لاعب الوسط البوكس بتوقيت فان دي بيك

تحليل- أحمد مختار

“أياكس لديه صفات رائعة، فهم يحتفظون بالكرة بشكل جيد حتى في حالة عدم وجود مساحات. دي يونج هو المصدر الحقيقي لكرتهم. حاولنا السيطرة عليه مع بنتانكور ولكن عندما فطن لذلك، كان يتحرك بشكل أعمق، لذلك طلبت من لاعبي الهجوم مراقبته من دون كرة. لقد لعب بشكل جيد للغاية”..

بهذه الكلمات تحدث ماسيمليانو أليجري عن مايسترو أياكس فرينكي دي يونج بعد مباراة الشامبيونز الأخيرة.

بالتأكيد كلام أليجري صحيح من الناحية الفنية والتكتيكية، دي يونج لاعب استثنائي، ذكي، سريع البديهة، ولديه شخصية فولاذية مقارنة بسنه صغير، لذلك أرهق وسط وهجوم يوفنتوس كثيراً، وكان بمثابة النواة الأولى لهجمات أياكس من الخلف، لأنه يمثل أداة البناء وهمزة الوصل بين الخطوط.

بالنسبة لي هو “تروموتر” أداء عملاق أمستردام، لكن هناك إسم آخر يستحق الرصد والدراسة والتقدير، لأنه يقدم كرة مختلفة عن أقرانه بالفريق، وربما قوته الأساسية في اختلافه وتنوعه وغرابته بعض الشيء.

فان دي بيك يستحق، نعم يستحق!

ماندزوكيتش

في 2013، حقق بايرن ميونخ لقب دوري أبطال أوروبا تحت قيادة يوب هاينكس. وقتها لعب الفريق البافاري بطريقة “وان سايد جيم” أمام معظم خصومه حتى النهاية، بتطبيق نظام الدفاع المتكامل القائم على الضغط في نصف ملعب المنافس، مع حماية مناطقه برباعي دفاعي أمامه ثنائي ارتكاز قوي.

وضد يوفنتوس بالأخص، عرف الذئب الألماني كيف يوقف المايسترو الإيطالي أندريا بيرلو، حينما وضع خلفه الكرواتي ماندزوكيتش ليقوم برقابته كالظل كلما استلم الكرة في نصف ملعبه.

لم يفعل بيرلو الكثير وقتها بسبب نظام الرقابة الفردية ضده من مهاجم بايرن. ماندزوكيتش من أبرز اللاعبين الذين يجيدون لعب دور الـ Suffoco، أي قيام لاعب ما بتعطيل صانع اللعب المتأخر في مناطقه، وإجباره على لعب مباراة صعبة طوال التسعين دقيقة. ما قام به ماندزوكيتش سابقاً مع بيرلو فعله فان دي بيك بذكاء وشراسة مع بيانيتش في كرويف أرينا.

نجح أياكس في تقليل قوة وسط يوفنتوس بل محوها تماماً، عن طريق تطبيق الضغط المثالي على بيانيتش كلما يلمس الكرة بواسطة دي بيك، اللاعب الذي لا يتوقف عن الحركة ويظهر وكأنه يمتلك أربع رئات حقيقية. يتحدث الكل عن استحواذ أياكس المثالي وهجماته وجرأته وفرصه، لكن يغفل معظمهم في الإشادة بما فعله بطل هولندا من دون الكرة.

أعجبني جداً تحليل “الإسبن” بعد المباراة مباشرة، عندما وضعوا اهتمام خاص بالرقابة الفردية رجل لرجل من دون الكرة، دي يونج ضد بنتانكور، شونه مع ماتويدي، وفان دي بيك الذي أنهى بيانيتش بالقاضية طوال اللعب.

ما فعله دي بيك أجبر فريق يوفنتوس على لعب الكرات الطولية مباشرة تجاه الثلث الأخير، مع اعتماده المتكرر على سلاحه الأبرز في مثل هذه المباريات، ألا وهو اللعب العرضي من مناطق أسفل الأطراف، ومحاولة استغلال هفوات أياكس بالمرتدات كما حدث في هدف رونالدو.

فان دي بيك (يسار

هذا على مستوى لعب دي بيك من دون الكرة، لكن ماذا عن الجانب الآخر الخاص بالوعي التكتيكي الكبير عند هذا اللاعب؟

من عيوب نظام “الرقابة رجل لرجل” أنه يجعل اللاعب الذي يراقب خصمه في وضعية لا تسمح له بالهجوم عند الاستحواذ كما يقول “زونال ماركينج” في تحليل سابق. وإذا قمنا بتحليل هذه العبارة بشكل مبسط سنجد أنها منطقية إلى حد كبير، حيث أن اللاعب الذي يطبق الرقابة رجل لرجل يجد نفسه قريب من خصمه أثناء المرتدات العكسية، لأنه يركز أكثر على أن يكون في وضعية دفاعية لا هجومية.

مع فان دي بيك الأمر مغاير، لأنه ذكي لأقصى درجة أثناء هجوم فريقه، في تحركه من دون الكرة في وبين الخطوط، استهدافه للفراغات المتاحة في القنوات، وانطلاقاته المستمرة بين الظهير المقابل وقلب الدفاع، لذلك تجده دائماً في المكان والتوقيت المناسبين عند كل هجمة لفريقه. ورغم أنه يدافع كثيراً من دون الكرة وكان مشغولاً برقابة بيانيتش معظم الوقت، قلب لاعب وسط أياكس الآية وجعل البوسني هو من يحاول إيقافه في كل هجمة، ليُجبر على ارتكاب الأخطاء ولا شيء غير ذلك.

أثناء مناقشة مع صديق عزيز بعد مباراة أياكس ويوفنتوس، أخبرني بأنه يرى فان دي بيك هو مهاجم الفريق الهولندي وليس تاديتش. تبدو هذه النظرة صحيحة إذا شاهدنا كيفية إدارة تين هاج لمنظومة زعيم أمستردام، لأنه فعلا يلعب برسم مزيج بين 4-3-3 و4-2-3-1 و4-4-2-0، كل هذا وفق تحركات دي بيك وتاديتش بالعمق. يعود الصربي إلى الوسط للبناء والمراوغة، ويصعد مكانه الهولندي داخل منطقة الجزاء وكأنه صانع لعب وهمي أوFalse number 10، لأنه في الحقيقة صانع لعب على الورق في رسم 4-2-3-1، لكنه أثناء الاستحواذ لاعب هجومي صريح يسجل أكثر مما يصنع.

تقول لغة الأرقام أن فان دي بيك لعب هذا الموسم 48 مباراة في كل البطولات، سجل 14 وصنع 10 وفق “ترانسفير ماركت”.

صورة لسيسك مع إسبانيا

دور فان دي بيك يعيد إلى الأذهان ثنائية ميسي وسيسك فابريجاس مع برشلونة خلال الدور الأول من موسم 2011-2012، ثم مركز فابريجاس كلاعب وسط إضافي ومهاجم وهمي في تشكيلة فيستني ديل بوسكي إبان بطولة يورو 2012. يتمركز سيسك أكثر كلاعب حر بين الوسط والهجوم، يصنع الوصلة مع ميسي، اللاعب النجم الذي يتوغل في وبين الخطوط، ويتبادل الثنائي الدخول إلى منطقة الجزاء.

كانت فكرة جوارديولا وقتها التحول من 4-3-3 إلى 3-4-3 كما فعلها في كلاسيكو 10 ديسمبر 2011 بالبرنابيو في الشوط الثاني، يومها كان خط الوسط يبدأ من بوسكيتس وأمامه سيسك، وبينهما كلا من إنيستا وتشافي، إنها تشكيلة “الدياموند” أو جوهرة الارتكاز.

وفي اليورو، اقتبس ديل بوسكي هذا التكتيك لكن مع أدوات وعناصر أكبر، لأن المنتخب يضم كل لاعبي الفرق بكل تأكيد، وبالتالي لعب الإسبان في النهائي أمام الأزوري بخطة 4-3-3 دون وجود مهاجم صريح، فابريجاس في مركز المهاجم الوهمي بين إنييستا وسيلفا، ليجد الثنائي بونوتشي وبارزالي أنفسهما دون لاعب حقيقي من أجل المراقبة، ليتم ضرب الدفاع الإيطالي بكل سهولة، في أربع مناسبات كاملة، ويحقق الفريق الإسباني بطولتي يورو ومونديال في أربع سنوات.

مع أياكس تين هاج، يمكن تخيل رسم قريب من 4-4-2 دياموند كما شرحه العراب يوهان كرويف في حديث سابق، “4-4-2 دياموند المعروفة هي أقرب إلى 4-1-2-1-2 أي رباعي بالوسط على شكل جوهرة، ثنائي بالهجوم، رباعي بالدفاع . حينما تضم مهاجم متحرك، من الممكن أن يعود إلى الوسط الهجومي ليصبح شكل الملعب أقرب إلى الدياموند، إرتكاز دفاعي ثم ثنائي وسط ومهاجم متأخر، مع ثنائي هجومي على الأطراف.

ثم يتحدث في نهاية الفيديو عن الـ 4-3-3 الهولندية، تواجد ثلاثي دفاعي ولاعب متحرك بين الدفاع والوسط على حسب تحركات هجوم المنافس، لذلك يصبح هذا اللاعب هو بداية الجوهرة من الأسفل مع وجود ثلاثي وسط يكّمل رباعية الدياموند، مع وجود ثلاثي هجومي يضم مهاجم ثابت مثل فان نيستلروي مثلاً، وتصبح الطريقة اقرب إلى 3 مدافعين ورباعي بالوسط وثلاثي بالهجوم”.

مع فان دي بيك وتاديتش، يعود الصربي خطوات للخلف ليصبح أقرب إلى الوسط المائل لليمين أو اليسار بالتبادل مع شونه، بينما دي يونج أسفل الدائرة وفان دي بيك أعلاها بين نيريس وزياش، أو يصبح تاديتش أعلى الدياموند ويعود دي بيك إلى الخلف كلاعب وسط مائل لليسار، في النهاية هناك شيء قريب من 4-4-2 الجوهرة، هناك رائحة تكتيك محترم في الأرينا، وكأن يوهان كرويف حي يرزق حتى الآن!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على أحمد زاهر إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى