كتب: محمد الغزالي
في أوروبا يقولون إن “إيطاليا لطالما بنت أمجادها من تحت الأنقاض” عبارة لن تدرك معناها إلا إن تمعنت فيها وفي تاريخ هذا البلد العريق ستجد أنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني إيطاليا التي دأبت تاريخياً على حياة جديدة بعد خيباتها وارتقت شموخاً بعد كل سقوط، في حروبها وفِنائها وفي هندامها وهندستها، انتصاراتها نُقشت بدماء أبطالها، وأسوارها شيدت بتضحيات الرجال.
كذلك هو الحال في كرة القدم فمن رحم المعاناة حققت البطولات ومن غياهيب الظلام أنارت سراج الأمل وسارت بخطى ثابتة على طريق المجد ومعانقة الذهب حتى بنت لها مكانة ثابتة في قمة الهرم الكروي، إيطاليا التي كان آخر تتويج لها في كأس العالم سنة 2006 ،إيطاليا التي انهزمت برباعية في نهائي يورو 2012، إيطاليا التي سخروا منها وقالوا إن دوريها قد انتهى وأن أنديتها أندية الأرشيف والذكريات، إيطاليا التي عجزت عن التأهل لكأس العالم 2018، وضحك العالم وقتها على كل مشجعي الأزوري وقالوا عنهم مشجعي البكاء على الإطلال، إيطاليا التي مزقها المرض وأنهك شعبها، إيطاليا التي تراجعت أنديتها وأخفقت في التتويج بأي لقب قاري على مستوى الأندية منذ 2010..
فقد فيها الجميع الثقة وظنوا أنها لن تعود وتعالت أصواتهم شامتين تنعى الكرة الإيطالية إلى مثواها الأخير قابلتها صرخات الإيمان والتحدي من أولئك الذين اعتادوا على إشعال نار النجاح من رماد الخيبة وحدهم عشاقها عشاق الكالشيو ظلوا أوفياءً لها ولعاداتها الكروية وثقافتها فالعاشقون لا يغيرون معشوقتهم..
نابليون بونابرت الإمبراطور الفرنسي له مقوله شهيرة يذكرها التاريخ ويجسدها الواقع يقول فيها: “لا يمكنك أبداً أن تراهن على موت الطليان لأن عودتهم للحياة من الممكن جداً أن تكون على حساب الحياة التي لم يخسروها من الأساس”، وما بين كارثة 2018 بعدم التأهل لكأس العالم و بين لقب 2021 والتتويج بكأس أمم أوروبا، عليك أن تُدرك عظمة هذا البلد الذي فقد فيه الجميع الثقة وظن أنها ذهبت بلا عودة ولكنها أبت أن لا تعود لتثبت للعالم أن من له تاريخ لا بد أن يعود، ويا لها من عودة كانت في أغلى البطولات القارية بعد بطولة كأس العالم وفي كرنفال كروي أبهر الجميع وجعلهم يتفقون على أنها أفضل نسخة في تاريخ اليورو بل ذهب البعض بمقارنتها بالمونديال بعد الندية التي أظهرتها العديد من المنتخبات وجمالية وغزارة الأهداف التي سجلت وأنها بمثابة كأس عالم على مستوى المنتخبات الأوروبية..
لذلك الختام كان لابد أن يظهر بأجمل حلة وأبهى صورة وليس هناك جمال يفوق جمالية معانقة الكأس الأوروبية للقميص الأزرق السماوي وشرف تتويج الأزوري ببطولة استثنائية اختارت أن تذهب إلى روما من بين كل المدن الأوروبية، تتويج أيطاليا يوضح لنا أن العدل والإنصاف لا زال حاضراً في كرة القدم لبلد قدمت وما زالت تقدم الكثير لكرة القدم وتعتبر جزءاً كبير جداً من اللعبة، خذلها الحظ في كثير من المسابقات عن تحقيق الألقاب ولكنها كانت دائماً ما تعود أقوى مؤمنة بقدراتها على تجاوز العقبات والمحن التي تقف في طريق وصولها للقمم..
منهجها الكروي وأسلوبها الفريد يدرس في معظم الأكاديميات والمدارس الكروية في العالم ولمجرد مشاهدتك أتباع نفس النهج من أي منتخب أو فريق لا إرادياً ومن غير تردد ستقول إن هذا هو التكتيك الإيطالي، لذلك هي الرقم واحد في قارة أوروبا وأي منتخب يسعى لتحقيق إنجاز ما ويصل له سيجد أثار اقدام المنتخب الإيطالي قد سبقته إليه، تحقيق إيطاليا للقب الأوروبي يشعرنا أن كرة القدم ما زالت بخير ، وأن إيطاليا تُهزم في المعارك ولكنها دائماً ما تنتصر في الحروب..