مسقط- توووفه
نجح السيد خالد بن حمد البوسعيدي في العودة إلى واجهة الرياضة العمانية، إثر فوزه في الانتخابات الاستثنائية للجنة الأولمبية التي جرت الخميس الماضي لاختيار رئيس جديد لها، بعد استقالة الرئيس السابق الشيخ خالد الزبير في سبتمبر المنصرم.
الفوز الذي حققه البوسعيدي لم يكن مفاجئًا، فالرجل كما يعلم الجميع رغم ابتعاده الاختياري عن المشهد الرياضي، لايزال يملك حضورًا وتأثيرًا على وسطه، لكن المفاجئ هو فارق الأصوات الذي حققه أمام منافس يفترض أنه أقرب إلى الناخبين بحكم منصبه كنائب لرئيس اللجنة الأولمبية، قبل أن يصبح رئيسًا بالإنابة لما يربو عن تسعة أشهر.
لقد حصل البوسعيدي في هذا السباق على عشرة أصوات من أصل أربعة عشر صوتًا بفارق بلغ 6 أصوات كاملة، وهو رقم هائل وفق معطيات هذه الانتخابات التي يبدو أن الحوسني لم يعد لها العدة كما ينبغي، فكيف فاز البوسعيدي؟ ولماذا خسر الحوسني؟ سؤالان يطرحمها مآل هذه الانتخابات التي سنسعى من خلال هذا التقرير إلى استعراض فرضياتها وكواليس ما جرى فيها.
اللجنة الأولمبية العمانية داخليا
قبل الحديث عن الانتخابات التي جرت، علينا في البداية أن نستعرض ونحلل الأهداف، والغايات للنظام الأساسي للجنة الأولمبية العمانية – تم تعديله عدة مرات – وذلك ليتسنى للقارئ فهم واقع هذه الانتخابات.
فمن خلال نظرة سريعة لهذا النظام نجد أن اللجنة الأولمبية العمانية معنية بشكل أساسي بتنسيق مشاركات المنتخبات الوطنية في المسابقات الرياضية التي تحمل اسم “دورة” على المستويات الإقليمية والعربية والقارية والدولية، ونشر الثقافة الأولمبية والرياضية، ولا تمتلك أية صلاحيات في متابعة شؤون الاتحادات واللجان الرياضية، ودخلها المالي الحكومي السنوي لا يتعدى 405 آلاف ريال، مع بعض الأموال التي تأتي على شكل دعم مالي من المؤسسات الرياضية الأولمبية الدولية كالمجلس الأولمبي الآسيوي ولجنة التضامن الأولمبي التي تدعم البرامج الأكاديمية واللجنة الأولمبية الدولية التي تقدم بعض المساعدات خلال المشاركات الأولمبية.
وبحسب النظام الأساسي يتكون مجلس إدارة اللجنة الأولمبية العمانية من ممثلين للاتحادات الرياضية وهم يمثلون أغلبية الأصوات في المجلس بجانب الشخصيات الرياضية، وممثلة عن لجنةرياضة المرأة، وهو أمر قد يمثل تحديا مستمرا تواجهه اللجنة، حيث في بعض الأحيان تظهر إشكالية تضارب المصالح بين مصلحة اللجنة ومصالح الاتحادات الرياضية، ولذلك لا يمكن القول إن اللجنة الأولمبية العمانية مستقلة ولا تتأثر بتوجهات الاتحادات الرياضية.
ويبلغ عدد الجهاز التنفيذي للجنة الأولمبية 25 موظفا، منهم المدير التنفيذي للجنة والذي يتمتع بصلاحيات محدودة، لأنه يتبع الأمين العام مباشرة وهو في الوضع الحالي للجنة بمثابة المنسق لأعمال الأمين العام، ويعمل الجهاز التنفيذي على تسيير أعمال اللجنة في الجوانب الإدارية والمالية الروتينية، بينما تفتقر اللجنة لوجود خبراء متخصصين في الجوانب التخطيطية والفنية حتى اليوم.
وتحظى الأمانة العامة للجنة الأولمبية العمانية بنفوذ وصلاحيات واسعة في صناعة وتنفيذ القرارات الإدارية والمالية، وحتى كذلك التداخل في الجوانب الفنية كون الأمين العام عضوا ومشرفا على جميع لجان اللجنة الأولمبية العمانية.
الإعداد لمشهد انتخابات الرئيس
بدأت التجهيزات لاختيار رئيس جديد للجنة الأولمبية العمانية مبكرا، من خلال إعادة صياغة لائحة الانتخابات وتكوين لجنة لها ولجنة ثانية للطعون والأمور اللوجستية الأخرى، ومن خلال المعطيات الأولى بدا واضحا أن الشيخ سيف الحوسني سيكون الرئيس القادم للجنة الأولمبية بعد أن أعلن عن ترشحه للمنصب، إلا أن المفاجأة حدثت بدخول السيد خالد البوسعيدي على خط سباق الترشح بتقديم أوراقه في النصف ساعة الأخير من الوقت المتبقي لإغلاق صندوق الترشح للمنصب.
عوار قانوني
وأثناء التجهيز للانتخابات تساءل معظم المتابعين للشأن الرياضي العماني عن قانونية السماح لنائب رئيس اللجنة والمكلف برئاسة اللجنة بالإنابة، بالترشح لمنصب الرئيس دون أن يتقدم باستقالته من منصبه الحالي؟ وهل ستقوم اللجنة بعمل انتخابات أخرى لمنصب نائب الرئيس حال فوزه؟ وكانت الإجابة القادمة من القائمين على إدارة اللجنة والانتخابات بعدم وجود نص قانوني صريح يفرض استقالة عضو المجلس في حال رغب الترشح لمنصب آخر، لذلك السؤال الكبير الذي انبثق بجرمه الهائل أمام الجميع هو كيف ستكون وضعية الانتخابات حال فاز الشيخ سيف الحوسني بمنصب الرئيس؟
الوزارة وانتخابات اللجنة
ظهرت وزارة الشؤون الرياضية في مشهد انتخابات اللجنة الأولمبية العمانية كمؤسسة محايدة، تنأى بنفسها عن أي تدخل في شؤون اللجنة وانتخاباتها، وذلك امتثالا للمرسوم السلطاني رقم (57/2012م) بشأن اللجنة الأولمبية العمانية والاتحادات الرياضية المنتخبة، إلا أن واقع الحال كما رشحت به أقاويل عدد من الأشخاص المقربين من المشهد الانتخابي كان مغايرا لذلك، إذ يؤكد هؤلاء وجود صراع خفي بين قطبين كبيرين داخل الوزارة لدعم المرشحين، أحدهما دعم الرئيس المكلف بإدارة اللجنة، بينما الآخر بذل قصارى جهده لتزكية المرشح الجديد لرئاستها.
وإذا ما صح ما يدعيه هؤلاء؛ فإن محاولات التدخل المتعارضة من مسؤولي الوزارة، أضرت بشكل كبير بسمعة المؤسسة الرياضية الأولى في السلطنة، إذ تبيّن أن وزارة الشؤون الرياضية ليست على وفاق في الآراء وتفتقد للقيادة مما يضعف صورتها في الوسط الرياضي، وهو أمر ستكون له تداعيات سلبية في قادم الأيام.
فالوزارة كمؤسسة حكومية ينبغي أن تلتزم الحياد الإيجابي، وتنأى بنفسها عن التدخل في شؤون انتخابات الهيئات الرياضية بأي صورة كانت، حتى لا تخالف القوانين الرياضية المحلية الصادرة بموجب المراسيم السلطانية المنظمة للعلاقات بين المؤسسات والهيئات الرياضية داخل السلطنة.
كيف فاز البوسعيدي؟
ابتعد السيد خالد بن حمد البوسعيدي عن المشهد الرياضي في السلطنة لما يقارب 3 سنوات، بعد أن قرر عدم الترشح مرة جديدة لمنصب رئيس مجلس الاتحاد العماني لكرة القدم، ولكنه عاد بعد كل تلك الفترة ليحقق فوزا كبيرا بعدد 10 أصوات مقابل 4 أصوات لمنافسه على منصب رئاسة اللجنة الأولمبية العمانية الذي كان موجودًا في اللجنة الأولمبية لفترة طويلة جدا.
وكانت هذه الفترة كفيلة بأن يوجد خلالها علاقات قوية مع أعضاء الجمعية العمومية للجنة الأولمبية، كما كان يترأس لجنة التخطيط والمتابعة والتي من المفترض أن تكون من أقوى لجان اللجنة، إضافة لكل ذلك فهو نائب رئيس اللجنة ورئيسها بالإنابة، إلا أن كل ذلك لم يكن كفيلا لمساعدته للتغلب على السيد خالد البوسعيدي أو الخسارة أمامه بشكل مقبول.
دخول السيد خالد صراع هذه الانتخابات التي سبق وأن خسرها في الدورة قبل الماضية، يظهر أنه عمل على تلمس آراء أعضاء الجمعية العمومية للجنة الأولمبية العمانية قبل اتخاذ قرار دخول منافستها، فحسب ما يشاع فإن السيد خالد وجد تشجيعا من معظم أعضاء الجمعية العمومية الذين رحبوا بترشحه ودعموه؛ لعدة أسباب أهمها تحضيره الجيد لملف يحتوي على أهم ما يرغب في تحقيقه إن فاز برئاسة اللجنة، لعدم رضا وامتعاض عدد كبير منهم من الطريقة التي تدار بها اللجنة، التي تسيطر الأمانة العامة على جميع شؤونها.
بينما وجد بعض أعضاء الجمعية العمومية أن وجود السيد خالد سيمنح اللجنة فرصة جديدة لتقديم نفسها بشكل مختلف من حيث الصورة والمضمون، ويراهن هؤلاء على أن البوسعيدي ستكون له بصمة إيجابية في إدارة اللجنة داخليا وخارجيا، إلى جانب قدرته على عقد شراكات مهمة على مستوى التسويق، وربما الحصول على تمويل حكومي إضافي، كما يراهنون على قدرته على توسيع صلاحيات اللجنة الأولمبية العمانية للبروز بشكل أكبر في إدارة القطاع الرياضي العماني لاسيما في ظل تراجع دور وزارة الشؤون الرياضية في السنوات الأخيرة واهتمامها بشؤون الملتقيات وإقامة المسابقات على حساب جوانب التخطيط ووضع سياسات إدارة قطاع الرياضة العمانية.
كيف خسر الحوسني
يعد الشيخ سيف الحوسني من الشخصيات الرياضية المعروفة حيث تبوأ عدة مناصب قيادية في رياضة السلطنة، لربما أهمها رئاسته للاتحاد العماني لألعاب القوى؛ إلا أن عدم نجاحه في تحقيق رؤيته التي كانت بعنوان 360 درجة، ونشوب خلافات حادة بين أعضاء مجلس إدارة اتحاد ألعاب القوى خلال الفترة التي تولى فيها رئاسته، كانت حاضرة وأثرت كما يبدو كثيرًا على حظوظه في انتخابات رئاسة اللجنة الأولمبية.
ويرى القريبون من مشهد الانتخابات أن الشيخ سيف قد خسر سباقها منذ أن قرر الاعتماد على دعم الآخرين له دون أن يقوم بفعل الكثير لاستمالة الناخبين من خلال استغلال منصبه كرئيس للجنة الأولمبية بالإنابة لإيجاد علاقات قوية تقطع الطريق على أي منافس محتمل له.
حسابات الحوسني لم تكن دقيقة لاسيما إذا صح ما يشاع بأنه اعتمد لتحقيق الفوز على نفوذ أحد كبار المسؤولين في القطاع الرياضي الذي كما يقال بأنه أصر على الحوسني بضرورة مواصلة سباق الترشح حتى النهاية، وعدم الانسحاب رغم أن المعطيات كانت تصب لصالح البوسعيدي، لكن المسؤول كما يبدو اعتقد أن منصبه كاف لتسهيل مهمة وصول الحوسني لمقعد الرئاسة.
من جانب آخر فإن الحوسني ومن يدعمه ربما تبنيا استراتيجية اللعب على التناقضات معتقدين أنها قد تسهل مهمته على اعتبار إن هناك العديد من الشخصيات الرياضية لا ترغب في عودة السيد خالد بن حمد للمشهد الرياضي، ويبدو أن ذلك لم يكن كافيا لتحقيق الفوز في الانتخابات.
توجس من البوسعيدي وتحديات قادمة
لاشك أن هناك توجسا من ترؤس السيد خالد بن حمد البوسعيدي للجنة الأولمبية العمانية على أكثر من صعيد، حيث يقول البعض إن الرئيس الجديد ربما سيقع في نفس الأخطاء التي وقع فيها أثناء فترات ترؤسه لاتحاد كرة القدم، حينما أخفق في إدارة الملف المالي للاتحاد الذي كان يتحصل على أموال تعد ضخمة بالمقارنة مع أية هيئة رياضية عمانية أخرى.
مما يطرح تساؤلا مهما بهذا الخصوص، وهو كيف سيتعامل الرئيس الجديد مع دخل مالي قد لا يتعدى 500 ألف ريال عماني في العام الواحد؟ وهناك سؤالان آخران يدوران في أذهان الكثير من المتتبعين للرياضة العمانية وهما هل سيقدم الرئيس الجديد للجنة الأولمبية العمانية على الترشح من جديد لرئاسة الاتحاد العماني لكرة القدم؟ وهل ستكون هناك تداعيات سلبية على رياضتنا في حال تحقق ذلك؟
لا شك أن اللجنة الأولمبية العمانية وفقًا لشخصية البوسعيدي ستشهد تغييرات واسعة خلال المرحلة القريبة القادمة، وقد يتفجر فيها تصادم داخلي بين الرئيس الجديد الذي قد يكون لديه الكثير من التحفظات على طريقة إدارة اللجنة، وبين الأمين العام الذي تعود طوال السنوات الماضية إدارة ملفات اللجنة جميعها بمفرده، وبصلاحيات واسعة جدا ومنها اختيار أعضاء اللجان، والوفود التي تمثل اللجنة في المشاركات الخارجية، ويستحوذ على ملف العلاقات الخارجية للجنة.
ويتوقع أيضًا أن تتأثر علاقة اللجنة الأولمبية العمانية ممثلة برئيسها الجديد مع وزارة الشؤون الرياضية على خلفية المحاولات المزعومة للتأثير في سير الانتخابات ضد الرئيس الجديد، مما يرجح وقوع صدامات صامتة بسبب العديد من الملفات التي ستكون محل حوارات قد تؤدي إلى التهاب الوسطى الرياضي، لعل أبرزها الدعم المالي، ومراكز إعداد الناشئين، ومشروع إعداد البطل الأولمبي، وصلاحيات اللجنة.
المستقبل
من الملاحظ أن السيد خالد بن حمد البوسعيدي رئيس اللجنة الأولمبية العمانية قد استفاد من تجربته السابقة التي قضاها في الاتحاد العماني لكرة القدم، وأول المؤشرات أنه لم يستخدم الإعلام بالطرق التي تعود استخدامها سابقا، بل آثر العمل في صمت جعل البعض يعتقد أن خسارته لسباق الترشح شبه مؤكدة.
وكذلك الوعود التي أطلقها لأعضاء الجمعية العمومية للجنة الأولمبية أثناء سعيه لإقناعهم بانتخابه لرئاسة اللجنة، بدت بحسب المعلومات الواردة واقعية وتحقيقها في المتناول، ومع ذلك يجب الانتظار لما ستسفر عنه الــ 100 يوم القادمة، التي يعدها الكثيرون مجرد مرحلة تمهد للدورة القادمة التي سيسعى البوسعيدي دون أدنى شك إلى تصدر مشهدها.