مانشستر يونايتد .. من جحيم مورينيو إلى نعيم سولشاير

تحليل- محمد العولقي

كما لو أن سولسكيار (سولشاير) مدرب فريق مانشستر يونايتد الإنجليزي اكتشف الطريق المؤدي إلى رأس الرجاء الصالح، متفاديا بحر العواصف الذي كاد يغرق سفن اليونايتد بفعل القيادة المتهورة للبرتغالي جوزيه مورينيو ..

ترى ما هي الخلطة السحرية التي جعلت سولسكيار ينفخ في قربة مورينيو المثقوبة، ثم يرتق كل الثقوب في زمن قياسي خالف حتى أكثر المتفائلين في اليونايتد ..؟
هل سولسكيار فعلا حاو كبير يفوق كل الحواة الذين أشرفوا على تدريب الشياطين الحمر في الخمسين سنة الأخيرة ..؟

سؤال آخر يحمل إجابتين متناقضتين: هل سولسكيار نسخة كربونية من الأسطورة السير أليكس فيرجسون؟ هل يحمل سولسكيار نفس أفكار وجينات السير فيرجسون؟

كان يمكن أن تمر كل هذه الأسئلة مرور الكرام دون ضجيج أو بحث لولا أن سولسكيار سحر العيون والأبصار عندما كان السبب المباشر في (ريمونتادا) تاريخية أقصت باريس سان جيرمان المرصع بكل الدرر والجواهر الثمينة..

الورقة التي صنعت الفارق

سولسكيار

لا نجادل أن سولسكيار متأثر جدا بأهمية الإعداد النفسي للاعبين، هذه الحقيقة كما لو أن سولسكيار انتزعها من قاموس السير فيرجسون، فقد بدت ورقة رابحة صنعت الفارق في المباريات ذات الضغط النفسي الرهيب..

وإذا كان فيرجسون داهية في توظيف العامل السيكولوجي للاعبين خصوصا في المباريات التي تحمل طابع حياة أو موت، فمن المؤكد أن سولسكيار وضع يده السحرية على منطقة الألم التي تجاهلها البرتغالي جوزيه مورينيو..

كانت مهمة سولسكيار معقدة للغاية، فهو يستلم فريقا محطما نفسيا رغم أنه يضم الكثير من المواهب الفنية العالية المستوى..

قد يأتيك الحظ مرة ومرتين وربما ثلاث في أحسن الأحوال، لكن أن يجتاز سولسكيار تسع جولات في البريمرليغ دون خسارة، ثم يقود انقلابا معنويا أطاح بباريس سان جيرمان من دوري الأبطال، فهنا يجب على كل المشككين التوقف فورا والاستمتاع بما يفعله هذا النرويجي الذي لم يكن لاعبا فذا في حقبة ملهمه ومعلمه فيرجسون..

جوزيه مورينيو

تفادى سولسكيار إشكالية مورينيو وفلسفته التي تضاءلت مؤخرا ليس مع اليونايتد فحسب، بل حتى مع ولايته الأخيرة في تشلسي، ما كان يصلح مع فرقة الفيل الإيفواري ديديه دروغبا لا يمكن أن ينسحب بالضرورة على جيل هازارد ..

تنطلق فلسفة مورينيو من كونه يفرض نفسه النجم الأول للفريق قبل اللاعبين، لم يكن مقبولا عند لاعب اشتراه المان يونايتد بمائة وخمسة ملايين دولار – (بول بوغبا) بالطبع – أن يدور في فلك مورينيو دون أن تكون له نجوميته الخاصة وتأثيره المنفرد على شاكلة اللعب..

هل كان مورينيو يعيش في برج عاجي عزله تماما عن اللاعبين ..؟
بالتأكيد نعم، بدليل أن اللاعبين اتفقوا على عداء مورينيو والتنكيد عليه كلما سنحت الفرصة..

هل أدخل مورينيو لاعبي يونايتد عنق زجاجة سيكلوجيا..؟
بالتأكيد نعم، بدليل أن هذا العامل تصاعد تدريجيا مع سولسكيار إلى أن بلغ معدله الطبيعي في ظرف قصير للغاية ..

إذن فجوزيه مورينيو صنع بينه وبين لاعبي اليونايتد جدارا نفسيا عازلا، لا لسبب معين فقط ليبدو في الصورة أنه المحرك الأول لكل الأحداث وليس اللاعبين..

دون شك .. مورينيو ورث فريقا ينضح إناؤه بلاعبين من الطراز الممتاز فنيا، لكنه فشل في دمج المجموعة في فريق متناغم ومنسجم، كان لتصريحاته المتهكمة والساخرة دور حاسم في إفساد ود وقضية لاعبي اليونايتد ..

ناء كاهل فريق مانشستر يونايتد بحمولة زائدة كانت توحي بأن الانفجار النفسي وشيك للغاية ..

وعندما خرج بول بوغبا عن طوره وهو يؤكد أن الفريق محبط نفسيا من مورينيو وأنه راحل الصيف المقبل في حال بقاء مورينيو، كان بوغبا في الواقع يتحدث بلسان المجموعة ، وهو أمر خطير تفطنت له إدارة المان يونايتد فقررت عزل الفريق عن كابوس مورينيو ..

ضربة معلم

لا ندري هل كان قرار الإدارة بالاستعانة بالمغمور سولسكيار ضربة معلم مقصودة أم أنها رمية من غير رام، لكن الأكيد أنه كان الخيار الأمثل لانتشال الفريق من جحيم مورينيو ..

من الوهلة الأولى أدرك سولسكيار مشكلة اللاعبين الأساسية، كان بحاجة إلى محاضرات لتحرير اللاعبين نفسيا جراء ما لحق بهم من تنكيل وتهميش في حقبة مورينيو ..

فاز مرة .. ثم مرتين .. هنا تحرر اللاعبون من قيودهم النفسية، وبدأ منسوب بوغبا بالذات في الارتفاع حتى بات الدينامو المحرك لوسط الملعب، وتفجرت قدرات لوكاكو وراشفورد ومارسيال وماتتش، واستعاد خط الدفاع صلابته المعهودة بصورة تدريجية..

بوجبا

هل يعني هذا أن سولسكيار خرج من جلباب مورينيو التكتيكي ..؟
الإجابة قطعا لا .. لقد حافظ على قوام الهيكل التكتيكي للفريق، لكنه أضاف عاملا حاسما عند تنفيذ شاكلة 4/3/3 أو عند نقل المعركة إلى الوسط بصيغة 4/4/2، هذا العامل يتعلق بخبرة اللاعبين في تنفيذ الشاكلة تحت الضغط النفسي الرهيب، ثم وضع التصور على أساس التنافس القوي بين اللاعبين ذهنيا ..

من يتابع عمل سولسكيار الجبار مع المان يونايتد خلال شهرين فقط، سيندهش حقيقة من الرصيد البشري الذي ولد تزاحما في إثبات الذات، فبعد أن كان الدفاع يعاني من فقر مدقع في العناصر، بات اليوم في حالة تخمة يصعب معها المفاضلة بين لاعب وآخر، غير أن سولسكيار أضاف عاملا حاسما لفض الاشتباك بين اللاعبين، ويتعلق بعامل الخبرة ومن ثم التمرس على أنسجة التكيف من الناحية التكتيكية والنفسية ..

روح اليونايتد تحاكي التاريخ

عادت الروح المعنوية لفريق مانشستر يونايتد في توقيت يراه الفنيون قياسيا، لأن ترميم أي فريق من كل النواحي يتطلب الكثير من التجارب .. لكن سولسكيار بدأ كما لو أنه كان يجلس على دكة احتياط الفريق، فقد أدرك أن استعادة روح اليونايتد ستصنع الفارق في المباريات التي تتطلب العزف على أوتار التاريخ ..

وعندما أقصى مان يونايتد فريق باريس سان جيرمان من الدور ثمن النهائي لدوري أبطال أوروبا، كان سولسكيار في الواقع يحقق معجزة نفسية لم يسبقه إليها أي مدرب آخر، ارتبطت بشكل أو بآخر بروح وتراث وكبرياء فريق مانشستر يونايتد البطل الذي ينتصر على كل تجليات المنطق ..

كل الذين راهنوا على هزيمة مدوية تنتظر المان يونايتد في باريس اندهشوا حقيقة من تراث المانيو ومن قدرته العجيبة على إحداث ريمونتادا تاريخية بدت مستحيلة بعد الخسارة الموجعة في الأولد ترافورد بهدفين دون رد ..

هل كان انتقام اليونايتد في باريس بالثلاثة معجزة لم تكن تخطر على بال أشد المانشيستراويين تفاؤلا ..؟
بدون تردد الإجابة بالفم المليان نعم، لأن كل العوامل تكاتفت ضد اليونايتد قبل مباراة الرد ..

لقد كان على سولسكيار أن يتحول إلى ميداس ذلك الرجل الذي يلمس الأشياء فتتحول إلى ذهب، كان عليه أن يستأنس مع لاعبين دخلوا المباراة دون رصيد في التجارب، فكيف لفريق سولسكيار أن يحلق في سماء البارك دي برنس دون مروحة الوسط بوغبا .. ودون جناحه مارسيال .. ودون صندوقه الأسود ماتتش ..؟

كان المان يونايتد في أزمة حقيقية بسبب الإصابات التي أعطبت أهم أعمدة الفريق، بالإضافة إلى طرد بوغبا ذهابا. .
لكن سولسكيار تجاوز كل تلك المطبات الهوائية، وعرف كيف يتعامل مع صغاره وبدلائه نفسيا ومنعويا، فأحدث تلك المعجزة التي تجمدت منذ رحيل السير فيرغسون ..

سولسكيار .. كيف يوقف زحف الغول البرشلوني أوروبيا؟

قد لا يتوقف سولسكيار كثيرا أمام أول خسارة يتلقاها في البريمرليج من طرف أرسنال في لندن، فهي في الأخير خسارة مفهوم وليست خسارة نظام أو هوية لعب ..

سيقاتل اليونايتد محليا على المركز الرابع المؤهل لدوري أبطال أوروبا الموسم القادم، في حين سيضع نصب عينيه بطولة كأس إنجلترا كأولوية محلية حتى لا يخرج خالي الوفاض نهاية الموسم ..

وسيبقى حلم سولسكيار الحقيقي البحث عن وصفة جديدة لوخز وحش برشلونة في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا بداية الشهر القادم ..

سيحتاج سولسكيار إلى شحن بطاريات لاعبيه قبل مواجهة برشلونة في النيو كامب ذهابا، وهو دون يشك يحاول اكتشاف مصل وقاية لتنويم الغول البرشلوني المخيف المسمى ليونيل ميسي، لكنه مع ذلك لن يرتكب حماقة مطاردة ميسي دون البحث عن أداة جديدة تحجم نظام لعب برشلونة، غير تلك الأداة التي استخدمها لهدم المعبد على رأس باريس سان جيرمان ..

سيكون على سولسكيار زيادة القدرة الذهنية عند لاعبيه منعا لأي خطأ، لأن الهدايا في اليوم الكبير غير مقبولة، خصوصا مع فريق لا يرحم هجوميا يضم أسلحة فتاكة محرمة دوليا على شاكلة ميسي وسواريز وديمبلي وكوتينهو ..

وقبل هذا وذاك على سولسكيار أن يطور من أنجلوساكسونية الفريق، لأن إرسال الكرات البالونية من الدفاع للهجوم لن يجدي مع فريق يجسد الكرة اللاتينية الجميلة في أبهى صورها ..

الأكيد أن سولسكيار لن يسجن راشفورد وسيحرر لوكاكو وسيتيح لبول بوغبا قيادة اللعب من العمق بدلا من اعتماده لاعبا طرفيا لا ينتج كثيرا ..

في تقديري أن وجود لاعب لاتيني من عينة بول بوغبا في الوسط قد يسهم في تنقية الأسلوب الأنجلوساكسوني من الانكماش غير المدروس، ومن الاندفاع البدني الذي يعطل كل الحواس الفنية ..

سيكون على سولسكيار الاقتناع أن برشلونة يشل الفرق التي توجهه نفسيا، حيث يصدر الشك إلى نفوس الخصوم ثم يتحول ويتطور هذا الشك إلى (فوبيا) من ميسي تحديدا ..

عدم الخوف من برشلونة سيمهد الطريق أمام سولسكيار لمواصلة المغامرة الأوروبية، فهل يكون سولسكيار نسخة طبق الأصل من زين الدين زيدان مع ريال مدريد، عندما قاده للتتويج أوروبيا علما بأنه استلم الفريق في النصف الثاني من موسم 2015 – 2016 تماما كما هو الحال مع سولسكيار ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى