ألمانيا وهولندا.. كرة القدم لا تحمي المغفلين

 

تحليل- يوسف حمدي

في عرف المشجعين تتباين التقييمات، وغالبًا ما تبتعد كل البعد عن الواقع، في عرف المشجعين لن تجد الكثير من التفاصيل، فهناك لقطات أكثر بساطة وحماسية تستطيع خطف الأجواء في لحظة..

من فاز حقق الفوز لأنه كان الأفضل، ومن خسر تلقى الهزيمة لأنه كان سيئًا، ومن فاز كان الأفضل لأنه يمتلك أفضل لاعبين وأفضل مدرب وأفضل ملعب وأفضل جمهور، ومن خسر كان يمتلك النقيض في كل شيء، وددت فقط إخبارك بنوعية المعادلات الجماهيرية التي تحتل العالم حولك عقب أي مباراة.

في مواجهة بين ألمانيا وهولندا حدث السيناريو المحبب للجماهير، بالأحرى اجتمع عدد لا بأس به من السيناريوهات المفضلة جماهيريًا، المنتخب الهولندي يعود في النتيجة في آخر الدقائق، كأول اللقطات التي يحبها المشجعون، أضف إلى ذلك نجاح الحلقة الأضعف في تخطي الأثرياء، وقدرة منتخب هولندا على إقصاء آخر بطلين للعالم على الرغم من عدم امتلاكه للعناصر التي تسمح له بذلك.

وعلى الرغم من كون ما حدث محبب جماهيريًا، إلا أننا سنضطر لإخبار هؤلاء المشجعين أن ألمانيا كانت أفضل، وأن هولندا خطفت تعادلًا بسبب الأخطاء لا أكثر، أية أخطاء؟ هيا بنا نقص الحكاية منذ بدايتها.

تكتيك مُعدل

في حدث غير معتاد لجأ يواخيم لوف إلى اللعب بثلاثة قلوب دفاع في خطة 3/4/3، هوميلس وروديجير وسولي بين الظهيرين كيلر وتشيملز، كيميتش في وسط الملعب هذه المرة رفقة كروس، خلف ساني وجنابري وفيرنير المهاجم الوحيد.

على الناحية الأخرى لم يغير كومان من الـ 4/2/3/1 المعتادة، سوى بثلاثة تعديلات فقط عن مواجهة فرنسا بإقحام الظهير الأيمن تيتي بدلًا من دومفايرس، واستبدال الجناح الأيمن بيرجوين بالشاب بروميس، عدا ذلك، فإن الرسم التكتيكي لم يختلف عن مواجهة أبطال العالم التي انتصرت فيها هولندا قبل أيام، ولكن الاختلاف ظهر هنا في أشياء أخرى غير متعلقة بالرسم والتشكيل.

ساني وجنابري كانا جناحين على الورق فقط، هذا لأن لوف قرر تحرير الظهيرين استغلالًا لتواجد ثلاثة مدافعين في الخلف، وبالتالي فإن الصعود الهجومي لكيلر وتشيملز تبعه بالضرورة دخول جنابري وساني إلى العمق..

الأمر الذي تسبب في فتح الملعب عرضيًا واتساع الرقعة التي من المفترض أن يتمركز فيها لاعبو هولندا، ما جعل عملية الدفاع بالنسبة للطواحين أكثر صعوبة، وما أظهر نقاط الضعف والثغرات المتواجدة في دفاعات منتخب كومان وبين خطوطه.

الوجه الآخر لـ ساني

عادة ما يلعب الجناح المعاصر على عكس قدمه، بمعنى أنه في حال كان أيسر القدم فإنه سيلعب على اليمين والعكس صحيح، وفي حال تم مخالفة هذه القاعدة فإن الاستثناء غالبًا ما يكون لاعبًا يعتمد بشكل رئيسي على سرعته، ينطلق فقط في ظهر الظهير ليرسل كرة عرضية من هنا أو من هناك، أو يطلق تسديدة على المرمى في حال سنحت له الفرصة لذلك.

لهذا السبب تقريبًا رأي لوف أنه لا مكان لليروي ساني في صفوف المنتخب، إضافة إلى احتفاظه بالكرة لأكثر من اللازم بالطبع، ربما لم يدرِ أن للرجل مزايا أخرى سوى حين عاد ميندي من الإصابة، ومارس لافقة مانشستر سيتي هذا الموسم أدوار الجناح كعادته متناسيًا أنه ظهير في الأصل، ليفسح المجال بشكل أكبر لـ ساني من أجل الدخول في العمق، الأمر الذي احتاج لوف كثيرًا من الوقت لكي يدركه رغم أننا جميعًا أدركناه مبكرًا.

مع ضعف الضغط الذي يفرضه لاعبو منتخب هولندا مقارنة بالمباريات السابقة، ومع تأمين دفاعي في الخلف يضمن تحررًا أكبر لأجنحة لوف، تحكم الألمان في سير المباراة بشكل شبه تام خلال شوطها الأول، وفشل كومان في كسر الضغط المفروض عليه مما جعله يلجأ للحيل الدفاعية في معظم أوقات الشوط..

أمور ساعد فيها كثيرًا تمركز ساني وجنابري في العمق وتقدم الأظهرة لتهاجم ألمانيا فعليًا بـ 5 لاعبين، 5 لاعبين ينتشرون عرضيًا في الثلث الأمامي قادرون على إحداث الكثير من الثغرات في أي دفاع بكل تأكيد.

الخريطة الحرارية التي توضح تمركز ساني وجنابري في العمق بشكل كبير – هوسكورد”

الضغط وعبقرية الضغط

صورة للورقة التي أرسلها كومان للاعبيه

للضغط أنواع في كرة القدم، لكن الأهم أن جميعها يولد الأخطاء، وجميعها أيضًا قادر على إعطائك السيطرة والتحكم في نسق المباراة، وتطبيق أي منها بشكل صحيح يعطيك ميزة استرجاع الكرة مبكرًا في حال فقدانها، والتحكم بها حتى وهي بين أقدام الخصم، ذلك بتبعية التحكم في تحركات الخصم نفسه منذ البداية.

الضغط بالكرة يخلق الثغرات ويجعل الخصم في حالة انكماش تسمح لك بتطبيق أسلوبك كما تحب، والضغط بدون كرة يولد الأخطاء ويجعلك تسترد الكرة، مما يجعل الخصم في حالة انكماش وتسمح لك بتطبيق أسلوبك كما تحب، هذا بالضبط ما فعله لوف، وهو نفسه ما جعل هولندا تبدو بحال أضعف مما بدت عليه أمام فرنسا منذ أيام.

في مباراة فرنسا أشاد الجميع بفرانكي دي يونج، وقدرته الهائلة على الخروج بالكرة من الخلف وبناء اللعب، وعلى الرغم من أن دي يونج نفسه تواجد في مباراة ألمانيا، إلا أنه فقد أغلب مميزاته نظرًا لإغلاق مساحات الملعب أمامه، وتواجد الكرة على الطرف في أغلب الأحيان حينما تكون بين أقدام لاعبي هولندا، هذا بالطبع  نظرًا لأن العمق كان مغلقًا بفعل الضغط الذي ذكرناه سلفًا.

الخروج بالكرة من الخلف يجب أن يتبعه احتفاظًا بها بعد إتمام عملية الخروج، الأمر الذي فقد في هولندا نظرًا لغياب اللاعب القادر على الاحتفاظ بالكرة في الثلث الأمامي، فينالدوم ورون ليسا بالجودة المطلوبة لتدوير الكرة، الأمر الذي سيعطل من سير الهجمات، تلك التي لم تكن تشن إلا بين حين وآخر نظرًا لضعف الإمداد القادم من الخلف..

وتخيل عزيزي القارئ أن حلقة الوصل بين خطوط منتخب هولندا والمتمثلة في فينالدوم لم تلمس الكرة إلا 17 مرة فقط، في الوقت الذي وصل فيه عدد لمسات سيليسين حارس مرمى الطواحين 32 إلى لمسة، ومانويل نوير حارس ألمانيا 42 لمسة للكرة، هل هناك دليل أوضح من ذلك على ضعف الإمداد؟

حين انقلب كل شيء

بين كل ما تم ذكره، سارت الأمور بتفوق كاسح لمنتخب ألمانيا، هدفين مقابل لاشيء كادا أن يتسعا لأربعة أو خمسة لولا سوء الحظ من ناحية، والرعونة من ناحية أخرى، وبعض الصلابة في دفاعات الطواحين وحارسهم من ناحية ثالثة، وفي لحظة تنازلت ألمانيا عن كل ذلك..

ومع كامل الاحترام لما فعله كومان ولاعبيه، وللقراءة الصحيحة له فيما تبقى من المباراة، إلا أنه وجب التنويه بأن ألمانيا خسرت فوزها بمحض إرادتها، بمحض إرادة مدربها لوف بالأحرى.

جنابري وساني يخرجان ويدخل مولر وجورتسكا، الثنائي الأكثر خطورة وتحركًا في صفوف ألمانيا يتم تعويضهما بلاعبين أقل سرعة وقدرة على فرض الضغط، ليتحول الضغط من هذه الناحية إلى تلك..

ويجد لاعبو هولندا متنفسًا للخروج بالكرة والتقدم الهجومي، مما نتج عنه اللقطة الأشهر في المباراة بتحويل فان دايك إلى مهاجم ثاني، وذلك من خلال ورقة تعليمات أرسلها له مدربه كومان بعد تبديلات لوف غير المفهومة.

في مانشستر يونايتد يتحول مروان فيلايني إلى مهاجم ثانٍ في كل المرات التي يحاول فيها مورينيو العودة في النتيجة، وفي ريال مدريد يفعلها سيرخيو راموس كثيرًا، من البديهي استخدام لاعب طويل القامة أو مميز في التسجيل بالرأس داخل منطقة الجزاء فيما بعد الدقيقة 80 في حال البحث عن هدف، الأمر لم يكن جديدًا، ولم يكن بالتعقيد الذي يتخيله البعض، كل ما في الأمر أن عدسات الكاميرا التقطت ورقة التعليمات، وأن اللاعب الذي تلقى الورقة سجل هدفً الحسم في المباراة..

والجدير بالذكر أنه في حال حدث السيناريو المعاكس وتلقت هولندا الهدف الثالث بدلًا من إحراز التعادل لتعرض كومان إلى الكثير من الانتقادات، ولتحدث البعض أن التعادل كان قادمًا لولا ذلك التعديل، ربما لو لم يتراجع لوف عن حالة الضغط لما حدث كل ذلك، ولكن بالطبع لا داعي لذكر هذه التفاصيل لأن المشهد الذي حدث كان سينيمائيًا بامتياز.

بالتأكيد كرة القدم لا تحمي المغفلين، ذلك في الحالات التي يسود فيها العدل فقط، وما حدث في ليلة الاثنين كان عادلًا بامتياز، هولندا كانت أفضل من الجميع على مدار المنافسة كاملة، واستحقت أن تعطى بطاقة التأهل بناء على مباراة فرنسا التي قدمت فيها درسًا كرويًا أدهش الجميع.

وبكل تأكيد استحقت ألمانيا الخروج بهذا الشكل، واستحق لوف أن يُسرق أمام الجميع لأنه تخلى عن صوابه بلا مبرر، واستحق توماس مولر الخروج مطأطئ الرأس، لا أعلم لماذا مولر بالتحديد ولكنه بالتأكيد يستحق ذلك دومًا في السنوات الأخيرة، ربما ليدرك أن هونيس ليس موجودًا هنا ليلعب أساسيًا بالقوة، أو ليعلم أن الحياة بدون حماية مؤلمة، مؤلمة حقًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى