دييغو سيميوني.. الاقتناع بقناع الخداع ..!

تحليل- محمد العولقي

“ليس علينا أن نتطلع إلى هدف يلوح لنا باهتا من بعيد، إنما علينا أن ننجز ما بين أيدينا من عمل واضح وقريب”، لطالما كان الأرجنتيني دييغو سيميوني مغرما ومهووسا بتلك العبارة التي أطلقها الأديب الإنجليزي الكبير توماس كارلايل، ولطالما غيرت تلك العبارة من شخصيته كمدرب، فقد جعل منها دستورا يستند إليه في تجربته الطويلة كمدرب لأتلتيكو مدريد الإسباني ..

لربما ظلت بطولة لاليجا الإسبانية هدفا بعيدا في مفكرة سيميوني، لكنه ظل ينظر لفريقي برشلونة وريال مدريد كهدف واضح وقريب، فالفوز عليهما معا أو على أحدهما على أقل تقدير، يعتبر نجاحا لفلسفة سيميوني السابقة، منذ قدوم سيميوني إلى مدريد وهو يضع نصب عينيه مضايقة الجار ريال مدريد بكل السبل والوسائل الممكنة وغير الممكنة، ثم يأتي برشلونة كهدف ثان أقل قيمة من الهدف الأول الذي صب سيميوني عليه جام غضبه في كثير من المناسبات..

يبدو سيميوني مدربا بوجهين متناقضين، وجه شرس شراسة لا حدود لها عندما يواجه الجار ريال مدريد ثم بدرجة أقل برشلونة، ووجه طيب وديع أمام صغار لاليجا، حيث يسقط أتلتيكو مدريد أمام تلك الفرق بسهولة وسذاحة..

مؤخرا قدم أتلتيكو مدريد مباراة كاملة الأوصاف بدون أخطاء أمام ريال مدريد في نهائي كأس السوبر الإسباني على ملعب الجوهرة المشعة بجدة، كان عرضه القتالي امتدادا لما يقدمه من حالات خارج النص أمام الميرينجي، ورغم خسارته في النهاية بفارق ركلات الترجيح إلا أن سيميوني انتهج نظاما تكتيكيا صارما، صادر من خلاله كل قدرات لاعبي ريال مدريد الهجومية..

كان أداء الأتلتيك في تلك الأمسية متكاملا، ضغط مستمر على حامل الكرة، نقل الكرات دون أخطاء، منع المنافس من الاختراق من العمق أو الرواقين، لياقة بدنية وذهنية عاليتين، بالمقابل كان الأتلتيك خطيرا جدا في الكونتراتاك، وعندما خرج من تلك الموقعة عملاقا، سقط قناع ذلك الفريق العملاق أمام فريق إيبار في الدوري، وانحدر أمامه بسذاحة بهدفين دون رد..

هذه الخسارة من فريق صغير، وذلك المستوى الضعيف الذي ظهر به اللاعبون يجعلنا نتساءل : لماذا يبدو أتلتيكو مدريد صغيرا أمام الصغار ..؟وعملاقا ومتوحشا عندما يقابل ريال مدريد أو برشلونة، ودائما بدرجة أقل ..؟، كيف نحكم على سيميوني من خلال كل هذه المفارقات العجيبة؟،
هل هو مدرب تكتيكي تم تصميمه لمضايقة ريال مدريد فقط، أم أنه مجرد مدرب عادي ينتهج علم النفس عندما يواجه ريال مدريد ..؟

خداع بوجهين

دييغو سميوني مدرب أتلتيكو مدريد الإسباني

ثمة سر خفي في تقلبات أداء ومستوى أتلتيكو مدريد، بين القوي أمام ريال مدريد أو برشلونة، وبين غيبوبته أمام الفرق الصغيرة التي يسقط أمامها دون أن يجد نفسه، هذا السر الخطير يكمن في عقلية سيميوني نفسه، ولا أمل في إسقاط قناع الخنوع أمام الصغار، ما لم يخرج سيميوني نفسه من جلباب المقارنات الظالمة مع ريال مدريد وبرشلونة..

عندما يواجه أتلتيكو مدريد جاره ريال مدريد يخرج سيميوني من جعبته أفضل نسخة ممكنة من المدرب الذي يحتاط لكل شيء، فهو يعتبر مواجهة ريال مدريد مباراة الموسم، لهذا تظهر مقدرته العجيبة والفائقة على زرع الثقة في نفوس اللاعبين وعلى إثارة حماستهم، تبدو هذه الميزة عنده مثل جاذبية مغناطيسية، فيظهر كما لو أنه قائد حربي صارم، فهو يمتلك في تلك اللحظات موهبة فن التأثير على اللاعبين ..

كيف يمكننا تحليل نواحي موهبته؟ هل هذه الفلسفة التي يعتمدها أمام ريال مدريد أسلوبا عرضيا أم أنها جزء من شخصيته عند المواجهات الكبيرة ..؟، مرة أخرى يظهر تناقض شخصية سيميوني مع الأتلتيك مرة أو مرتين في العام، فهو فريق كبير جدا أمام ريال مدريد، يقارعه الند للند ويواجهه رأسا برأس، وما إن تنتهي المهمة أمام ريال مدريد بالتعادل في أغلب الأحيان أو الفوز في حالات نادرة جدا، حتى يعود إلى غيبوبة الجرح فيسقط دون سابق إنذار أمام الصغار..

