المنتخب الوطني .. هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟

 

كتب – سالم الغيلاني

انتهت مشاركة المنتخب الوطني لكرة القدم في كأس آسيا التي استضافتها الإمارات، بعد 16 يومًا من انطلاقتها، وهي أطول مدة يقضيها الأحمر العماني في مشاركاته المحدودة التي لم تتجاوز الأربعة، ورغم الشكوك الكبيرة التي خيمت على عقول شريحة واسعة من محبي الأحمر في قدرته على تقديم مستوى يليق بتطلعاتها، ونتائج ترتقي إلى سقف طموحاتها.

وهي شكوك أوجدها تواضع أداء الفريق في المواجهات الودية التي خاضها، إلى جانب تعرضه لخسارة كبيرة أمام المنتخب الأسترالي قبل أيام قليلة من انطلاق المحفل الآسيوي.

إلا أن القائمين على المنتخب كانوا يؤكدون دائما أن لديه القدرة على المضي بعيدًا في هذه النسخة، واستمرت ثقة هؤلاء بالمنتخب وعناصره حتى بعد تعرضه لخسارتين متتاليتين أمام أوزباكستان واليابان.

وبالتالي تعلقت آمال استمراره في البطولة بتحقيق نتيجة كبيرة أمام تركمانستان في آخر مواجهات دور المجموعات، وهو ما حدث.

أطلق التأهل فرحة عارمة في الشارع العماني، وتغنى به الإعلام المحلي، وإعلام دول المنطقة، والعديد من مشاهير “السوشيال ميديا” المتعاطفين مع الأحمر العماني، بسبب أدائه الممتع من جانب، وتعرضه من جانب آخر لظلم تحكيمي سافر تمخض عنه فقدان أربع نقاط على أقل تقدير في مواجهتي أوزباكستان واليابان، كانتا كفيلتين بوضعه على رأس مجموعته.

دراماتيكية الفوز الذي تحقق على تركمانستان 3/1، والذي جاء في الرمق الأخير من تلك المواجهة، أعاد إلى النفوس المتعلقة بالأحمر الثقة بكرة القدم، بعد أن أرهقها سوء الطالع ومزقت أفئدتها صافرات الحكام المنحازة خلال أكثر من 270 دقيقة، لأن الفوز بفارق هدفين أو أكثر في ذلك اللقاء هو الأمر الوحيد الذي يحسم أمر التأهل بعيدًا عن الحسابات المعقدة، وقد تحقق بعد أن ظن الجميع استحالة حدوث ذلك.

وجد المنتخب العماني نفسه بعد 48 ساعة من تحقيق التأهل، أمام اختبار عسير للغاية تمثل في مواجهة إيران أحد المرشحين الكبار لنيل البطولة، وهي مواجهة استعد لها الفريق الإيراني جيدًا بعد حصوله على أكثر من 72 ساعة راحة مكنته من الإعداد الجيد للمواجهة على مستوى استشفاء اللاعبين والعمل على تهيئة الفريق فنيًا وذهنيًا، أي بزيادة عن المنتخب العماني الذي خاض ثلاث مواجهات ذات نسق عال جدًا بـ 24 ساعة.

بحساب منطق الأرقام قبل البطولة وخلالها فإن هناك فارق هائل بين الفريقين يصب في صالح الإيراني المصنف الأول آسيويًا، والذي قدم في منافسات مجموعته أداءً قويًا وثابتًا جعله أحد أبرز المرشحين لنيل اللقب، جميع العوامل المذكورة إلى جانب سوء تركيز لاعبي المنتخب الوطني في تلك المواجهة أدت إلى الخسارة التي توقعها أغلب المراقبين والمحللين الرياضيين.

بعد انتهاء مشوار الأحمر العماني في كأس آسيا تبرز مجموعة من الأسئلة حوله، بعضها ذو طابع فني والآخر إداري، وهي أسئلة شغلت وما زالت تشغل الشارع الرياضي في السلطنة، سنقوم بطرحها ومحاولة الإجابة عليها بطريقة نسعى جاهدين أن تتسم بالتجرد والموضوعية.

هل نملك عوامل النجاح وأدواته؟

إن من أهم عوامل نجاح أي فريق في العالم، توفير إمكانيات البناء المتمثلة بوجود الأكاديميات التي تخرِّج اللاعبين، وتضمن تسلسل البناء بصورة هرمية تبدأ من الأسفل وصولاً إلى القمة التي يمثلها المنتخب الأول، ووجود دوري قوي يتسم بالتنافسية العالية، مما يضمن تحضيرا جيدا للاعبين وإخراج إمكانياتهم الحقيقية.

وهي عوامل لا تتحقق نجاعتها دون توافر الأدوات المناسبة، وهنا الحديث عن اللاعبين الموهوبين، والأجهزة الفنية المتمرسة، والإدارة الرياضية المؤهلة، وانفراط أية حلقة من هذه الحلقات قد يحدث خلالاً خطيرًا في المنظومة برمتها.

وعندما نمعن النظر في الوضع الرياضي في السلطنة لن نحتاج لوقت طويل لكي نصل إلى إجابة هذا السؤال، فالجماهير المهتمة بكرة القدم جميعهم يدركون تمامًا أن إمكانياتنا فقيرة للغاية في الجوانب جميعها باستثناء جانب العناصر الموهوبة.

يوجد في السلطنة خامات ذات جودة عالية، لكنها وحدها لا تجدي في ظل الوضع الرياضي المتخبط في السلطنة، ما يجعل كرة القدم لدينا تحظى بالاحترام على المستويين الإقليمي والقاري، فهذه العناصر تكون فاعلة وقادرة على تخطي واقعها المرير كلما توافرت لها منظومة جيدة لإدارة المنتخبات الوطنية، قادرة على معالجة النقص الحاد في مستوى المخزون الفني والبدني والذهني للاعبين القادمين من أندية السلطنة التي تعاني من مصاعب كارثية على الأصعدة كافة مع استثناءات غير ثابتة فيما يخص البنية الأساسية في الجوانب الرياضية والإدارية المختلفة.

اللاعبون القادمون إلى المنتخبات الوطنية يواجهون صعوبات جمة للتأقلم على نظام لم يعتادوه أبدًا مع أنديتهم، وفي المقابل يواجه الجهازان الفني والإداري تحديًا كبيرًا في تشكيل هذه الخامات واستخراج ما تختزنه من قدرات إبداعية، والتخلص من الشوائب الذهنية العالقة بها، بسبب النظام البالي للمنظومة الكروية التي مازالت تعاني فقر الإمكانيات، ومن تجاذبات الدوريات المختلفة سواء العسكرية أو الأهلية.

هل كان الجهاز الفني موفقًا؟

خيارات المدرب بالنسبة للوسط الرياضي بشقيه المتخصص وغير المتخصص، أكثر اللوغاريتمات تعقيدًا على الإطلاق، وهي أحجية يصعب فك طلاسمها حتى على أكثر المتبحرين في عالم كرة القدم في السلطنة، فلا يوجد شخصان يمكن أن يتفقا على ذات الأسماء، كما لا يوجد لدينا من يستطيع أن يشق عن عقل وقلب الجهاز الفني ليعرف دوافع اختياره لهذا الاسم وتجاهل ذاك.

وبعيدًا عن الفرضيات الساذجة بخصوص تدخلات غير فنية للزج أو إبعاد أسماء من وإلى التشكيلة، فإن خيارات أي مدرب تعتمد على رؤيته الفنية، ومتطلبات تطبيق منهجه الخاص بالتدريب، ولاشك فإنه لا يوجد مدرب يسعى إلى الفشل، لكن هناك مدرب قد يخونه التقدير في بعض خياراته أو في طريقة قيادته للفريق.

وبالحديث عن الهولندي فيربيك نجد أنه استطاع تكوين فريق تنافسي ونجح في أول استحقاق كبير يخوضه عندما ظفر بكأس الخليج، في حين حقق نجاحا جزئيا في بطولة آسيا الأخيرة بتأهله للدور الثاني.

خيارات المدرب من اللاعبين في البطولة الأخيرة كانت مثار جدل وأيضًا الأسماء وأسلوب اللعب الذي اعتمد عليه؛ فهناك من يرى أن استبعاد لاعبين مثل منذر العلوي وسمير العلوي وعبدالله فواز، لم يكن موفقًا، وأن وجودهم كان سيمثل إضافة مهمة للمنتخب.

من المؤكد أن هذه الأسماء تمثل مستقبل الكرة العمانية لما تختزنه من إمكانيات إلى جانب عدد غير قليل من الأسماء الأخرى، لكن بقاء هؤلاء يعني خروج آخرين؛ فلا يمكن لأي مدرب أن يضم جميع المميزين، خانة الخيارات محصورة في عدد معين من الأسماء، ومهمة تحديدها تقع على عاتق المدرب، فهو أكثر البشر قاطبة علمًا بما يناسب الفريق من عدمه؛ لأنه منغمس في كافة التفاصيل.

وهو الأكثر دراية بما يُساعد على تحقيق أهدافه، لكن هذا لا يعني أنه لن يرتكب الأخطاء أو لن يخونه التقدير، فهذا أمر وارد جدًا في عالم كرة القدم، وحجم الخطأ وتأثيره تحدده دومًا النتائج، والصورة التي يظهر عليها الفريق، وبالنظر إلى ما تحقق مع المدرب يمكن القول إن المحصلة مقبولة للغاية.

هل هناك عمل إداري جيد؟

لا يمكن استمرار تحقيق نتائج جيدة إذا لم يكن هناك عمل إداري جيد، فالعمل الإداري هو الأساس الذي تستند عليه أية منظومة تنافسية، والهدوء الذي يحيط بمختلف المنتخبات الوطنية وليس الأول فقط، يجيب بوضوح على هذا السؤال، فمنذ فترة غير قصيرة توارت مشكلات اللاعبين المرتبطة بالسلوكيات سواء داخل المنتخب أو خارجه، وبات اللاعبون أكثر انضباطًا والتزاما بالنظم واللوائح الخاصة بالمنتخبات، وهو أمر يعطي مؤشرًا مهمًا لحجم العمل الذي يتم بعيدًا عن الأنظار.

أحمد حديد

لقد نجحت إدارة الاتحاد نجاحًا كبيرًا في إيجاد بيئة جاذبة ومحفزة للّاعبين، وهو ما انعكس على حجم عطاءاتهم عند تمثيل المنتخب الوطني، وهو ما لمسه كل من اقترب من المنتخب ولاعبيه في البطولة الآسيوية المنصرمة.

هل كان بالإمكان أفضل مما كان في

السؤال الذي يطرح نفسه بعد انتهاء مشوار الأحمر العُماني في كأس آسيا هو هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟

الجواب حتمًا سيكون مختلفًا بين شخصٍ وآخر لاسيما عندما يوجه إلى الجماهير العمانية، فلِكُلٍ منظوره الخاص حول هذه المشاركة، فهناك من كان يؤمن بحتمية إخفاق المنتخب بناء على تصوراته الخاصة المتعلقة بالمنظومة الرياضية في السلطنة، ودرجة الاهتمام المتواضعة التي توليها الحكومة لقطاع الرياضة بشكل عام وكرة القدم بصفة خاصة مقارنة بما يحدث في دول الجوار على أقل تقدير.

وهناك من يرى أن أسس اختيار اللاعبين لم تكن سليمة، وبالتالي توقع النجاح سيكون خداعًا كبيرًا للنفس، في حين يوجد من يرى أن المنتخب كان قادرًا على المضي بعيدًا في منافسات كأس آسيا، وبين هذه التصورات وتلك يظل السؤال حائرًا!

بالنظر إلى سيناريو مشاركة المنتخب العماني في البطولة نستطيع أن نقول: نعم لقد كان بالإمكان أفضل مما كان، فقد أبدى الفريق العماني قدرة عالية على مجاراة الرتم المتسارع، والضغط العالي للمواجهات التي خاضها في الدور الأول، وبرهن على قدرة عالية على المنافسة.

لكنه افتقد إلى الهدوء والانضباط التكتيكي في لحظات حاسمة من أول مواجهتين في دوري المجموعات، إلى جانب الأخطاء التحكيمية المؤثرة التي ارتكبت في حقه فيهما، الأمر الذي دفع ثمنه غاليا بتذيله ترتيب المتأهلين من هذا الدور، وبالتالي اصطدامه بالفريق الإيراني القوي والمتمرس.

فوّت المنتخب الوطني في دقائق اللقاء الأولى من مواجهة الإيراني فرصة بعثرة أوراقه، بإضاعة ضربة الجزاء التي تحصل عليها، والتي كان من الممكن أن تقلب الموازين رأسًا على عقب؛ فالفريق الإيراني يعاني من عيب خطير وهو افتقاده إلى التركيز عندما يتأخر بالنتيجة، مما يدفعه لارتكاب أخطاء مميتة، مثلما حدث مع اليابان في نصف نهائي البطولة.

وكما حدث في مناسبات أخرى عديدة ربما أقربها إلى الأذهان العمانية ما حدث في كأس آسيا التي استضافتها الصين عام 2004، في المواجهة التي جمعته بالمنتخب العماني، عندما تأخر بهدفين، وكاد يتلقى المزيد من الأهداف لولا رعونة لاعبي الأحمر أمام المرمى.

ووصل الأمر بلاعبيه في ذلك اللقاء إلى الاشتباك مع بعضهم البعض، لكن الحكم البحريني الذى أدار ذلك اللقاء أعاد الهدوء للفريق الإيراني باتخاذه جملة من القرارات غير المنطقية لصالح الإيرانيين مساهمًا بشكل كبير في عودتهم للمباراة، وحرمان منتخب السلطنة من فوز كان سيضمن له تأهلاً تاريخيًا إلى الدور الثاني. لذلك نعم لقد كان بالإمكان أفضل مما كان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى