تقرير- محمد عصام
البداية منذ عقد من الزمان، مع هذا المراهق الذي تبرز عظامه من وجهه وجسده النحيل، القادر على تخطي كتيبة دفاعية بأكملها، وتسجيل هدف يحصل على جائزة “بوشكاش” لأفضل هدف عام 2011 تحت أنظار نجوم عالمية تتألق في سماء أوروبا.
الساحر الصغير الذي قاد سانتوس للقب الكوبا ليبرتادورس، ولعب في كأس العالم للأندية ليحوز على لقب الوصيف مع ناديه، وجائزة أفضل لاعب شاب في البطولة.
وصل أيضاً حين كان منتخب بلاده يتجه نحو نفق مظلم، أرض البرازيل الخصبة التي لطالما أنتجت مواهب وفيرة كوفرة محصول أشجار “البن” مرت بفترة جفاف غير معتادة، حيث جيل لا يملك نفس بريق من سبقوه، ليظهر نيمار، وتنعقد الآمال عليه في بلد يقدس شعبها المستديرة، ليلبي النداء بفضية أولمبياد لندن 2012، ثم ذهبية كأس العالم للقارات 2013 ضد نجوم إسبانيا، في إنجاز كان كفيلاً بترسيمه بطلاً للبلاد.
نظرة على العام 2019، وعلى نيمار صاحب السبعة وعشرين عاماً، الوقت الذي يتمتع فيه معظم اللاعبين بقمة نضجهم وإنجازهم الكروي، لكن على النقيض، يقف نيمار في مفترق طرق، بين سخط واقع عليه من شريحة لا بأس بها من جماهير اللعبة، ومستقبل لا يتوافق مع الماضي المذكور.
في البداية، أخلف البرازيلي موعد تدريبات فريقه استعداداً للموسم الجديد، مع رغبة معلنة في الرحيل، وقبلها عقوبة في دوري أبطال أوروبا لتعليقات أطلقها بعد خروج فريقه من البطولة في الموسم السابق.
أما على المستوى الدولي حيث أحبه الجميع، فقد سحب مدرب السامبا “تيتي” شارة القيادة منه نتيجة للعديد من السقطات الأخلاقية، ثم فاته انتصار بلاده بالكوبا أمريكا على أراضيها للإصابة، فيما دعم ادعاءات أن الجيل الحالي للبرازيل قادر على المضي قدماً سواء معه أو بدونه.
الجميع يعلم الأحداث بين هذا وذاك، فترة استقرار نسبية في برشلونة حيث قدم أفضل مستوياته على الإطلاق، ولكن حتى داخل أسوار النادي الواحد، لم يتوانَ عن إثارة الجدل، حتى الرحيل في النهاية بالصورة المشينة التي شهدناها، مع رفع قضية تعويض على النادِ الذي احتضنه في سنوات النضج.
ها قد وصلنا إلى حيث أثقل الندم قلبه، واعتصرته الحسرة، باحثاً عن تقديم كل صكوك الغفران للعودة بجانب أصدقائه في برشلونة. بالنسبة لنادٍ آخر، ربما كان ملف عودته مجرد درب من الخيال، وربما كانت هذه الفرصة الأفضل للتشفي من لاعب أخلف وعوده، وأهان النادي إهانة بالغة الضرر.
ولكن حيث تتحرك كل الأندية الطموحة للأمام، برشلونة تحت إدارة بارتوميو تسبح في مياهها الراكدة، وتفكر جدياً في تقديم قارب نجاة أخير لمسيرة نيمار، في حين لا يقترب البرازيلي ولو من بعيد من أن يكون حلاً لنواقص برشلونة الحالية، عملية يعلم الجميع من المستفيد الأكبر فيها.
صفقته المقدرة ب200 مليون باوند نحو باريس مازالت تخيم آثارها المشعة على أسعار السوق، ومن الأسباب الرئيسية في تضخم الأسعار والرواتب الذي نعيشه، وحالياً يبحث نيمار مجدداً عن مخرج بتكلفة مماثلة لإقناع الباريسيين بتركه.
هذه الأسعار الفلكية التي يحملها البرازيلي حيثما ارتحل غير قادر على تحمل عبئها المادي أي نادٍ، حتى برشلونة الذي يفكر جدياً في فتح أبواب العودة ستمر صفقته عبر حسابات معقدة في المكاتب الداخلية لتجنب تخطي قانون اللعب المالي النظيف، فأمسى نيمار تلك الجوهرة ذات القيمة الثمينة للغاية لدرجة أن أحداً غير قادر على تحمل تكلفتها، فينتهي الأمر بها في الأخير بلا قيمة.
ربما كانت عودة نيمار مبررة لو كان مثالاً يحتذى به في الاحترافية والانضباط، كتلك الأصوات الخافتة التي تنادي بعودة كريستيانو رونالدو لصفوف الميرنجي، لكن يمكن القول أن نيمار الذي ظهر منذ حوالي عشر سنوات هو نفس نيمار الحالي، لم ينضج بمرور الزمن أو يتعلم كيفية تحمل مسئولية قراراته، وتطوير مسيرته بالشكل اللائق.
لم يشكك أحداً قط في جودة اللاعب، لكن من المستبعد أن النسخة الحالية سوف يطرأ عليها أي تغيرات، بل على الأرجح هي الشكل النهائي لشخصيته، بما فيها من حقيبة مثقلة بالمشاكل، والانفعالات داخل وخارج الميدان، والتساؤلات الآخيرة حول حالته البدنية، واحتمالية معاناته من إصابة مزمنة؛ لذلك الرهان صعب، ولكن من الواضح أن العائد المنتظر بالنسبة لإدارة برشلونة يستحق تحمل جميع العيوب والتجاوزات السابقة.
* تقرير مترجم عن: elartedf