تقرير – أحمد مختار
“من المستحيل أن نخسر، كيف نخسر من الأصل ونحن نضم هذا الفريق الرائع؟ هيا يا رفاق، استعدوا للمتعة داخل الملعب أثناء المباراة وبعدها”، كانت هذه الكلمات أبرز ما قاله يوهان كرويف مدرب فريق الأحلام الكاتلوني في مطلع التسعينات قبل سويعات قليلة من نهائي أثينا الشهير بين فريقه برشلونة وخصمه ميلان بقيادة الإيطالي فابيو كابيلو، إنه النهائي الذي قلب خارطة اللعبة كما وصفه الخبراء.
بعيداً عن القصص والحكايات اليونانية القديمة، فإن عاصمة الإغريق كانت الساحة الكبيرة للمواجهة التاريخية بين فريقين مختلفين في كل شيء، لكنهما يتفقا فقط في القوة والشجاعة داخل المستطيل الأخضر. برشلونة مع الحلم والرومانسية الكروية، بالهجوم المستمر والانتشار إلى الأمام واللعب المبادر، ضد ميلان الذي ينتهج الجانب الآخر، الإغلاق الدفاعي والضغط من المنتصف أو الخلف، واللعب على رد الفعل واستغلال عيوب المنافس.
صحيفة موندو ديبورتيفو الكاتلانية عنونت في صفحتها الأولى بخط عريض، البلاوغرانا سيفوز الليلة لأنه سيواجه أسوأ نسخة من ميلان بيرلسكوني، خوليت وريكارد خارج الفريق، فان باستن مصاب، فرانكو باريزي وكوستاكورتا لن يلعبا النهائي، فابيو كابيلو يواجه صعوبات كبيرة على مستوى الأداء، والروسونيري بعيداً عن ما قدمه سلفه أريجو ساكي، باولو مالديني نفسه أكد بأن فريقه أقرب للخسارة من الفوز.
قوانين الإتحاد الأوروبي وقتها كانت تسمح فقط بمشاركة ثلاثة لاعبين أجانب، يوهان قبل كل مباراة يختار لاعب من بين الأربعة “روماريو، كومان، ستويشكوف، لاودرب” كي يغادر، وفي النهائي قرر استبعاد لاودرب. لا أحد يعلم السبب الحقيقي، هل هو فني فعلاً أم عقاب تأديبي بسبب رفض النجم الدنماركي تجديد عقده، وهل كان هذا القرار السبب في رحيله إلى العدو اللدود ريال مدريد بعد ذلك؟ عموماً، كابيلو أبدى إرتياحه الشديد لعدم مشاركة صانع اللعب العبقري.
بدأت المباراة سريعة بين الفريقين، كرة هنا وكرة هناك، وبعد مرور حوالي عشرين دقيقة وسط سيطرة كاتلونية، ماسارو يهرب من اليسار ويتابع كرة عرضية ليحرز الهدف الأول في مرمى الأحمر والأزرق. لتشتعل المباراة أكثر فأكثر، البارسا يهاجم وميلان يدافع، ليضرب الفريق الإيطالي جبهة برشلونة اليمنى من جديد خلف ألبرت فيرير، وكرة أخرى عرضية، يلعبها نفس اللاعب ماسارو قوية في الشباك معلناً الهدف الثاني في الدقيقة الاولى من الوقت المحتسب بدل الضائع للشوط الأول.
ومع بداية الشوط الثاني وبعد دقيقتين، ديجان سافيسيفيتش يخطف الكرة من دفاع برشلونة على جانب الملعب وقبل عودة زوبيزاريتا إلى مرماه، يلعبها المهاجم الميلاني بطريقة اللوب في الشباك معلناً نهاية المباراة، وتقدم الطليان بالثلاثة. كابيلو لم يصدق ما يحدث أمامه، وكرويف جُن جنونه بينما أكد حارس الكتلان بأنه علم بعد الثالث أن كل شيء إنتهى، وإلى الأبد.
Milan Barcellona 4 a 0
Finale Champions league 93/94
Stadio Olimpico di Atene
18 Maggio 1994Lasciateci il vostro ricordo, I migliori verranno letti durante casciavit 2.0 pic.twitter.com/6ejx5aK0oT
— Milanisti 1899 (@_Milanisti1899_) March 24, 2020
وبعد الثالث جاء الرابع قبل النهاية بنصف ساعة كاملة، ليلعب الفريقان الثلاثين دقيقة الأخيرة كأنها مباراة تحصيل حاصل، ليطلق الحكم صافرته ويفوز الفريق الإيطالي، ويُهدي ماسارو ميداليته الذهبية إلى أسطورته هريستو ستويشكوف مقابل قميص البلغاري الخبير. أفراح في غرفة ملابس ميلان بينما غرفة البارسا أشبه بمكان للموتى، صمت مُطبق وحزن عظيم، ولا أحد يتكلم، وكرويف يخرج دون أي حديث.
اختار كابيلو الثلاثي الأجنبي مارسيل ديسايي، زفونيمير بوبان، ديجان سافيسيفيتش عوضاً عن براين لاودرب، بابين، والروماني فلورين راديشيو، لكن ما جعل مهمة ميلان أسهل هي الأجواء الاحتفالية التي عاشتها بعثة برشلونة. الثنائي بوبان وسافيتيفيتش قدما أداء كبير للغاية في الهجوم، الأول تحرك وأرهق دفاعات برشلونة طوال المباراة، والآخر سجل هدف بديع أنهى اللقاء منذ بداية الشوط الثاني، ولعب هذا النهائي دوراً بارزاً في مسيرة النجمين، لأنهما أثبتا للجميع أن لقب لاعب كبير من حقهم، وقادوا ميلان بعد ذلك لبطولات أخرى وصنعا وسجلا أهداف غزيرة لدرجة تصريح بيرلسوكني الشهير في حق سافي قائلاً، ديجان، أنت عبقري هذا الجيل.
AC Milan 4-0 Barcelona finala #UCL
În 94, dream team-ul Milanului rupea Barcelona lui Cruyff, Guardiola, Koeman, Romario și Stoichkov. La italieni, Răducioiu era lăsat în afara lotului deoarece aveau voie doar 3 jucători extracomunitari. Alături de el erau Papin și Laudrup. pic.twitter.com/hmkZmXCZZA
— Superliga României 🇷🇴⚽️ (@Liga1Romania) March 23, 2020
ميلان دافع بشكل مستميت، الفريق يغلق كافة المناطق نحو مرماه، ويفصل تماماً الثنائي العبقري روماريو وستويشكوف عن بقية زملائهم، أما العمل الهجومي بالكامل بين أقدام ديجا. سافيتيفيتش محّرك ومهندس عمليات الروسونيري الهجومية، يستلم الكرة، يراوغ، يفتح الملعب، يصنع الأهداف ويسجلها. لعب الفريق الإيطالي معتمداً على دفاعه الحديدي وذكاء نجمه ديجان فيما يعرف بالـ Una cosa da Savicevic أو إتجاه ديجان.
ليس إنتصار رياضي فحسب، بل تفوق ميلان الأوروبي وضع بيرلسكوني مالك النادي والسياسي الكبير على لائحة أكبر رجال الدولة الإيطالية. تصويت حاسم في البرلمان يسمح لسيلفيو بتشكيل الحكومة الجديدة، ليبدأ عصر جديد للرجل الذي راهن على الكبير اللومباردي ليضعه على القمة الكروية، ويوضع هو على القمة السياسية، إنها أنجح شراكة ممكنة في حقبة التسعين.
ربما يكون مونديال أمريكا 94 له دخل لأن معظم لاعبي برشلونة توّقع لهم الكثيرون بنجومية الدورة ، هذا حدث بعد ذلك فروماريو وستويشكوف كانا أبرز لاعبي الكأس، ولكن بعد عودة النجوم من الولايات المتحدة، لم يعد معهم البريق المعهود والأداء البديع المعروف عنهم، مما جعلت الأمور تسوء بشكل مضاعف .
متاعب يوهان الصحية بدأت تأخذ منحنى أخطر، معاناة القلب وكثرة التدخين والعصبية الشديدة، كلها أمور عجّلت بالتصادم والرحيل المرير. كذلك جاسبارت نائب نونيز دخل في خلافات عديدة مع الجهاز الفني لفريق الكرة. كرويف وتشارلي ريكساج يختلفان في أمور عديدة، والمصيبة أن الخلافات تصل لوسائل الإعلام بكل سهولة ممكنة.
زوبيزاريتا الحارس الأمين وصديق جوارديولا تم وعده بتجديد عقده لكن لم يحدث شيء، ليقرر في النهاية الرحيل إلى فالنسيا في لحظة أجهش بيب فيها بالبكاء حزناً على وداع رفيقه. ثم جاءت الصدمة الأكبر على الإطلاق، مايكل لاودرب ينتقل، وإلى من؟ ريال مدريد!
In 1994, Michael Laudrup played for Barcelona and humiliated Real Madrid 5-0.
364 days later, Michael Laudrup played for Real Madrid and humiliated Barcelona 5-0. 🤯 pic.twitter.com/RLQRpHNBh8
— Football Tweet ⚽ (@Football__Tweet) September 19, 2019
وإذا كان نهائي أثينا بمثابة القشة التي قصمت ظهر فريق الأحلام، فإن هذه المباراة أعطت قبلة الحياة إلى الكرة الدفاعية من جديد، ليظهر كابيلو بصورة الفارس الجسور الذي أعادها إلى القمة مما جعل معظم أندية القارة وعلى رأسها ريال مدريد تسعى للظفر بخدماته حتى انتقل إلى تدريب فريق العاصمة الأسبانية عام 1996.
من بعدها انطلقت كرة الواقع لتغزو معظم ملاعب أوروبا والعالم، وتكون صاحبة اليد العليا لسنوات متتالية اختفى فيها الخيال وقلّت الأحلام وتراجع زمن الرومانسية الكروية، فقط فريق واحد كسر هذا الجمود!