لوكا يوفيتش.. الفرصة تأتي مرة واحدة

تحليل- أحمد مختار

“الكرة ملتصقة بين قدميه، واثق من نفسه في الحيازة، يعرف متى يمرر ومتى يقف، لديه القدرة على الحجز والربط مع زملائه. شيء غريب جداً لطفل عمره 10 سنوات أن يمارس اللعبة بهذا الذكاء في هذا السن. وعندما تصله الكرة أمام المرمى فإنه يتعامل معها وكأنه لاعب خبير قضى سنوات طويلة في الملاعب حتى امتلك ذلك الحسم. لقد أبهرني فعلياً منذ الوهلة الأولى”.

بهذه الكلمات الأقرب إلى الغزل الصريح، تحدث تومسيلاف ميليسيفتش، مدرب ريد ستار بلجراد للفئات السنية، عن هداف البوندسليجا الحالي وأحد أهم المواهب في الموسم الكروي، لوكا يوفيتش.


حكى ميليسفيتش هذه القصة لمراسل “بليشر ريبورت” عند سؤاله عن ذكرياته مع لوكا، بما أنه الرجل الذي شاهده لأول مرة يلعب في شوارع البوسنة، حين كان عمره وقتها أقل من 12 سنة تقريباً، ليراهن عليه ويذكره سريعاً بالألماني الكبير جيرد مولر، ويجبر مسؤولي النادي الصربي الفائز برابطة أبطال أوروبا عام 91 لضمه.

الحقيقة أن كلمات مدرب ريد ستار مناسبة لوصف لوكا يوفيتش في الوقت الحالي رغم أن عمره وقتها كان فقط 10 سنوات، فالمهاجم الصربي أشبه بلاعبي الشارع الذين كنا نشاهدهم قديماً في المسابقات والدورات الودية. قوي بدنياً ولديه مهارة واضحة رغم أنه ليس مراوغا جيدا، حيث أنه يتفوق على خصومه، يمر من المدافعين، يحافظ على الكرة، يصنع ويسجل، مستخدماً حركة جسده، عينيه، قوة بنيته، وبالتأكيد ذكائه في التمركز والتصرف، لذلك تألق سريعاً مع فرانكفورت وحصل على مكان أساسي في تشكيلة فريقه الألماني، ليسجل 22 هدفا ويصنع 7 في 36 مباراة خاضها هذا الموسم في كل البطولات.

يوفيتش يستطيع اللعب بمفرده في الهجوم، يمكنه التواجد رفقة مهاجم آخر أمامه أو بجواره، كما يفعل هذا الموسم مع ريبيتش وغيره في آينتراخت، حيث يعود لوكا خطوات للخلف كنصف مهاجم ونصف لاعب حر، يربط مع لاعبي الوسط ويتحول إلى الأطراف بحرية.وعندما تسنح له الفرصة للتواجد داخل الصندوق فإنه لا يرحم أمام المرمى.

إنها المهارة الفطرية التي يملكها منذ نعومة أظافره، مع ثقته بنفسه وفهمه الشامل لأبجديات التمركز والتحرك بالكرة ومن دونها، ليعوض نقص مهارته في المراوغة بقوة شخصيته سواء في القرب من زملائه أو جعلهم يلعبون بشكل أفضل، مع الحفاظ على وظيفته الرئيسية في الهدف والأسيست.

كل هذه الصفات تعتبر من إيجابيات لوكا، لكن ماذا عن سلبياته؟ 

ستانكوفيتش أفضل من يخبرنا بهذا الأمر، حيث أنه عمل سابقاً مع اللاعب في بلجراد وهو صاحب الفضل في تصعيده للفريق الأول، لذلك في حديثه مع بليشر ريبورت، قال المدرب نصاً: “لوكا موهوب بالفطرة، لكن لديه بعض الأمور التي استفزتني مراراً وتكراراً، حيث أنه كسول بعض الشيء في الضغط على لاعبي الخصم والقيام بالمهام الدفاعية، بالإضافة لاعتزازه الشديد بنفسه وشكله وشخصه لدرجة فقدانه التركيز داخل الملعب في بعض الأحيان”.

كلمات ستانكو صحيحة حتى هذه اللحظة، على الأقل فيما يخص الشق التكتيكي المرتبط بالضغط، فمعدلات ضغط الصربي أقل من قدراته وإمكاناته، مع قلة تركيزه في بعض الأحيان التي تكلفه بعض التمريرات الخاطئة، لكن يحسب له أيضاً معرفته بسلبياته جيداً وتطوره من فترة لأخرى، مع جرأته الشديدة في اللعب للأمام وأخذ المبادرة ومواجهة المدافعين دون الحاجة للعودة إلى الخلف أو لعب التمريرات المضمونة إحصائياً.

يوفيتش هذا الموسم أفضل من يوفيتش الموسم الماضي مع نيكو كوفاتش، ويوفيتش كوفاتش أفضل من فترته السيئة مع بنفيكا، وحتى فترته في البرتغال زادته خبرة وصلابة وصبر، عوامل لم يكن يكتسبها أبداً في حالة بقائه بالعاصمة بلجراد أو مسقط رأسه في البوسنة، أي أن اللاعب فعلياً يتعلم من أخطائه، مثله مثل أي شاب صغير في السن يريد اللعب في مستويات كبيرة مع فرق مميزة.

فرانكفورت فريق دفاعي على طول الخط سابقاً، لذلك لا تصل للمهاجم ربع ما يصل إلى نظيره في برشلونة أو ريال مدريد. كذلك عانى هذا اللاعب كثيراً من قبل في بداياته مع آينتراخت وقبله بنفيكا، لقلة أو ندرة الفرص التي تصل إليه، لدرجة حديث أحد المحللين قائلاً: “نريد فقط أن تصله فرصة أو فرصتين حتى نعرف إذا كان جيداً أم لا”.

كل شيء تغير مع نيكو كوفاتش، الرجل الذي حول فرانكفورت إلى فريق آخر تماماً، يضغط على الخصم في نصف ملعبه، ينفذ لعبة التحولات بحرفية، ويصنع عدد مقبول من الفرص أمام منافسيه، لدرجة أن يوفيتش صرح عبر بليشر ريبورت بالنص: “لقد ركضت مع نيكو في شهر مقدار ما ركضت مع بنفيكا في عام”.

تعتبر هذه الكلمات مفتاح رئيسي لفهم اهتمام نادي بحجم برشلونة بقدراته. لا يتعلق الأمر بلاعب سيأتي مكان لاعب آخر، بمعنى استحالة تعويض سواريز بيوفيتش على المدى القصير، فالفوارق كبيرة جداً لصالح العملاق الأوروجوائي، سواء كخبرات أو تاريخ أو حتى قدرات فردية وجماعية حالية، لكن يمكن تفهم وجهة نظر إدارة النادي الكاتلوني في كونها تريد تجديد دماء الفريق، وجلب أسماء تستطيع مع الوقت التعلم والفهم والاستيعاب حتى تتمكن من دخول “السيستم” في النهاية، ولنا مثال بعثمان ديمبلي.

لوكا يوفيتش مثل ديمبلي ومالكوم وأرثور وغيرهم، لاعب لديه الموهبة التي تحتاج إلى التطوير، ويملك الإيجابيات المناسبة لطريقة لعب برشلونة، في كونه يحب اللعب مع زملائه لا أن يلعب بمفرده، أي يستحوذ ويمرر ويسيطر ويتمركز وبالتأكيد يخلق الفراغات لغيره، وهذه من أساسيات حجز مكان أساسي في التشكيلة، جنباً لجنب مع استخدام الجسد والعين وتوقع اللعبة قبل أن تحدث، وكلها صفات تتوافر بقدر أو بآخر في اللاعب الصربي من الآن.

مهاجم آينتراخت لا يحب الدوري الإنجليزي ولا يفضل اللعب هناك، لكنه لا يمانع أبداً الذهاب إلى إسبانيا إذا أتته الفرصة، بحسب ما صرح به في حوار سابق مع إحدى الصحف، وفي حالة انتقاله فعلياً إلى برشلونة، يبقى السؤال الأهم: كيف ستكون الصيغة المناسبة لتألقه دون المساس بشكل أو تركيبة الفريق الحالي؟

إرنستو فالفيردي مدرب يحافظ على رسم 4-3-3، ويلعب في بعض الأحيان برسم 4-4-2، لذلك إذا بدأنا بالرسم الثاني فإن لوكا يوفيتش سيلعب بنفس طريقته الحالية مع فرانكفورت، مهاجم رئيسي أو إضافي، يلعب أمام ميسي أو خلف لويس سواريز، يشارك في عملية الصناعة والتسجيل، ويفتح الملعب أمام الظهيرين للانطلاق على الخط، مع مشاركته عناصر الوسط في الحيازة والربط. بالتأكيد سيعمل على تعديل معدلات ضغطه الضعيفة وأرقامه الدفاعية المثيرة للشك.

أما في حالة رسم 4-3-3 فإن يوفيتش يمكنه التواجد على اليسار كجناح وهمي فقط، يدخل إلى العمق في معظم الفترات لفتح الطريق أمام تقدم ألبا، الظهير الذي يفضل التواجد بمفرده أسفل الأطراف، وبالمثل في حالة تواجده على اليمين. كذلك يمكن وقتها إراحة سواريز والبدء به في العمق، على يمينه ميسي وعلى يساره ديمبلي، أو حتى خلفه ميسي وديمبلي يميناً كما يحب مع ترك الجبهة اليسرى لألبا، وبالطبع يحتاج الأرجنتيني إلى الراحة ليبدأ سواريز وخلفه كلاً من ديمبلي ولوكا.

الفكرة في قدرة يوفيتش على إضافة سلاح فعال لخط هجوم برشلونة، قبل استحواذه على حصة سواريز في التشكيلة الأساسية بعد عام إلى إثنين أو حتى ثلاثة عند زيادة خبرة الصربي ووصول اللاتيني إلى سن لا يسمح له أبداً بالمنافسة، وهي عملية صحيحة نظرياً وعملياً بالنسبة للفرق الكبيرة التي لا تقدر على التغيير الراديكالي السريع بين ليلة وضحاها.

جريزمان

يبقى السؤال الأخير، هل يوفيتش أنسب من جريزمان؟ بكل صراحة الإجابة ستكون لا، لأن الفرنسي من أكثر اللاعبين مناسبة لأسلوب وطريقة لعب برشلونة الحالية. يكفي تخيل فقط وجوده بدلاً من سواريز في مباراة ريال بيتيس الأخيرة، أو حتى خلال مباريات خروج المغلوب بالشامبيونزليج، بالتأكيد سيسجل مثل سواريز وأكثر، وسيفيد الفريق في لمسته الأولى والثانية وطريقة ربطه مع ليو والوسط.

لكن نظراً لسعر اللاعب المرتفع، راتبه المبالغ فيه، تصرفاته غير المسؤولة بالصيف الماضي، رفضه الانتقال إلى البارسا في قرار غريب وغير مفهوم حتى بالنسبة له وفق ما صرح به المقربون منه مؤخراً، كل هذه العوامل تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن قطار برشلونة فات الفرنسي ولن يعود إليه مهما كانت مبرراته، لذلك أتفهم خطوة الإدارة بالاتجاه إلى يوفيتش، كونه أرخص سعراً وأقل راتبا وأصغر عمراً، يمكنه التعلم والتطور والتحسن ويستطيع بمزيد من العمل والجهد والتجربة أن يصبح مهاجم برشلونة المثالي والأساسي والرئيسي خلال سنوات معدودة.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى