
تحليل – أحمد مختار
قررت إدارة برشلونة بيع البرازيلي مالكوم وإعارة مواطنه كوتينيو بالصيف الماضي، بعد التوقيع مع الفرنسي أنطوان جريزمان. وتعرض لويس سواريز لإصابة قوية في الركبة أنهت موسمه في يناير، قبل أن يفشل النادي في جلب أي مهاجم جديد بفترة الانتقالات الشتوية الأخيرة، ليمارس ديمبلي هوايته المفضلة بتعرضه لإصابة عضلية قوية تحتاج إلى تدخل جراحي، مما جعل كيكي سيتيين مجبراً على التعامل هجومياً بثلاثي صريح، ثنائي أقرب إلى التسعة ونصف “ميسي وجريزمان” مع جناح أيسر عمره 17 سنة، من دون رأس حربة صريح، ولا جناح أيمن على الخط الجانبي من الملعب.
ورغم كل هذا التناقض الإداري الغريب، تبقى عملية الإبقاء على إرنستو فالفيردي بعد الخسارة أمام ليفربول، ثم التضحية بنهائي الكأس أمام فالنسيا، أمر أكثر غرابة، خاصة أن إدارة النادي الكتالوني قررت فجأة إقالة المدرب في نصف الموسم، لتجلب مدرباً جديداً، بدون ظهير إعلامي ولا جماهيري، وحتى لا يحظى بثقة الأسماء الكبيرة في غرفة الملابس، لقد فعل بارتوميو وشركاه أموراً غير منطقية طوال الفترة الماضية، لتنعكس بالسلب في وقت واحد على ما تبقى من الموسم الحالي، دون شك.
من المستحيل الرهان على رسم 3-5-2 من دون ديمبلي. خطة لعب 3-5-2 وأسلوب كيكي سيتيين يعتمدان على الكثافة والسيطرة في منطقة الوسط، من أجل خلق الفراغات في وبين الخطوط، ونقل اللعب من العمق إلى الطرف أو العكس، بحثاً عن اللاعب الحر الهارب من الرقابة، الذي يعرف تكتيكياً بالـ 3rd Man.
في مباراة فالنسيا على سبيل المثال، لم يصنع البارسا أي فرصة بالشوط الأول، وتحول الاستحواذ إلى نسخة سلبية واضحة، لعدم خلق التفوق النوعي والعددي خلف خطوط ضغط فالنسيا، لعدة أسباب أهمهما:
– لا يوجد جناح أيمن قوي في 1 ضد 1، أنسو فاتي لاعب خطورته تكمن داخل الصندوق في ترجمة الفرص إلى أهداف، حتى قوته على اليسار عندما يقطع ويسدد مباشرة.
– لا يوجد لاعب وسط قادر على القطع من الثبات للصندوق، مع نقص لياقة أرثور وسوء مستوى دي يونغ في الميستايا، مما جعل وسط برشلونة يظهر وكأنه على خط واحد، ثلاثي خلف الكرة لا أمامها.
– عاد ميسي كثيراً للوسط رغم وجود 3 لاعبين في هذا المكان، مما جعل العمق الهجومي ضعيفاً، خاصة مع إصابة سواريز وعدم تأقلم غريزمان بعد في المركز 9.

لذلك عاد المدرب مضطراً إلى 4-3-3 خلال المباريات الأخيرة، لكنه سيكون في حيرة من أمره، بالاعتماد على فتى صغير عمره 17 سنة فقط خلال كل المباريات الصغيرة والكبيرة، رفقة ميسي وسواريز، دون جناح مميز في موقف 1 ضد 1 ورأس حربة يخلق المساحات للثنائي ليو وجريزو بالعمق، مما يجعل الوضع صعباً للمنافسة في المباريات الكبيرة محلياً وأوروبياً، خاصة مع ضعف الجبهة اليسرى دفاعياً لسوء ارتداد فاتي وظهور ألبا بشكل كارثي مؤخراً.

خطة أخرى تبدو الحل في المباريات الأوروبية خارج الأرض، بالتحول إلى ما يشبه 4-4-2 دياموند، بتواجد ميسي في أنصاف المسافات يميناً وجريزمان يساراً، وفي العمق فيدال كنصف لاعب وسط ونصف مهاجم، أمام ثلاثي الوسط بالارتكاز ورباعي الخلف بالدفاع، من أجل توفير العمق الهجومي المطلوب، وإضافة لاعب وسط آخر لتركيبة الارتكاز أثناء التحولات في المواجهات المعقدة.
أيضاً هذه الخطة بها عيوب، فهو أفضل كرقم 10 حر، بقلة انعدام خيارات التمرير بالنسبة لميسي، لأن كل زملائه باستثناء فيدال خلفه لا أمامه، مما يجعل الفريق في حاجة ماسة إلى جناح يفتح الملعب عرضياً ويوفر المساحات للاعبي العمق، في ظل ضعف جوردي ألبا ونقص مستواه، وتباين أداء سميدو بين هبوط وصعود.

في تقرير حصري عبر شبكة “الإسبن” الأمريكية، تم إعداد مقارنة مميزة بين مسيرة ليونيل ميسي مؤخراً وليبرون جيمس أيام تواجده مع فريق كليفلاند كافاليرز. يملك ليونيل ميسي وليبرون جيمس الكثير من القواسم المشتركة، لكن كما تعلمون، بخلاف حقيقة أن واحد منهم يبدو وكأنه صُنع من مواد فضائية بشكل إعجازي.
خلال الأدوار النهائية للدوري الأميركي للمحترفين لكرة السلة عام 2015، وفي مواجهة جولدن ستايت ووريورز، حاول كليفلاند كافالييرز الاستفادة من عظمة ليبرون جيمس إلى أقصى درجة. بعد الإصابات التي لحقت بثاني وثالث أفضل لاعبي الفريق، اعتمدوا على تسليم الكرة بصورة أساسية إلى يد ليبرون جيمس مع كل استحواذ هجومي، وتركوه يركض على مدار وقت الاستحواذ، ويختار خطة كل استحواذ بمفرده.
كان الأمر على وشك أن ينجح، حيث تقدم الـ كافالييرز بنتيجة مباراتين مقابل مباراة لصالح الـ ووريورز، ولكن ما تلى ذلك كان منطقياً؛ حيث خسروا الثلاث مباريات المتبقية من سلسلة ست مباريات. ولكن أصبح ليبرون جيمس اللاعب الوحيد في تاريخ الدوري الذي يتصدر سلسلة المباريات النهائية في عدد النقاط، وصناعتها، وكذلك الكرات المرتدة.
كان عمر ليبرون جيمس آنذاك 30 عاماً، وهو نفس عمر ليونيل ميسي في بداية موسم 2017-18، وهو الموسم الذي بدأ فيه ميسي القيام بدور ليبرون جيمس ولكن في برشلونة. تصدر ميسي الدوري الإسباني في تسجيل الأهداف وصناعتها خلال الموسمين الماضيين، وهو أمر لم يفعله من قبل. وفي هذه الأثناء، فاز برشلونة بلقب الدوري الإسباني بفارق 14 نقطة في موسم 2017-18، وبفارق 11 نقطة الموسم الماضي، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها بالدوري بما لا يقل عن 10 نقاط في موسمين متتاليين منذ بداية هذا القرن.

إذا راجعنا الإحصائيات، نقلاً عن تقرير “إسبن”، سنجد أن ميسي خلق حوالي 24 ٪ من فرص برشلونة، بين صناعة للأهداف وتمريرات مفتاحية، في موسم 2017-18. بالإضافة لاعتماد برشلونة عليه أكثر وأكثر لوضع الكرة في المرمى، حيث وصل إلى معدل تسديدات على المرمى بحوالي 39٪، وهي ثاني أعلى نسبة يحققها منذ عام 2010.
وخلال الموسم الماضي، زادت أهمية ميسي كصانع للألعاب بنسبة وصلت إلى 28 ٪، مع احتفاظه بنسبة تسديدات مماثلة وصلت إل 38٪. وإذا جمعنا كلا الرقمين، سنجد أن ميسي شارك في هجمات برشلونة الإجمالية بنسبة وصلت إلى 63٪ و66٪ على التوالي. وهو ما لم يسبق أن حققه ميسي نفسه من قبل، حيث وصل أقصى أرقامه السابقة لنسبة 55 ٪ في موسم 2012-13.
كان ميسي اللاعب الوحيد في الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا الذي بلغ متوسط ثلاثة تسديدات خلال 90 دقيقة على الأقل، ومراوغتين ناجحتين، وأربعة محاولات ناجحة في الوصول للثلث الأخير من ملعب الخصم، بالإضافة لتمريرة حاسمة أو مفتاحية في كل مباراة. وتعتبر هذه الجوانب الأربعة هي الجوانب الأساسية عندما يستحوذ الفريق على الكرة، من حيث قيادة الهجمات في الملعب، وضرب دفاع الخصم، وخلق المحاولات والمساحات، وكذلك التسديد على المرمى. والتي تفوق ميسي في جميعها.
مستوى ميسي الإعجازي مع مساهمة زملائه وأمور أخرى، كلها جعلت برشلونة يفوز باللقب المحلي مرتين، لكنها لم تكن كافية لتحقيق الشامبيونزليج، لأن الأرجنتيني بمفرده لن يجلب هذه البطولة التي تعتمد على التفاصيل واستغلال الأخطاء وعوامل الشغف والحسم والجماعية، ليفشل البارسا أمام روما ثم ليفربول بنفس الطريقة.
الفارق أن الموسم الحالي يبدو أكثر صعوبة، بسبب ما تم ذكره من فشل رياضي حقيقي في فترتي انتقالات، بالإضافة إلى إقالة متأخرة لفالفيردي وتغيير راديكالي في وقت حرج، مع إصابة سواريز وديمبلي لفترات تصل إلى 4 أشهر، دون نسيان العامل الأهم، ألا وهو كبر سن ميسي وانزعاجاته البدنية مؤخراً.
يعاني ميسي مؤخراً من انزعاجات بدنية، يلمس منطقة الفخذ والعضلة باستمرار أثناء المباريات، لا يركض مثل السابق، ولا يجد الدعم الكامل هجومياً، سواء بغياب العمق رقم 9 بإصابة سواريز، أو بقلة الأجنحة لفتح الملعب عرضياً، برحيل مالكوم وإصابة ديمبلي، جنباً لجنب مع قلة التجانس بينه وبين جريزمان حتى الآن، وتداخل تحركاتهما داخل الملعب في بعض الأحيان، كل هذه الأمور تقود برشلونة لموسم قريب مما حدث مع الكافاليرز عند رحيل ليبرون جيمس، حتى وإذا لم يرحل ميسي بعد.
يمكن أن نتذكر ما حدث مع كليفلاند كافالييرز عندما غادر ليبرون جيمس إلى لوس أنجلوس ليكرز، فقبل مغادرته وصلوا إلى النهائيات لأربع سنوات متتالية، ولكن في عامهم الأول بدونه، فازوا بـ 19 مباراة فحسب في موسم يتألف من 82 مباراة. ومع نقص الأسلحة الهجومية حول ميسي وبجواره، وكبر سنه وانزعاجاته البدنية، والتخبط الإداري الواضح في برشلونة، فإن هذا الموسم ربما لن يكون مثالياً، ولا حتى مميزاً، ولا جيداً بالنسبة للكتلان، حيث أن الصفر قادماً لا محالة!