تحليل توووفه: جريزمان.. راقص الفورت نايت يطرق أبواب الواندا

 

  • تحليل: أحمد مختار

ربما هي المرة الأولى التي يقدم فيها أتليتكو مدريد مباراة كبيرة على ملعبه الجديد، واندا ميتروبوليتانو، رغم افتتاحه منذ قرابة العامين تقريبا. الغريب في انتصار الشامبيونزليج أنه جاء بشكل غير متوقع، أمام منافس يعتبره الكثيرون المرشح الأول للفوز بالبطولة. يوفنتوس مع كريستيانو رونالدو يفترض أن يكون فريق أفضل من النسخ السابقة، إلا أنه أدى لقاء سيء على جميع الأصعدة، فنياً وفردياً وتكتيكياً طوال التسعين دقيقة.

بعيداً عن سوء السيدة العجوز، فإن الأتليتي قدم أفضل أشواطه مع سيميوني منذ بدايات عام 2017 تقريباً، مع جرأة هجومية وتبديلات موفقة، وصناعة كم كبير من الفرص، باللعب المباشر والمرتدات والكرات الثابتة، ثم تسجيل هدفين في وقت قاتل من عمر المباراة، ليضاعف حظوظه في التأهل إلى ربع النهائي، مع أداء استثنائي من الاستثنائي أنطوان جريزمان، نجم المباراة بدون منافس.

– كرة القدم الجيدة Vs كرة القدم الجميلة

“أعطني كرة القدم الجيدة، فالكرة الجميلة أقبلها نعم، ولكن لخداع أربعة خصوم”. المهارة عملة نادرة، اللاعب الموهوب في موقف 1 ضد 1 أساس لأي مدرب، مطلوب بشدة في كل الأندية الكبيرة، لكن هل المهارة وحدها تكفي للتألق مع الأباطرة؟ الحقيقة أن الإجابة ستكون “لا” بالبنط العريض، لأن اللاعب المهاري عملة مطلوبة بالتأكيد، لكن اللاعب التكتيكي عملة “نادرة”، ومعنى هذه الصفة “تكتيكي” أنه يتكيف سريعا مع خطط فريقه، يكون قادرا على اللعب في أكثر من مركز، لديه ميزة القيام بمهام الضغط والعودة لممارسة الشق الدفاعي إذا كان مهاجم، والصعود للأمام مع البناء من الخلف إذا كان مدافع،

والأهم أنه يفكر بشكل أسرع من غيره، يتخذ القرار قبل حتى أن تصله الكرة، يستخدم حركة جسمه للحفاظ على الكرة حتى وإن كان غير مهاريا، وبالتأكيد يلعب بشكل مميز، ويفكر في غيره، “أي يجعل زميله هو الآخر يلعب بشكل مميز”، مثله وأحسن منه في بعض الأحيان.

كثيرون لديهم المهارة بلا طابع تكتيكي، لذلك يأخذون وقتا أطول للتكيف مع فرقهم الجديدة، ومحاولة فهم طريقة اللعب وتحركات زملائهم قبل الخصوم، خصوصا إذا كان مدربيهم من النوع الذي يفضل اللاعب الجاهز، وقليلون من يملكون الملكة الخططية العالية، وأنطوان جريزمان واحد من هؤلاء، يجيد اللعب ويجعل زميله يلعب بشكل مميز.

– خلف بيانيتش وأمامه

المتابع الجيد ليوفنتوس هذا الموسم يعرف جيداً تدني مستوى البوسني ميراليم بيانيتش، وبطء حركة الثنائي كيلليني وبونوتشي في سباقات الركض، لذلك استغل الشولو هذه الملاحظات جيداً، بوضع جريزمان في المنطقة 14، في وبين الخطوط، بالتحديد خلف بيانيتش وأمام دفاع الطليان، ليكون بمثابة صانع اللعب المتحرك، ولاعب الوسط الإضافي، والمهاجم التسعة ونصف، الذي يربط مع دييجو كوستا/ موراتا داخل الصندوق، ويعود للخلف خطوات حتى يصنع الكثافة العددية في المنتصف.

وفق طريقة لعب 4-4-2 ، يضع المدرب اهتمام مضاعف بالمركز 10 في هذه الخطة، إنه المركز الخاص باللاعب الحر بين الهجوم والوسط، هو صانع اللعب الذي يقوم بتمرير الفرص إلى زملائه، ويعود إلى الوسط في الحالة الدفاعية لتغطية المراكز، وتقوية منطقة المنتصف بلاعب إضافي. وخلال الشوط الأول لم يهاجم أتليتكو لذلك التزم جريزمان بالعودة إلى مناطقه، والتضحية من أجل زملائه بعدم ترك نصف ملعبه من دون الكرة.

كل شيء تغير في الشوط الثاني لأن المدرب الأرجنتيني قرر الهجوم، في تحول صريح من 4-4-2 إلى ما يشبه 4-2-4، بفتح الأطراف بثنائية كوريا وليمار، وتواجد ساؤول بالعمق إلى جوار توماس بارتي، مما جعل جريزمان متحرراً، قريبا ً من دوره رفقة منتخب بلاده في كأس العالم، ليس مهاجم صريح بالتأكيد لكنه لاعب هجومي حر، يفعل ما يريد بالثلث الهجومي الأخير.

تحول جريزمان قليلاً لليمين، لخلق جبهة قوية رفقة كوريا واستهداف ساندرو، في ظل عدم عودة كريستيانو رونالدو للقيام بالشق الدفاعي على اليسار، لذلك استلم الفرنسي كرات عديدة أسفل الأطراف، وبدأ أكثر من هجمة بالطرف قبل أن ينقلها إلى العمق مباشرة، تجاه موراتا والقادمين من الخلف.

– الحلو ما يكملش!

هناك مثل مصري شهير بعنوان “الحلو ما يكملش”، وهذا ربما يقودنا إلى الحديث عن النقطة السلبية الوحيدة التي تواجه جريزمان. في الحقيقة هي نقطة إيجابية وسلبية في نفس الوقت، جريزمان لاعب متعاون، لا يهتم كثيراً بسرقة الكاميرات من غيره، بالعكس يتألق في حضرة الآخرين، ويساهم بقوة في جعل زملائه أفضل، ولا يفرق معه أبداً هل سيكون الأول أم لا.

ربما هذه الأمور مثالية لأي لاعب جماعي، لكن أحياناً قد تكون “الأنانية” مطلوبة في بعض المواقف، من أجل ترك فئة “الستار” والتحول إلى فئة “السوبر ستار والميجا ستار” في عالم كرة القدم. جريزمان لم يكن حاسماً بما فيه الكفاية في نهائي شامبيونزليج 2016، ونهائي يورو 2016، كذلك اكتفى بدور صديق البطل في كأس العالم 2018، ليترك النجومية المطلقة لزميله الشاب كيليان مبابي.

هي قدرات حتماً ولا جدال في ذلك، لكن جريزمان يمكنه لعب دور أكبر من مكانته الحالية، وهذا ما يرفضه عقل اللاعب حتى الآن، سواء بقراره البقاء في صفوف أتليتكو وعدم الذهاب إلى برشلونة، ليأخذها من زاوية الانتماء وحب الجمهور، رغم أنه فعلياً رفض خوض التحدي الكبير وتردد مراراً وتكراراً في حسم أمره، أو حتى بالموافقة على التمثيل الأوروبي المشرف ومنافسة الكبار دون قنص البطولة في النهاية.

شخصية جريزمان جزء من شخصية أتليتكو مدريد، ظواهر تجيد تحدي الكبار، هزيمتهم في صولات وجولات، بث الرعب في نفوسهم، لكنها حتى الآن غير قادرة على الفوز بالمعركة الأخيرة، ليبقى الحسم الأخير هذا الموسم، فالنهائي على أرضية ملعب الواندا، وجريزمان مع أتليتكو مدريد أمام طريقين لا ثالث لهما، إما الاكتفاء بالتمثيل المشرف أو الثورة على الأعراف والتقاليد، وخطف دور البطل في المراحل الأخيرة. دعونا ننتظر ونرى!

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى