تحليل توووفه: جاسبريني.. متعة التكتيك بعد الستين

 

تحليل- أحمد مختار

لم يفز بأي بطولة، وليس له سجلا حافلا كلاعب، وحتى على مستوى التدريب لم يترك بصمة قوية مع أحد الكبار، لدرجة أنه أقيل من تدريب إنتر ميلان بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه المهمة في 2011، ورغم كل ذلك فإن جيان بييرو جاسبريني يستحق أن يوضع إسمه، ضمن أفضل المدربين في إيطاليا خلال السنوات الأخيرة، نظرا لما قدمه من تكتيك محكم وكرة جذابة، وقيادته مشروع رياضي جيد رفقة أتالانتا بالمواسم الأخيرة.

بين ساري وزيمان

في إيطاليا هناك تقدير مضاعف لأصحاب المدرسة الدفاعية، وملوك التحفظ وإغلاق المساحات. لقد فاز مارشيلو ليبي أحد أباطرة هذا المجال بكأس العالم مع الأزوري في 2006، ومن بعدها حدثت الفجوة في الكرة الإيطالية، نتيجة تأخر خروج جيل جديد من المدربين واللاعبين بالسنوات الأخيرة على وجه الخصوص.

هناك نماذج ناجحة مثل ماوريزيو ساري، لكن بقت تجربته مرتبطة به فقط، خصوصا بعد خروجه من إيطاليا وإتجاهه إلى الدوري الإنجليزي مع تشيلسي، ليترك الجمل بما حمل لرجل آخر، ويتولى جاسباريني زمام التغيير في الكالتشيو، بالرهان على الهجوم وخلق نموذج تكتيكي جريء، يسمح بالابتكار والارتجال لنجوم الفريق بالثلث الأخير، لكن مع مرونة تكتيكية أكبر مقارنة بتعقيد “البانكير” الذي حط الرحال في لندن.

فمدرب تشيلسي شديد التقدير لرسم 4-3-3 ولا شيء غيره، بينما استخدم جيان بييرو عديد الخطط خلال سنوات تدريبه التي تعدت حاجز العشرين سنة حتى الآن.

وإذا كان مدرب أتالانتا يشبه ساري في جرأته واختلافه، وصناعته فريقا مميزا في أتالانتا على غرار نابولي ماوريزيو، فإن الرجل ذو الشعر الأبيض لا يفتح خطوطه دون حساب مثل المجدف زيمان على سبيل المثال.

إيطاليا هي بلد الدفاع، زيمان في المقابل رجل هجومي بحت. مستعد للموت من أجل الأداء، والأرقام هي القطعة الأهم في هذا البلد، بينما زيمان يؤمن بالمتعة واللعب الجمالي في كافة المقامات.

ليس بالضرورة أن تكون مندفعا لحد التهور مثل زيمان حتى توصف بالهجومي، وهذا ما يقتنع به جاسباريني إلى حد ما، لذلك يمكن القول بأنه يتواجد في منطقة رمادية بين ساري وزيمان.

لأنه ليس متعصبا لأفكاره لحد الجمود في بعض الأحيان مثل ماوريسيو، وبالتأكيد هو أبعد ما يكون عن تمرد وصدام زدينيك بالتابوهات الإيطالية جماهيريا وإعلاميا.

فلسفة هجومية

جاسبريني ليس مهووسا بالاستحواذ، ويختلف مع أريجو ساكي، عراب التكتيك الحديث في إيطاليا، فيما يخص الرقابة الفردية. فإذا كان صانع أمجاد ميلان قضى تماما على فكرة الرقابة رجل لرجل، وفضل دفاع المنطقة عوضا عنه، فإن مدرب أتالانتا لديه تقدير مضاعف للرجل ضد رجل من دون الكرة، وربما هذه المعضلة هي أساس استقبال الفريق أهدافا غزيرة أمام الفرق الكبيرة، لصعوبة اللعب واحد لواحد ضد أصحاب المهارات، وسهولة ضرب الدفاع في حالة تخطي أحد لاعبي الوسط أو عناصر الخلف.

من أوائل المدربين في إيطاليا الذين لعبوا بثلاثي الخلف منذ 2006، سواء رسم 3-5-2 أو 3-4-3 أو 3-4-2-1، مع استخدامه خطط 4-3-3 و4-4-2 في عدد من مبارياته رفقة جنوى.

ويعتمد نظام المدرب على خلق التفوق العددي والنوعي في كل مكان بالملعب، من خلال تمركز ثلاثة مدافعين أمام مرماه للهروب من ضغط الخصم، وخط وسط أقرب إلى “البوكس” لمناسبة لعب التحولات، بمعنى تواجد ثنائي يدافع ويهاجم معا، أمامهما صانع لعب خلف ثنائي هجومي متنوع، وفي الأطراف هناك ثنائي من الأظهرة الأجنحة على الخط الجانبي من الملعب.

إذا كانت فلسلفة جاسبريني هي الهجوم، فإن استراتيجيته من أجل ذلك تتمحور حول الضغط القوي من أجل قطع الكرة، بتواجد ثلاثي صريح يضغط باستمرار على رباعي خلف المنافس، لذلك فإنه يركز أكثر على العمق من دون الكرة، مع استغلال الأطراف في حالة الاستحواذ، بتواجد أكثر من خيار على الخط، لذلك يهاجم أتالانتا من الأجنحة بنسبة تصل إلى 76 % مقارنة بـ 24 % في العمق.

مع الضغط هناك لعبة التحولات السريعة بالكرة من الدفاع إلى الهجوم، بالإضافة إلى إيجاد الرجل الحر البعيد عن غابة سيقان المدافعين، من خلال نقل اللعب من جهة لأخرى، مع بعض “العدوانية” في التعامل أثناء الدفاع، خصوصا عند الانتقال من نظام الرقابة الفردية إلى رقابة المنطقة، بمجرد فشل منظومة الضغط في نصف ملعب المنافس.

 أتالانتا الجديد

أتالانتا هو أفضل فريق هجومي بالدوري الإيطالي، ولديه أعلى عدد أهداف هذا الموسم، “أعلى من يوفنتوس حتى كتابة هذه السطور”، ويعود الفضل في ذلك إلى رسم 3-4-1-2 لجاسباريني، من خلال تواجد بابو جوميز كرقم 10 صريح، مع تحرك جوسيب إيليشيش كنصف مهاجم ونصف جناح على الأطراف، لتكوين ثنائية هجومية رفقة الظهير المتقدم، بينما دوفان زاباتا هو الرقم 9، من خلال تمركزه داخل الصندوق، وتسجيله الأهداف أولا وأخيرا.

مارتين دي رون وروبن جوسينس هما ثنائي الارتكاز بالمنتصف، بالإضافة لماريو بازاليتيتش، بينما تكمن الخطورة الحقيقية للفريق عن طريق أظهرة الطرف، سواء كاستانيي على اليسار أو هانز هاتيبور على اليمين.

وتؤكد الأرقام تنوع هجوم أتالانتا، من خلال التسجيل بالبناء المنظم، المرتدات، الكرات الثابتة، وتناقل الكرة أكثر في نصف ملعب الخصم، مع قلة الاعتماد على الوسط في البناء المنظم، حيث أن الهجمة في الغالب تنتقل من الخلف إلى الأمام، بواسطة التمريرات الطولية المباشرة، وإيجاد لاعب مفاجيء في وبين الخطوط، سواء كان جوميز أو إيليشيش، الثنائي المتمركز بين الوسط والأمام.

رغم قوة الفريق هجوميا إلا أن المشاكل حاضرة دفاعيا، لصعوبة إكمال نظام الرقابة رجل لرجل، ووجود فراغات أسفل الأطراف عند التحول من الرقابة الفردية إلى نظام رقابة المنطقة.

إنها نقطة ضعف شبيهة إلى حد كبير بنظام كيكي سيتيين مع ريال بيتيس، حيث تتواجد أيضا بعض المساحات بين الظهير الطرفي والمدافع الثالث، مع إمكانية ضرب الدفاع بواسطة لاعب مهاري وسريع في وبين الخطوط، نجم قادر على المرور من موقف 1 ضد 1 دون مشاكل.

هذا ما يعيب بيتيس سيتيين وأتالانتا جاسبريني بشكل دقيق، أن تكون متطلبات المدرب أعلى من مستوى بعض العناصر في بعض الأحيان.

في النهاية تبقى تجربة أتالانتا جاسبريني جديرة بالرصد والتقدير، فالفريق يقدم “أجمل” كرة في إيطاليا هذا الموسم، مع كثرة الإيجابيات مقارنة بالسلبيات، من باب استحالة وجود نظام تكتيكي واحد كامل متكامل، بالإضافة لأهم نقطة على الإطلاق، ألا وهي إمكانية خطف مقعد مؤهل لدوري الأبطال، فالفارق ليس كبيرا بينهم وبين أصحاب المركز الرابع، بانتظار الجديد فيما تبقى من عمر الموسم الحالي.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. يعجبني الشرح بالرسومات.. الفكرة أصبحت أكثر وضوحا عندما شاهدت الخطة

    كذلك أتفق في فكرة المزايا والعيوب للمدرب.

    جاسبريني يستحق.

اترك رداً على محمد عزاوي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى