تحليل- أحمد مختار
لماذا لم يعد هناك جيل جديد من المدافعين في المنتخب، بعد ثلاثية كيليني، بارزالي، بونوتشي المعروفة إعلاميا بالـBBC؟ سؤال مفاجئ وُجه إلى جورجيو كيلليني في وقت سابق، ليجيب مدافع إيطاليا وقائد يوفنتوس بهذا الشكل: “بسبب الجوارديوليزمو، ستايل وطريقة بيب جوارديولا في اللعب”.
“جوارديوليزمو دمرت الكثير من المدافعين في إيطاليا، الآن الجميع يريد أن يبني اللعب ولكن لا أحد يعرف كيف يراقب ويعرقل ويقوم بالافتكاك وخلافه،. الأمر أقرب إلى العار، لأن هذه الصفات سمحت لنا بالتفوق في كل مكان، لن يكون لدينا تيكي تاكا، إنها ليست في فلسفتنا”.
لم يعد يطلب من المدافع فقط حماية مرماه من استقبال الأهداف، ومع التطور الكبير في عالم التكتيك وظهور مجموعة جديدة من المدربين، أصبحت الشمولية هي الشغل الشاغل لمعظم الفرق الكبيرة في الدوريات الأوروبية، فالمهاجم بات تقييمه أعقد من مجرد تسجيل الأهداف، ليقوم بالضغط المتواصل على دفاعات الخصوم، بينما زادت قيمة المدافعين الممررين في السنوات الأخيرة لعدة أسباب من بينها:-
1- الهروب من الضغط
في ألمانيا، هناك تقدير مضاعف لخطط 4-4-2 الضيقة، حيث تتحول في الحالة الدفاعية إلى 4-6-0 دون مهاجم، بينما تصبح مع الضغط أقرب إلى 4-2-2-2، وتعتبر هذه الطريقة مناسبة جدا للأندية التي تحاول خنق خصومها في نصف ملعبهم، وتحرمهم من قيمة التحضير من الخلف بأريحية، ويبرع بشدة في هذا المجال لايبزيغ ومن قبله غلادباخ في فترات سابقة.
تكمن أهمية المدافع المتحرك أمام المنافس الذي يلعب بضغط قوي، لقدرته على الهروب بسهولة من مصيدة الضغط، وضرب خطوط الفريق الآخر بتمركزه دون الكرة في الفراغ المتاح، وكراته القطرية من جانب إلى آخر.
2- عودة ثلاثي الخلف
عادت خطط 3-4-3 و3-5-2 إلى الظهور مرة أخرى منذ مونديال 2014، ويستخدم أكثر من مدرب لتكتيك ثلاثي الخلف من أجل ضمان بناء أسرع وهجوم أقوى، ولجأ كونتي إلى ضم عناصر جديدة بالدفاع مع إنتر ميلان على سبيل المثال، لأن المدافع الجديد يساعد المدرب في الرهان على خطة لعب 3-5-2 ومشتقاتها.
3- صانع لعب إضافي
مع تحرك لاعبي الوسط إلى الأمام، يتمحور دور المدافع في القيام بدور لاعب الوسط وصانع اللعب في آن واحد، وخلال فترة يوفنتوس كونتي، حينما يشتد الضغط على أندريا بيرلو، كان ليوناردو هو اللاعب الأساسي في إرسال الكرات الطولية إلى المهاجمين.
تكسر هذه النوعية من التمريرات خطوط المنافس، وتقتل الضغط سريعا، وتجعل اللعب أكثر حيوية، نتيجة قيام كافة الخطوط بالمهام الدفاعية والهجومية معا.
حصل راموس على شهرة إضافية -كمثال- بسبب أهدافه الحاسمة ورأسياته القاتلة، بشكل أكبر بمراحل من دوره الدفاعي.
تحول قائد الريال إلى أيقونة كروية في العاصمة الإسبانية، بسبب صعوده للهجوم، وتمركزه المثالي أثناء الركنيات والضربات الثابتة، رغم أنه بالمقابل يرتكب هفوات قاتلة بالثلث الدفاعي الأول، سواء على مستوى الرقابة أو التغطية أو خلافه، لكن كل هذا مسموح به، طالما أنه يسجل ويجلب نقاطا ويقود فريقه إلى منصات التتويج كما حدث في الشامبيونزليج، ليقدم نفسه كلاعب خلفي عظيم، رغم هفواته الدفاعية في التمركز والرقابة.
المدرسة القديمة في الدفاع ارتبطت بالمدافع المميز في العرقلة، الافتكاك، الحجز، التغطية، القيام بدور الليبرو، هكذا كانت تقييمات أي مدافع، ولهذه الأسباب تعلقت مثل أبناء جيلي، بأسطورة المدافعين، فرانكو باريزي. قلب الدفاع الكلاسيكي هو فيديتش لاعب مانشستر يونايتد السابق، مدافع قوي جدا في المهام والوظائف الدفاعية الرئيسية، لكنه ضعيف بالكرة كذلك لا يسجل أهدافا مثل غيره، لكنه في المقابل لا يسجل ولا يصنع ولا يمرر مثل غيره.
فيرجيل فان دايك واحد من هؤلاء الذين لديهم كل مقومات التكيف مع الكرة الحديثة، سواء بالسرعة، أو التسجيل، أو التمرير، أو البناء من الخلف، لكن مع صبغة قريبة من المدرسة القديمة، في قيادته للخط الخلفي، قوته في الافتكاك والاستخلاص، والأهم ميزته الواضحة في اللعب 1 ضد 1، قليلون جدا من “السوبر ستار” الحاليين في الدفاع، والهولندي أولهم بدون شك خلال الوقت الحالي.
“يمكن أن يكون لديك الكثير من الشغف ولكن إذا لم يكن هناك هيكل وبنية تكتيكية -ستراكشر-، فلن يكون لديك فرصة، تحتاج التنظيم والانضباط التكتيكي والمسافات الصحيحة، هذه هي القاعدة، أب وأم كرة القدم”، والكلام هنا ليورجن كلوب أثناء حديثه مع صحيفة “أتليتك”، التكتيك مهم لا محالة، لكنه لا يجعلك تفوز بمفرده، والمدرب له دور محوري لكنها لعبة النجوم في النهاية، لاعب كرة القدم هو الملك دائما وأبدا.
نجح كلوب في فرض نظام تكتيكي صارم مع ليفربول، وساهم بوضوح في تطور مستوى نجوم التشكيلة الأساسية، مثل صلاح وماني وفيرمينو وغيرهم، حتى فان دايك صار أفضل في الليفر من أيام ساوثهامبتون، لكن هذا المدافع فعلياً يملك كل المقومات القيادية اللازمة، سواء في هدوئه المعتاد أو برودة أعصابه أو عقليته الرابحة في المباريات الكبيرة، ليتحول من مجرد مدافع قوي ومميز إلى قائد حقيقي للفريق.
فيرجيل هو القائد الفعلي لليفربول داخل الملعب، سواء من خلال أرقامه الرائعة في الخط الخلفي، وحمايته لمرماه أمام البرازيلي أليسون، أو حتى مع تمريرات الطولية الكاسرة للخطوط، لكن الأهم من كل ذلك أنه يوجه زملاءه ويضيف عنصر الأمان للبقية، فان دايك يجعل غيره يلعب بشكل أفضل، لأنه يوفر الأريحية الكاملة للجميع، زملائه في الدفاع، الوسط أمامه، ونجوم الهجوم بالثلث الأخير.
تحتاج أية منظومة تكتيكية إلى لاعبين مميزين كي تنجح، وهذا ما أضافه فان دايك لفريق الليفر الحالي، لأنه كان يعاني بشدة على مستوى الدفاع قبله، وأصبح معه أقوى دفاع في العالم بالوقت الراهن، ليساهم في رفع مستوى ماتيب/ جوميز، ويحصل الثنائي أرنولد وروبرتسون على المساحة المطلوبة للانطلاق هجومياً، من الممكن القول بأن فان دايك هو الفارق الحقيقي في نجاحات ليفربول داخل الملعب.