فعلا كما لو أن سيميوني يقتنع بقناع الخداع، فهو دائم التذبذب أمام فرق صغيرة لا يخيفها أسلوب الخداع، كما أنه دائم التجلي والحذر أمام ريال مدريد وبرشلونة، لا يخدع سيميوني جماهير أتلتيكو مدريد بهذا التناقض العجيب في قناعيه (الشرير والطيب)فقط، لكنه في الواقع يخدع ويخادع نفسه طالما بقيت عجلة تفكيره تدور مرة للأمام وعشر مرات للخلف ..


لماذا ريال مدريد بالذات؟

لاشك أن سيميوني يمتلك مقدرة تكتيكية فولاذية تظهر عند مواجهة ريال مدريد فحسب، فمن النادر جدا أن تجد فريقا في أوروبا يلعب بتكتيك دفاعي صارم دون أخطاء سوى أتلتيكو مدريد عندما يلعب أمام ريال مدريد دون غيره، سيميوني هنا تبدو له فلسفة خاصة جدا أمام ريال مدريد، لكن فلسفته تتلاشى كخيط دخان عندما يلعب أمام الصغار، حيث يبدو هنا مثل الغراب الذي قلد مشية الحمام فنسي فيما بعد مشيته، هذا التناقض هل هو مرض مستشري في الفريق أم جنون في القوى العقلية للمدرب الأرجنتيني صاحب المزاج الحاد ..؟

بنظرة خاطفة إلى كتيبة أتلتيكو مدريد سنكتشف أن سيميوني يراهن على العضلات فقط في غياب المخ، وسيتضح لنا أنه لا يتفوق ذهنيا على ريال مدريد إلا لأن الفريق يعرف هدفه ويقر بتواضع قدرات لاعبيه الفنية ..

هذا القناع يسقط للأسف أمام فرق صغيرة من وزن إيبار وخيتافي وغرناطة وسيلتا فيغو وريال بيتس إلى آخر قائمة صغار لاليجا الإسبانية ، لماذا؟، لأن سيميوني يلعب أمام تلك الفرق بعقلية الهجوم وفتح اللعب، فتنهار الاستراتيجية التكتيكية للفريق، ويصبح أمام معادلة مختلة الموازين..

تعاقد سيميوني مع لاعبين لا يمتلكون سوى العقلية القتالية الدفاعية، والاعتماد على ما تيسر من الكرات المرتدة، ليس لفريق الأتلتيك قواعد فنية مؤثرة بحيث يمكنه الرهان على الاستحواذ وتدوير الكرة، مثلا فريق إيبار المتواضع لعب أمام الأتلتيك حسب قدرات لاعبيه، ظل متحفظا لا يجازف، ترك الأتلتيك يبحث عن ذاته طويلا، لكنه كان يلدغ في كل كرة مرتدة، فسجل هدفين وأضاع ضعفهما..

ربما كان الضغط الجماهيري الرهيب على سيميوني سببا في تغيير جلده ونهجه الدفاعي أمام الفرق الصغيرة، هذا لأن جماهير أتلتيكو مدريد ملت من عقلية سيميوني الدفاعية، فهي تريد كرة ممتعة أمام الصغار حتى يتسنى لها إطلاق آهات الإعجاب ولو لمباراة واحدة مع سميوني..

من حق جمهور الأتلتيك أن يسأل: لماذا جلبت الفرنسي توماس ليمار من موناكو برقم مالي كبير ثم تركنه احتياطيا ؟، وطالما أن ليمار متوسط ميدان طرفي فنان لا ينسجم مع الكتيبة الدفاعية التي يحصنها المدرب، فما سر التعاقد معه من أساسه؟، لماذا إذن يتألق سيميوني تكتيكيا أمام ريال مدريد، فينال الثناء والتقدير ؟، المسألة هنا مسألة كرامة تتعدى حكاية التنافس الشرس في ديربي مدريد، مسألة محيرة ربما كان سيميوني نفسه يجهل حلها ..

سيميوني جسرا لمرور الصغار

يفكر سيميوني كثيرا في البناء الهجومي أمام الصغار، فمن وجهة نظره أن أسلوب اللعب أمام ريال مدريد لا يناسب طمعه في النقاط أمام الفرق الصغيرة، ويبدو محقا في ذلك، فهو لو اعتنق نفس طريقة اللعب الدفاعية الخانقة أمام كل الفرق، لانتهت معظم مباراته بالتعادل السلبي، وهو نظام لا يخدم التطلع دوما إلى مزاحمة الغريمين ريال مدريد وبرشلونة ..

ستبقى الإشكالية قائمة عند سيميوني، فالعناصر التي بحوزته لا تقبل سوى التلقين وتنفيذ الأوامر الصارمة في الضغط الرهيب على الخصم والدفاع المتكتل حتى الموت، بمعنى أن مستور سيميوني ينكشف أمام الصغار لعدم وجود قواعد فنية تمارس الإغراء الهجومي بنفس شاعرية لاعبي ريال مدريد وبرشلونة..

يمكن لدييغو سيميوني تطبيق ذلك النهج التكتيكي الممل في دوري أبطال أوروبا، انطلاقا من الدور ثمن النهائي، بل ويمكنه الذهاب بعيدا في المسابقة، على أساس أن قدرات لاعبيه الذهنية والبدنية يمكن أن تصنعا الفارق مع فرق هجومية كبيرة لا تقل هيبة عن ريال مدريد ..

باختصار شديد على سيميوني أن يغسل يديه من بطولة الدوري الإسباني، طالما بقي يلعب بوجهين متناقضين ومتعاكسين، يمكن لسيميوني أن يكون عقبة كبرى أمام ريال مدريد وحتى برشلونة، لكنه سيبقى في نظر الصغار الجسر الذي يمرون عبره إلى مواقع أكثر دفئا في لاليجا الإسبانية، ولا عزاء لدييغو سيميوني ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى