تقرير- محمد العولقي
دأب نادي بايرن ميونخ الألماني على إبرام صفقات تثير السخط، وترفع من غليان الجدل إلى الدرجة القصوى، وفقا وهذه البديهية يمكن اعتبار صفقة جلب الكرواتي المخضرم إيفان بيريسيتش من إنتر ميلان الإيطالي بنظام الإعارة لموسم واحد قابل للتجديد وشراء عقده من النادي الايطالي، تصب في نفس منهجية هذا النادي الذي يتعاطى الغرائب بطريقة لا ينتهجها سواه.
أكدت كل تعاقدات البايرن – قديمها وحديثها – أنه دائم الإخلاص لرؤية مختلفة عن الأندية الأوروبية الكبيرة، فهو متعود دائما على السير في ظل قاعدته الذهبية (خالف تعرف)، بدليل أن ترحيبه بلاعبين دخلوا نفق أرذل العمر كرويا يقابل في أوروبا بسخرية ليس لها حدود.
بالنسبة للذين يرون في صفقة الكرواتي إيفان بيريسيتش صاحب الثلاثين عاما منطقية بحكم العادة البافارية، لم يندهشوا من خيار مدرب بايرن ميونخ الكرواتي نيكو كوفاتش، لكن الدهشة الحقيقة كانت في الواقع من نصيب إعلام بافاريا.
البايرن ليس دارا للمسنين..
خرجت صفقة استقدام بيريسيتش من إنتر ميلان عن المألوف هذه المرة ، فيما تعرض صاحب عملية الإعارة للكثير من ردود الأفعال الإعلامية الغاضبة، الغضب الساطع في بافاريا من خيار المدرب كوفاتش اتخذ منحى جديدا هو الأول من نوعه.
الغضب الإعلامي من الصفقة تصاعد كثيرا مع تقديم النادي للاعب الكرواتي الذي اجتاز الفحص الطبي بنجاح، وأصبح الغضب الشعبي البافاري كالنار تسري في الهشيم.
ووسط العاصفة المعارضة للتعاقد مع بيريسيتش وجد المدرب نيكو كوفاتش نفسه وحيدا يصارع كل تلك الاحتجاجات التي لم يعتدها النادي، على الرغم من أنه أبرم صفقات مع لاعبين سابقين كانوا أكبر من بيريسيتش عمرا.
الامتعاض الذي اجتاح بافاريا دفع المدرب كوفاتش للدفاع عن مواطنه أمام لفيف من الإعلاميين وجبل من الكاميرات الرقمية الفضائية والفوتوغرافية:
” كل لاعب نستقدمه إلى البايرن يستحق الاحترام، وهناك لاعبون لا يعاملون من قبلكم كما يجب، ذلك لأنهم ببساطة من فئة ثانية أو ثالثة”.
هذا الكلام المبطن للمدرب لم يعجب الصحيفة الرسمية لنادي بايرن ميونخ، التي ردت على المدرب:
“بيريسيتش ليس لاعبا خارقا حتى تطالبنا بتصنيفه ضمن الفئة الأولى م،ن تظنه في رأيك: فرانك ريبيري أو آريين روبن؟”
فيما خرجت ذات الصحيفة بمانشيت قاس بحق كوفاتش وبيريسيتش معا: بايرن ميونخ ليس دارا للمسنين ..!
غضب وردود أفعال ساخنة..
الغريب أن نيران الانتقادات التي تحرق أخضر المدرب كوفاتش ويابسه تأججت أكثر وأكثر، عندما صب رئيس النادي كارل هينز رومينيغه المزيد من الزيت على النار البافارية المستعرة أصلا:
“نعم أقولها بصراحة، لم يكن إيفان بيريسيتش خيارنا الثاني أو الثالث، من وجهة نظر الإدارة لن يضيف إيفان لنا شيئا، لأنه لايتناسب مع ثقافة فريقنا، لكننا ديمقراطيون وعلينا تقبل خيار كوفاتش بصدر رحب “.
ولم يتوان مدير النادي أولي هونيس عن تسجيل اعتراضه على صفقة استقدام بيريسيتش بنظام الإعارة قائلا:
“لسنا هنا دارا للمسنين، نادي بايرن ميونخ لا يجلب لبافاريا سوى عباقرة اللعبة”
رسالة الإدارة وصلت إلى بيت المدرب الكرواتي نيكو كوفاتش، الذي استغل الفرصة بعد مباراة بايرن ميونخ أمام كوتبوس في كأس ألمانيا ليرد على هونيس بطريقته:
“لم نعد بحاجة للثرثرة، إيفان خضع للفحص الطبي وبات بافاريا بنسبة مائة في المائة، ومن ينتقدنا لأننا تعاقدنا مع لاعب بعمر الثلاثين عاما أ،قول لهم: ستيفان إيفنبيرج جاء للبايرن بعمر الثلاثين وجلب للنادي دوري أبطال أوروبا عام 2001”.
ورطة كوفاتش ..
المد والجزر بين مدرب البايرن من جهة و الإعلام والإدارة والجمهور من جهة أخرى يفرض سؤالا منطقيا للغاية، لماذا هذه الحملة القاسية ضد إيفان بيريسيتش؟
منطقيا لم يخرج كوفاتش عن تقاليد البايرن الذي عودنا دائما على تقديس اللاعبين المخضرمين، ولعل جلب الإسباني تشافي ألونسو من ريال مدريد وهو في سن الثالثة والثلاثين دليل جديد على توجه البايرن في سوق الانتقالات
بحسابات المنطق، إيفان بيريسيتش يمكنه العطاء لثلاثة مواسم قادمة، فهل المشكلة تكمن في شخصيته المتمردة ..؟
ربما كانت تصرفات إيفان مع نادي إنتر ميلان واحدة من العقبات التي يخشاها بايرن ميونخ، ففي المقام الأول تضع الإدارة سلوك اللاعب قبل عطائه، فهل كوفاتش يمتلك كل الأدوات التي يمكنه بها ترويض مواطنه الذي تشي شخصيته عن محارب لا يتقيد دائما بما هو مطلوب منه داخل الملعب ..؟
لا يلتفت كوفاتش كثيرا للانتقادات الموجهه ضد قناعاته في بيريسيتش، هو المسؤول الأول عن الفريق، والوحيد الذي يرى ما لا يراه الآخرون ..
بالمقابل يطل من نافذة كوفاتش سؤالا محوريا لا يمتلك إجابته في الوقت الراهن سواه: إذا كان كوفاتش يؤمن بقدرات بيريسيتش في الجهة اليسرى التي كانت إقطاعية خاصة للفرنسي فرانك ريبيري، فلماذا جلبه معارا ؟ لماذا لم يشتر البايرن عقده رسميا بدلا من نظام الإعارة لموسم واحد ..؟
ربما تأثر كوفاتش كثيرا برأي الإدارة التي لا تريد المجازفة مع لاعب يختلف كليا عن كل عقليات اللاعبين الذين استقدمهم البايرن طوال تاريخه، وربما أن كوفاتش لا يريد المجازفة وتوريط نفسه في صفقة قد تحرم النادي من التعاقد مع لاعب يساري الموسم القادم على أبعد تقدير.
وأيا كانت المبررات التي تلف صفقة الإعارة ، فلا يبدو نظريا أن الإدارة مقتنعة بخيار المدرب من أصله ، وهو ما يعني أن بيريسيتش سيكون ضيف شرف في انتظار أي إصابة يتعرض لها الفرنسي كينجسلي كومان خليفة ريبيري المفضل لكل البافاريين..
بيريسيتش .. محاسن ومساوئ ..
بعيدا عن انفعالات البافاريين وامتعاضهم من فكرة جلب بيريسيتش من إنتر ميلان بنظام الإعارة لموسم واحد ، يمكن فهم محتوى الصفقة على أنها تغطية مؤقته لحين اصطياد هدف بايرن الأساسي، الامر بطبيعة الحال يتعلق بالمهاجم الألماني ليروي ساني نجم مانشستر سيتي.
يرمي بايرن ميونخ بكل ثقله على تحرير ساني من مانشستر سيتي بطل البريمر ليج، ففي ظل عدم اعتماد بيب جوارديولا على الألماني السريع، وتفضيله البرتغالي برناندو سيلفا يبدو ساني قريبا جدا من الانضمام للبايرن في مرحلة أقصاها الموسم القادم.
لم يكن إيفان بيريسيتش خيارا استراتيجيا بالدرجة الأولى، لكنه في الأساس خيار مؤقت لحين إبرام الصفقة الأهم التي يتوق إليها كل البافاريين، فمن ناحية يستطيع ساني بفضل سرعته الرهيبة وفنياته العالية تعويض رحيل فرانك ريبيري، ومن ناحية أخرى يستطيع البايرن استعادة ثقله في الميركاتو بما يتناسب مع تاريخ النادي الكبير ..
هل هناك قواسم مشتركة بين ساني وبيريسيتش يراها كوفاتش ولا يراها رومينيغه أو هونيس؟
ربما كان من أخطر عيوب بيريسيتش أنه لا يمتلك السرعة الكافية التي تميز ليروي ساني أو كينجسلي كومان، لهذا دائما يفشل في المواجهات المباشرة واحد ضد واحد..
العيب الآخر الذي لا يخدم نظام لعب البايرن يكمن في تقدم اللاعب في العمر، وهو عامل حيوي ينعكس تماما على مقارعة بيريسيتش للمدافعين عند تضييق المساحات، خصوصا في مباريات كبيرة من وزن دوري أبطال أوروبا..
بالمقابل هناك محاسن كثيرة يمكن أن تخدم بيريسيتش في رحلة التحدي وإثبات أنه يستحق ارتداء فانلة البايرن، من أبرزها أنه يعرف البوندسليجا تماما، فقد سبق له أن لعب لفريق فولفسبورج وفاز معه بكأس المانيا عام 2013، وبروسيا دورتموند
يتقن بيريسيتش اللغة الألمانية تماما..
وهو يستطيع الاندماج في منظومة البايرن دون دخول في تفاصيل التأقلم، وفوق هذا وذاك يرتبط بيريسيتش بعلاقة وثيقة جدا بمدرب البايرن مواطنه نيكو كوفاتش فقد سبق له العمل معه في منتخب كرواتيا، ومن المرجح أن يمنحه ثقة مطلقة ستساعده دون شك على فرض شخصيته داخل الملعب.
لاعب بايرن ميونخ السابق لوثار ماتيوس يرى أن بيريسيتش لاعبا قويا جدا في العراك البدني، وهو يشيد دائما بقدرته على المراوغة وخلق التفوق العددي المطلوب عند المساندة الدفاعية، ويراهن على نجاحه مع بايرن ميونخ، لكن الحالة الغزلية التي استقبل بها ماتيوس الكرواتي بيريسيتش يراها عشاق البايرن نذير شؤم..
فمن النادر جدا ان تصدق تنبؤات ماتيوس، فهو عندما يثق في حدسه تكون النتيجة الانقلاب إلى الضد، فهل تصريحات المنحوس ماتيوس ستكون وبالا على بيريسيتش الجناح الكرواتي صعب المراس والذي كان أحد أهم العناصر التي منحت كرواتيا فضية العالم بروسيا قبل عام..؟
لنترقب حالة الدراما البافارية عن كثب، فغدا لناظره قريب ..!