
كتبت- ترياء البنا
كرة القدم هزيمة وفوز، هذا ما يؤمن به الجميع فهي في النهاية مجرد لعبة، ولكنها في بعض الأحيان تكون محيرة، هذا ما حدث مع المنتخب العماني خلال مشاركته الأولى ببطولة كأس العرب، والتي ودع منافساتها من الدور الثاني بعد الخسارة أمام المنتخب التونسي 1/2.
ذهب منتخبنا إلى قطر وحظوظه في التأهل لنهائيات كأس العالم تكاد تكون منطقيا متلاشية، وقد تكون المشاركة في كأس العرب جاءت بهدف الاستعداد القوي لاستئناف التصفيات الآسيوية المؤهلة لمونديال قطر، فتوقعنا أن يحرر برانكو إيفانكوفيتش اللاعبين لمحاولة فرض شخصيتهم بالملعب واكتساب الثقة، ولكنه أصر على أفكاره ولم يحاول تغييرها، واعتمد على نفس التشكيلة 4/4/2، فكيف تكون المشاركة مفيدة؟
شخصيا لا أقتنع بكل ما يقال عقب كل خسارة بأن الفوارق الفنية والخبرات بيننا وبين المنتخبات الأخرى هي السبب الرئيسي، ويجب أن ننسى هذه النغمة لأنها ليست صحيحة، وفي كرة القدم الحديثة لم يعد من العقلانية ترديد ذلك الكلام، كرة القدم تنحني أمام من يريد الفوز ولو كانت القيمة السوقية للاعبين تحدد الفائز لما شاهدنا أندية ومنتخبات مغمورة تقصي أخرى كبيرة من أعتى البطولات.
دخل منتخبنا البطولة بمواجهة العراق الذي يعاني كثيرا، ومع ذلك تسيد أسود الرافدين الشوط الأول بأداء أبهر الجميع، ولكننا كما عودنا المنتخب نحضر في الشوط الثاني، أحرزنا هدفا، وبعقلية لم تعد متواجدة تراجعنا للحفاظ عليه، فكانت النتيجة عودة العراق وخطف هدف في الوقت الضائع، وجاء اللقاء الثاني أمام قطر، والذي دخله لاعبونا وهم على يقين بالخسارة أمام العنابي نتيجة تأصل ثقافة الدونية الرياضية أمام الآخرين، وعلى أرض الواقع تفاجأ لاعبونا بأنهم أمام منتخب ليس بأفضل منهم، عادوا للقاء، ولكن هذه المرة عاندنا الحظ، وتلقينا خسارة، ولكنها إحقاقا للحق غير مستحقة، بسبب خطأ تحكيمي.
ولما كان اللقاء الثالث أمام البحرين مصيريا، ظهرت شخصية اللاعب العماني وحميته وغيرته، كما أيقن المدير الفني أن العقم الخططي لن يفيد فتجرأ وأعطى اللاعبين الحرية، ولعب على جميع الخطوط، فتسيد الأحمر اللقاء وفرض شخصيته في الملعب طوال شوطي اللقاء دون تراجع، مقدما كرة هجومية جميلة، فكانت النتيجة والأداء لصالح العماني، ليسجل التأهل للدور الثاني.
ومع مباراة خروج المغلوب أمام تونس، وارتفاع سقف توقعاتنا لأننا رأينا أداء مقنعا من لاعبينا، أعاد الثقة بهم لدينا، تقهقر الأحمر وعادت ريمة إلى عادتها القديمة، وعاد برانكو لطريقة لعبه التي لم تقدم شيئا للأحمر، وأمام منتخب لم يكن بتلك القوة التي تخيفنا، تونس صعدت للدور الثاني بمعاناة كبيرة وحسمت الصعود في اللقاء الثالث، كما أن المنتخب التونسي لديه مفاتيح لعب معروفة، وهي عناصر عادية ليست تلك التي تنشط في الدوريات الأوروبية، ولو تم غلق المساحات أمام يوسف المساكني والرقابة اللصيقة على سيف الدين الجزيري لما نجحت تونس في الوصول لمرمى إبراهيم المخيني، الذي يلام برانكو إيفانكوفيتش على عدم إشراكه في لقاءات سابقة من باب التدوير بين الحراس، وهي السياسة التي غابت تماما عنه.
وانتظرنا الشوط الثاني على أحر من الجمر، لأننا ندرك بأننا لا نأتي إلا مع الدقيقة 46، على أمل العودة أمام منتخب بدا خائفا مع كل هجمة للأحمر الذي يبدو أنه لم يشاهد لقاء سوريا وتونس، ولم يدرس نسور قرطاج خلال 3 مواجهات بالدور الأول، ونجحنا في العودة للقاء بهدف أرشد، واستبشرنا خيرا بأننا سنواصل ونرهق منتخب تونس، ولكن لم تدم الفرحة سوى دقيقتين وعادت تونس وخطفت الفوز وبطاقة التأهل، بسبب سوء تمركز خط دفاع الأحمر وهي المشكلة التي لم ينجح برانكو في التغلب عليها، حتى ثقافة أن تضع الخصم في مصيدة التسلل لم نشاهدها في قاموس المنتخب أبدا.
قبل اللقاء تحدثت عن المنتخب التونسي، وعن نقاط قوته وضعفه، ولكن أحدا لم يسمع ولم يهتم، فصوت الإعلام لا ينصت إليه أحد، على عكس بلدان أخرى لديها كوادر مهمتها الإلمام بآراء الإعلام في كل صوره، وآراء الشارع الرياضي، ودراستها للاستفادة منها.
أخيرا.. كلمة السر في خروج منتخبنا من كل بطولة قبل مرحلتها الأخيرة، هي الثقة التي حرم منها اللاعب العماني، لأنه حين يمنحها يظهر بشكل مغاير تماما، كما أن الإصرار على نمط لعب معين لم يحقق نتائج إيجابية لن يصنع التطور، في كرة القدم تحتاج إلى الاستقرار أحيانا وتثبيت التشكيل، وأحيانا أخرى يلزمك المجازفة والتجرؤ ومنح الفرصة للاعبين لإظهار أنفسهم، وحينها قد يبهرونك بقدرات لم تتوقعها وتكون ثمرتها التقدم بالكرة العمانية خطوة للأمام وتحقيق نتائج لائقة، تغير منظورا خاطئا بأن الجميع أفضل وأكثر خبرة.