تحليل- محمد عصام
كيف تواجه ليفربول في أنفيلد؟ السؤال الذي حيّر الملايين، وتباينت إجابته بين مختلف المدارس الكروية، من واجههم بسلاح الدفاع والمرتدات، وآخر قرر أن حرمانهم من الكرة أطول مدة ممكنة هو الحل الأسلم، ولكن الأكيد أن أحداً لا يملك إجابة قاطعة في هذا الصدد، وأن ساحة الأنفيلد شهدت معاناة كل الخصوم في سنوات يورجن كلوب القليلة الماضية.
وبعد الإقرار بما سبق، يجب القول أن ما تبعه أوناي إيمري في مواجهته بالأمس ضد ليفربول سهّل كثيراً من مهمة الريدز، وأفضى إلى خسارة أرسنالية صارت معتادة في مقاطعة الميرسيسايد.
لسبب ما رأى إيمري أن الصواب في البدء برباعي الوسط Diamond، حيث يشارك الثنائي جندوزي يميناً، وويلوك يساراً أمام المحور جرانيت تشاكا، وفي ذات السياق، وجد أنه لا يملك أجنحة قادرة على أداء الأدوار الدفاعية أمام ظهيري الريدز، فأوكل هذه المهمة لثنائي وسط فريقه للميل على طرفي الملعب، والتصدي لغارات أرنولد وربيرتسون التي لا تتوقف.
ولنفس السبب، قرر مدرب أرسنال أن حل دفاعات ليفربول سيتم عبر تجنب الدخول في صراعات بدنية مع الثنائي فان دايك، وماتيب، بل في الاعتماد على سباق السرعة المتمثل في شراكة الجابوني بيير إيمريك أوباميانج، والشاب نيكولاس بيبي، والإبقاء على لاكازيت حبيساً لدكة البدلاء، أي اختار ملاحقة الكرة في المساحات، بدلاً من توجيهها نحو هدف قادر على ترويضها، وإعطاء الوقت لتحركات زملائه.
قرار تلو الآخر رسم شكل المباراة قبل بدايتها، الجانرز في الدفاع، ومنطقة ما بعد وسط الميدان محرّمة على ظهيرَيهم، والعمل الهجومي كاملاً ملقى على عاتق داني سيبايوس للتواصل مع أوباميانج وبيبي، مع كرات طولية من دافيد لويز وتشاكا نحو المساحات خلف دفاع ليفربول.
أما يورجن كلوب فلم يلتفت كثيراً لدراسة خطة إيمري المجهزة خصيصاً لهذه المواجهة، بل أطلق العنان لفريقه ليلعب بطريقته المعتادة، فكما يحدث في ليفربول عادة حين يواجه هذه التكتلات، يدور الحل دائماً حول ذات المحور، المزيد ثم المزيد من عمل ظهيري الفريق، منهم وإليهم تعود الهجمات، حيث لمس أرنولد وروبيرتسون الكرة (108) و(98) مرة على الترتيب، متفوقَين بذلك على كل زملائهم، ولو افتقدت عرضياتهم الدقة في أغلب الأحيان.
ربما انتصر إيمري لقناعاته حال حصل على الأفضلية بفرصة أوباميانج، أو انفراد بيبي واللذان كانا الفرصتَين الأوضح في الشوط الأول، لكنها الرعونة غير المفهومة التي تصحب ارتداء العديد من اللاعبين لقميص الجانرز.
لأن ما تلى ذلك ببساطة كان هدفاً من ركنية استغل فيها أبناء يورجن كلوب أقل القليل من الفرص. هناك عنفوان وحيوية مميزتان لرجال ليفربول على أنفيلد بلا شك، يخطون بها كل خطوة بثقة أكبر، وترتقي بفردياتهم فوق كل اعتبار جماعي، أو قصور تكتيكي.
مع نهاية الشوط الأول على هذا التقدم، مارس أرسنال هواية فقدان البوصلة التي يجيدها بجدارة، واستمر وضعه تحت موجة هجومية تلو الآخرى، ولأن إصرار قطرات الماء المتلاحقة يفتت الصخور، فدفاع أرسنال أبعد ما يكون عن الصخر، وهجوم ليفربول أقسى حتماً من الماء.
هدفان فصل بينهما عشر دقائق جعلت النتيجة تشير إلى تأخر أرسنال بثلاثية كاملة، في حين أوضحت الساعة بقاء ثلاثين دقيقة في عمر المباراة.
واستمراراً لإدارة إيمري الكارثية للمباراة، قرر في هذا الوقت دوناً عن غيره أن درء المفاسد مقدم على جلب المنفعة، وأنه يجب إغلاق الثغرة الدفاعية لتجنب استقبال المزيد من الأهداف، وذلك بسحب العنصر الهجومي الوحيد في وسط الفريق داني سيبايوس، وإضافة توريرا والذي –ربما- عطفاً على أحداث المباراة كان من الواجب إشراكه أساسياً.
المسألة أن المفاسد قد جاءت فعلياً، ولا درء لها سوى بالهجوم ومحاولة التعويض، ولكن أبقى إيمري -مثلاً- على ويلوك لسبب لا يعلمه أحد، حتى ويلوك شخصياً على الأرجح.
حين لا تتخذ إجراءاً لتغيير الأمور، فلن تتغير ببساطة، وهو ما حدث فعلياً في دقائق متوالية لأرسنال، المزيد من الارتباك الدفاعي، وافتقاد هيكل هجومي، حتى أنه وفي إحصائية مثيرة في الدقيقة السبعين أشارت أن ليفربول لمس الكرة داخل منطقة جزاء أرسنال 45 مرة، مقابل 5 مرات فقط للجانرز.
وصل ألكساندر لاكازيت آخيراً مع تبقي عشر دقائق حتى النهاية، وسجل أرسنال هدف حفظ ماء الوجه المعتاد، واكتفى بهذا القدر من محاولته لفرض شخصيته المؤقت.
لن تحدد هذه المباراة شيئاً من مصير أي الفريقين –رغم إثباتها ابتعاد مستوى ليفربول والسيتي عن البقية-، في الواقع فأرسنال يملك مجموعة قادرة على إعادة الفريق بين النخبة الأربعة الكبار هذا الموسم، لكن لايمكن التحقق من حدوث ذلك إذا استمر في سجله السلبي ضد كبار البريميرليج في ملاعبهم، فهذه الخسارة تجعله قد حصد ثمان نقاط من أصل 66 نقطة ممكنة في هذه المواجهات منذ يناير 2015، وهو رقم لا يحمل بشرى طيبة لعشاق هذا الفريق اللندني العريق.