوذ بالملعق الجزائري الوقور (حفيظ دراجي)، فهو خبير في قراءة النفس اللوامة، وذكي في توظيف مفرداته وتراكيبه اللغوية، وبارع في التعامل مع مباريات الجوار ذات الحساسية المفرطة، هو دائما يخرج بفضل حنكته ووقاره وخبرته الكبيرة من المباريات الحساسة بطلا ومنصفا عند الفائز والخاسر، ومعه تشعر أنك تقف أمام الحياد العقلاني نفسه ..

ما أحوج معلقينا الشباب إلى دراسة فراسة (حفيظ دراجي)، وما أحوجهم إلى محاضرات (دراجية) في فنون الطرح العقلاني، تنزع فتيل التعصب الأعمى، وتطفئ لهيب الانفعال الأرعن ..

التعليق الرياضي في العالم بات احترافيا، فلا يجلس أمام الميكروفون سوى معلقون أكفاء يرفعون درجة الصوت على حسب الحدث داخل الملعب، على عكس معلقينا الشباب الذين يحشرون أنوفهم في أمور خارجة عن قاموس الروح والأخلاق الرياضية ..

ويا أيها المعلقون الصارخون والناعقون اتقوا الله في محيطنا العربي الخائر وخليجنا الثائر، لا تجعلوا من مباريات الجوار نارا مستعرة بصب بعض المفردات (الكبريتية) المؤذية للأذن والمؤلمة للقلب، وتذكروا حكمة شهيرة تقول : إذا رأيت النار شبت في بيت جارك، فاجلب الماء إلى دارك ..

حسنا، يمكنني الآن رفع الجلسة بعد أن يقر المعلقون الانفعاليون بذنبهم، وسنطلق سراح كل معلق اعترف بذنبه، لكن ليس قبل أن يكتب كل معلق شاب تعهدا بربط لسانه من لغلوغه، وكفانا مسخرة بالعباد في كل مكان وبلاد ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى