
تحليل- أحمد مختار
بعد مونديال 2006، قل عدد الفرق والمنتخبات التي تلعب بطريقة 3-5-2، حتى كرواتيا تخلت عنها بسبب وجود صانع لعب غير تقليدي بقيمة لوكا مودريتش. منتخب مصر كان من القلائل الذين حافظوا على العهد، وحققوا بطولات أفريقيا 2006، 2008 بطريقة لعب 3-4-1-2 مع المدرب حسن شحاتة، ونجح الفرعون المصري في هزيمة أعتى منتخبات غرب ووسط أفريقيا، ليفوز في النهاية على أشهر النجوم المحترفين في ملاعب أوروبا.
معظم فرق أفريقيا في تلك الفترة كانت تضم أكثر من مهاجم متميز، لذلك لعبت بخطة قريبة من 4-4-2، بوجود ثنائي هجومي صريح بالأمام، مع وسط مائل للعمق، لذلك ناسبت هذه الخطة كثيراً أفكار المصريين، وواجه شحاتة هجوم المنافسين بثنائي دفاعي صريح، مع لاعب ثالث للتغطية، أما الأطراف فوجدوا أنفسهم بلا أي رقابة، بسبب ميل الأفارقة إلى الاختراق من العمق.
في مباراة نهائي 2008 أمام الكاميرون، قام مدرب الأسود بتحويل الخطة إلى 4-2-3-1 مع إيتو كمهاجم وحيد، فوجد وائل جمعة نفسه كلاعب بدون وظيفة حقيقية، وفي حالة مراقبته لصامويل، فإن زميله شادي محمد يصبح بلا أي دور، وكانت هذه المباراة هي الأصعب بالنسبة للفراعنة، حتى مواجهة سونج وزيدان، وهدف أبو تريكة التاريخي، الذي ضمن للمصريين بطولة جديدة ومهمة.
كان هذا السرد بمثابة الوصف التكتيكي لحقبة مصر من 2006 إلى 2008 عبر رائعة الهرم المقلوب للإنجليزي ويلسون، حيث جاء الحديث عن مصر بالإيجاب مع التلميح عن تكتيك حسن شحاتة المغاير لمعظم منتخبات القارة في مثل ذلك التوقيت. لقد كان رسم ثلاثي الخلف بمثابة المصل المضاد لثنائية الهجوم الأفريقية، بالإضافة إلى تواجد ثنائي هجومي يزيد إلى ثلاثة عند امتلاك الكرة، مما يجعل الوصول إلى مرمى المنافسين أمراً يسيراً، خصوصاً مع امتلاك أسماء بقية متعب، زيدان، عمرو ذكي، تريكة، وأحمد حسن.
الحقيقة أن قوام المنتخب المصري كان شبه ثابتاً، ليبرو مع ثنائي من المدافعين، إبراهيم سعيد في 2006 ثم هاني سعيد في نسختي 2008 و2010، مع مدافع ثابت في موقف 1 ضد 1 هو وائل جمعة، وآخر متحرك يقوم بالتغطية رفقة الليبرو، ليبدأ المعلم بعبد الظاهر السقا ثم شادي محمد وأخيراً أحمد فتحي في نسخة 2010.
مع ثنائي سريع من الأظهرة على الخط، محمد عبد الوهاب ثم سيد معوض على اليسار، وفي اليمين بركات أو فتحي أو المحمدي، رفقة خط وسط مميز جداً في الدفاع والهجوم في آن واحد، مع شوقي أو غالي ومع واحد فيهما همزة الوصل ودينامو الأداء حسني عبد ربه، الذي يعطي الغطاء الكامل لصانع اللعب في المركز 10، والذي أبدع فيه محمد أبو تريكة على مدار نسختين، ثم أحمد حسن كنصف صانع ونصف لاعب وسط ثالث في آخر نسخة فاز بها الفراعنة، قبل فترة توقف النشاط الكروي ما بعد 2011 وعودته بشكل فعال مع هيكتور كوبر في نسخة 2017.

حديث كبير عن حسن شحاتة وعن كونه مدرب سيء أو ضعيف أو محظوظاً، لكن مع كامل التقدير لهذه الآراء فإن المعلم المصري يعتبر من أفضل المدربين فيما يخص عمل المنتخبات والمدراء الفنيين للفرق الوطنية، وهذا المسمى يخالف جذرياً مدربي الفرق المحلية، لأن عمل كل مدرب يختلف عن الآخر بشكل أو بعدة أشكال.
مدرب الفريق يهتم أكثر بالجزء الخططي، تطوير قدرات اللاعبين، صناعة هيكل تكتيكي محكم يسير عليه المجموعة، وبالطبع يعمل ساعات أكثر من أجلى تعديل بعض الأمور وتحسينها من مباراة إلى أخرى. مدرب المنتخب في المقابل رجل يضع الإطار العام أو النظام الرئيسي للمجموعة، ويوفر لهم الغطاء التكتيكي الذي يسمح بتفجير طاقاتهم الفردية وقدراتهم المهارية خلال البطولات المجمعة على وجه الخصوص.
ربما حسن شحاتة ليس مميزاً فيما يخص الجزء الأول الخاص بالأندية والعمل اليومي المتواصل، لكنه كان ممتازاً كمدير فني للمنتخبات لأنه يعرف كيف يتعامل مع النجوم، يوفر لهم البيئة المناسبة للتألق داخل الملعب وخارجه، ولديه أسلوب لعب عام ثابت غير متغير، فقط يقوم من خلاله بتعديل أو إضافة أو حذف بعض العناصر من فترة إلى آخرى، دون المساس بـ “السيستم” الرئيسي لفريقه، وهو ما جعله يفوز بثلاث بطولات أفريقية متتالية، وكان قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى المونديال مع هذه الكوكبة الرائعة من النجوم في 2010.
يختلف مدرب المنتخب عن نظيره في النادي، يحتاج فقط لضبط الأمور ومراقبة النجوم، بالإضافة لوضع النظام التكتيكي العام الذي يسير عليه اللاعبين، مع قراءة المباريات وإدارتها وفق ظروف وقدرات الخصم، ومدى نجاحه في ضبط البوصلة لصالحه إذا احتاج الأمر تدخله بين الشوطين أو قبل النهاية.
بالتأكيد هو أقل من غيره على مستوى البنية التكتيكية والتفاصيل المعقدة، ويقع بعض الشيء بعد فترة طويلة من توليه قيادة أي فريق، لهذا السبب الذي يتعلق بفشله في إيجاد الإطار المتجدد عندما يحفظه المنافسون، لكن في عالم المنتخبات هذه العيوب يمكن التغاضي عنها، لأنه كل مقومات نجاح مدرب المنتخب تتوافر في المعلم حسن شحاتة، وإيمي جاكيه سابقاً في فرنسا، رونالد كومان حالياً مع هولندا، وحتى فرناندو سانتوس وديشامب أوروبياً وعالمياً بالسنوات الأخيرة، سواء الشخصية أو الكاريزما أو النظام العام.

قصة نجاح حسن شحاتة مع منتخب مصر في تلك الحقبة، تشبه إلى حد ما قصة ديل بوسكي مع إسبانيا في 2010، فالعامل المشترك بين الجانبين تواجد فريق قوي محلياً وقارياً خلال نفس الفترة مع مدرب استثنائي. في إسبانيا كان هناك برشلونة بقيادة جوارديولا وفي مصر الأهلي مع البرتغالي مانويل جوزيه. من المجحف ربط نجاح منتخبات إسبانيا ومصر حينها بالثنائي جوارديولا وجوزيه فقط، لكن أيضاً ليس من العدل أو المنطق نسف التأثير الإيجابي لمستوى الفريق المحلي المسيطر حينها وتأثيره بالإيجاب على المنتخب العام.
رحل أراجونيس وجاء ديل بوسكي لتدريب الإسبان، لكن السر لم يكن فقط في قدوم الشيخ الإسباني العجوز، بل في القرار الجريء والشجاع لرئيس برشلونة جوان لابورتا بتعيين بيب جوارديولا كمدير فني للكتلان، ليحصل المدرب الشاب على بطولات عديدة مع البارسا، ويحقق سداسية تاريخية في 2009 كان لها عامل السحر على مسيرة إسبانيا خلال سنوات متتالية.
ميسي هو نقطة الاختلاف الوحيدة بين بارسا جوارديولا وإسبانيا ديل بوسكي. لذلك عوًض الإسبان عدم تواجد البرغوث الأرجنتيني في إعطاء عامل السيطرة لإنيستا، الرسام هو النجم الأميز في الثلث الهجومي الأخير، خلف دافيد فيا المهاجم المتقدم، وأمام خط وسط فولاذي يقوده تشافي هيرنانديز رفقة الثنائي تشابي ألونسو والمفاجأة وقتها بوسكيتس!
في مصر كان قوام الفريق مجموعة المحترفين، بعض المحليين، ونجوم الأهلي، وهذا يحسب لحسن شحاتة لا عليه، لأنه استغل نجاح الأهلي وقتها محلياً وأفريقياً، حصل على مجموعة نجوم تلعب مع بعضها لفترات طويلة، ولديها ميزة الشخصية القوية والقدرة على التنافس، وضم إليهم مجموعة نادرة من المحترفين، رفقة الأسماء الأكثر بروزاً محلياً من هنا وهناك، ليصنع خلطة كروية ناجحة على مستوى الانتصارات والألقاب والظهور الكبير في المحامل القارية وحتى العالمية، لذلك يجب ذكر تلك الفترة بقدر من التقدير والاحترام والإجلال لحسن شحاتة ومانويل جوزيه، وكل من ساهم في جعل الكرة المصرية بمثابة الحاكم الفعلي لقارة أفريقيا خلال زمن لا ينسى من الأمجاد الكروية.