
تحليل- أحمد مختار
هو أسوأ مواسم بيب جوارديولا التدريبية، الحقيقة أنه أسوأ من موسمه الأول مع السيتي، وهنا التقييم ليس على مستوى النتائج لأن الطريق لايزال طويلاً، ولكن الحديث عن استراتيجية اللعب والخطط والتكتيكات، وحتى اختيارات التشكيلة الأساسية، وبالتأكيد مستوى بعض اللاعبين الذين يشاركون باستمرار رغم ضعفهم.
كل هذه الأمور جعلت السيتي ضعيفاً بوضوح على المستوى الخططي، ليتحمل جوارديولا وطاقمه جزءا رئيسيا مما يحدث، مع كامل التأكيد على بشاعة الإصابات وكثرة الغيابات، وضعف التدعيمات بالخط الخلفي.

“نحن نلعب كرة يسارية، الكل في الكل، بمجرد قطع الكرة يجب أن نستعيدها في ثوان معدودة”، هكذا يقول جوارديولا دائما ويتفاخر بفرقه التي تضغط بامتياز وتخنق الخصم في نصف ملعبه دون توقف.
استراتيجية أوجدها في برشلونة، كررها مع بايرن، ووصل بها للقمة مع مان سيتي في آخر موسمين بالأخص، لكنه لم يقدم المطلوب هذا الموسم، لعدة أسباب أهمها:
– ضعف الضغط المقدم من لاعبي الهجوم، أجويرو ليس جيدا بدنيا هذا العام، بعيدا عن فورمته الضعيفة في الحسم أمام المرمى.
– ضعف التحولات من الدفاع إلى الهجوم، لعدم وجود الجناح القادر على الركض والمراوغة في آن واحد، محرز يصنع ويسجل، ستيرلينج يسجل، لكن ليروي ساني كان يضغط ويصنع ويسجل وينقل الهجمة من الخلف إلى الأمام.
– انخفاض مستوى خط الوسط في الافتكاك، التحولات، والارتداد الخلفي، وهذا العنصر هو السبب الرئيسي في ضعف مردود السيتي مؤخراً.
دافيد سيلفا في آخر أيامه الكروية، الإسباني يلعب على الواقف، دي بروين نفسه يركز أكثر على الهجوم والصناعة والتسديد، لكن ارتداده الدفاعي أصبح ضعيفا، لذلك يتواجد رودري باستمرار بمفرده رفقة ثنائي الدفاع في كل مرتدة.
رودري نفسه يتطور لكنه ليس فرناندينيو على مستوى قنص الكرة الثانية، أو ارتكاب الفاولات التكتيكية لتعطيل الهجمات، مما جعل المنطقة الموجودة بين دفاع السيتي ووسطه Zone 14 متاحة وبشدة للمنافسين.
“زونال ماركينج” نفسه في تحليله لمباراة تشيلسي وسيتي في الاتحاد، تحدث خصيصا عن المساحات المتاحة خلف دي بروين ودافيد سيلفا بدون الكرة، وهذا وضح بشدة خلال الشوط الأول بالأخص.
أكثر من هجمة لتشيلسي، تجد رودري وحيداً دون ثنائي الوسط أثناء التحولات، مما يجبر فرناندينيو أو المدافع الآخر على الصعود بجواره للمقابلة، ويدخل أحد الظهيرين للداخل من أجل التغطية، فيصبح الطرف متاحاً أو حتى العمق نفسه أمام مرمى إيدرسون.
مان سيتي هجومياً لا يزال الأقوى في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، سواء على مستوى عدد الفرص أو الأهداف المسجلة أو حتى نسبة الأهداف المتوقعة وفق عدد وحجم التسديدات أمام مرمى الخصوم.
كذلك يفترض أن يحقق السيتي 37 نقطة بدلاً من 32، حسب مستواه وأدائه في بعض المواجهات، كما حدث ضد توتنهام، نيوكاسل، وحتى ليفربول، كما تؤكد إحصائيات شبكة “آندر ستات” المهتمة بنسب التوقع على مستوى الأهداف والنقاط.
كل هذا جيد لكن في المقابل يعاني فريق جوارديولا بشدة على مستوى الدفاع، لدرجة استقباله 19 هدفا حتى الآن رغم أننا لازلنا في بداية ديسمبر، بالإضافة إلى انخفاض مستوى عدد كبير من نجومه الأساسيين، ولنا عبرة بالثنائي دافيد سيلفا وبرناردو سيلفا، مما يعني أن الفريق لديه خلل ما في طريقة لعبه، بعيداً عن عدد النقاط وحسابات صراع اللقب مع ليفربول وليستر سيتي.
الأرقام والإحصائيات تخبرنا بالمزيد حتماً، شبكة “سكاي سبورتس” ومحررها “آدم بات” وضعا بعض البيانات التي تؤكد ضعف منظومة السيتي هذا الموسم، على مستوى الضغط وافتكاك الكرات والحيازة وفقدان الكرة، وبالتأكيد تأثير كل ذلك على الضعف الدفاعي واستقبال عدة أهداف في المباريات السابقة، محلياً وأوروبياً.
وفقاً لشبكة «أوبتا»، استقبل السيتي هدفا واحدا من هجمة مرتدة خلال 59 مباراة محلية، رقم يدل على ذكاء الفريق في التعامل مع التحولات الدفاعية، لكنه استقبل هدفين بنفس الطريقة خلال 10 دقائق في مباراة وولفرهامبتون عن طريق جملة تكتيكية تكررت مراراً في المباراة، وتكرر هذا الأمر في شكل فرص خلال المواجهات الماضية أمام تشيلسي، ليفربول، ومانشستر يونايتد.

افتقد السيتي إلى “الفاولات” التكتيكية التي كان يقوم بها الثلاثي فرناندينيو، لابورت، وكومباني، فالأول عاد إلى مركز الدفاع بسبب النقص، والثنائي أصيب لفترة طويلة، والثالث رحل مضطراً بسبب الإصابات.
كان معظم التركيز على فرناندينو البالغ من العمر 34 عامًا في الدفاع، لكن غيابه في خط الوسط بدلاً من وجوده في الخط الخلفي هو الذي يقوض خطة جوارديولا.
رودري بديل أنيق تحسن إدراكه في عهد دييجو سيموني في أتلتيكو مدريد، لكن غرائزه الدفاعية مازالت تحتاج للعمل، وعلى الرغم من أنه الشاب الأصغر سناً، فإنه لا يملك طاقة فرناندينيو، ضد يونايتد، كان سلبياً للغاية في الاستعداد لهدف أنتوني مارتيال، فسمح لنفسه بالخروج من مركزه، والحديث هنا نقلاً عن “سكاي سبورتس”.
دافيد سيلفا هو الآخر في آخر أيامه الكروية، انخفضت معدلات استخلاصه للكرة في نصف ملعب الخصم بطريقة بشعة، من 6 كرات يستخلصها خلال المباراة الواحدة بموسم الـ 100 نقطة إلى أقل من 3 هذا الموسم، مما يجعل ضغط السيتي هو الآخر ضعيفاً مثل عملية البناء من الخلف التي افتقدت لبعض العناصر الأساسية.
تركيبة خط الوسط التي اعتمدها جوارديولا زادت من قدرات دي بروين الهجومية، لكنها أفقدته الثقل الذي يعطيه للعمق على مستوى الارتكاز، فالبلجيكي أصبح يتواجد أكثر في أنصاف المسافات على اليمين، بالقرب من الجناح برناردو، خاصة في ظل عدم وجود جناح طرفي على الخط مثل ساني سابقاً.
يفتح الملعب عرضياً لصناع اللعب بالعمق، مما أبعد دي بروين بعض الشيء عن لاعب الارتكاز رودري، وجعل وسط السيتي فارغاً في المنتصف، لأن سيلفا بطيء، ولأن دي بروين منشغل بالربط مع برناردو وكأنه نصف جناح لا لاعب وسط، مما جعل رودري -الذي يحتاج إلى تعديل وعمل وتطوير- وحيداً في معظم الأحيان.
لا يزال الوقت مبكراً للتعديل، حتى إذا خسر السيتي لقب الدوري فإن الأمر سيكون مقبولاً لفريق سيطر على بطولات إنجلترا بالطول والعرض في آخر موسمين، لذلك على الفريق وطاقمه الفني الرد في النصف الثاني من الموسم، باستعادة الأداء القوي أولاً، ورفع معدلات الافتكاك والضغط وزيادة وتيرة التحولات، حتى يستعيد جوارديولا فريقه الحقيقي الذي أبهر الجميع سابقاً.
ليس بالضرورة أن يكون الحل في الفوز بدوري الأبطال، لكن على الأقل يجب على السيتي أن يعود كخصم تنافسي حقيقي، يلعب بطريقة مميزة، يدافع من وضع الهجوم، ويهاجم من الدفاع، أن يكون الكل في الكل، كما عرف سابقاً على جوارديولا وفرقه، أينما ذهب وارتحل، وإلا سيكون هذا الموسم هو الأخير له في الاتحاد، حتى وإن قال العكس عبر وسائل الإعلام!