تقرير- محمد عصام
هل يمكن لشخص الجمع بين التفوق الرياضي والدراسة التخصصية؟ سيظل هذا التساؤل الأبرز الذي يتبادر في أذهان جميع الرياضيين وعائلاتهم؛ ولكن دعني أخبرك أنه ليس عليك الاختيار بينهما بعد الآن.
وفقاً لدراسة أجراها دكتور دافيد لافاللي في جامعة أبيرتاي بسكوتلندا، فقد أثبت أن الرياضيين القادرين على التوفيق بين مسيرة احترافية، ودراسة تأهيلية لحياة ما بعد الاعتزال هم الأفضل والأطول أداءاً في الملاعب؛ وهذه الدراسة أجريت على عدد 632 لاعباً في دوري أستراليا للرجبي، وعلى مدى ثلاث سنوات.
جاءت نتائج ذلك البحث كجزء من حملة النقابة الدولية للاعبي كرة القدم المحترفين FIFPro تحت عنوان Mind The Gap أو “احذر الفجوة”، والتي تهدف إلى مساندة لاعبي كرة القدم للاستعداد للحياة العملية بعد التوقف عن ممارسة اللعبة.
تطور العملية التعليمية للاعبين في كل قارة
تؤكد الإحصائيات التي أجرتها النقابة أن لاعب كرة القدم المحترف يعانِ من الكساد المادي والمعنوي بعد اعتزال اللعبة؛ مما يتسبب في فجوة واضحة لاحقاً؛ حيث يميل 13% فقط منهم لتلقي تعليم مهني حقيقي بعد مرحلة الثانوية، مقارنة بنسبة 53% من الذكور في الاتحاد الأوروبي، وذلك لفرض أجواء اللعبة ضغطاً على اللاعب للسير وفق نسق صارم للوصول إلى مستوى النخبة فيها.
على النقيض، فالبيئة الأقل تأثيراً في الكرة النسائية تدفع 46% منهن نحو السعي للتجهيز للمستقبل ما بعد الاعتزال؛ لذلك أصبحت هذه القضية تؤخذ على محمل الجد حالياً.
فيما يلي سنستعرض بعضاً من النماذج المختلفة لرياضيين استطاعوا التنسيق بين موهبتهم الكروية، وحياتهم المهنية، وأثبتوا أن التعارض بينهما ما هو إلا خرافة تناقض الواقع تماماً.
جورجيو كيلليني
الإيطالي صاحب الخمسة وثلاثين عاماً، وبجانب براعته في الميدان، تخرج في عام 2017 من جامعة تورين بماجستير في إدارة الأعمال، وجاءت رسالته تحت عنوان “نموذج يوفنتوس في إدراة الأعمال على المستوى الدولي”.
يؤكد صاحب السبعة ألقاب سيري آ المتتالية أن دراسته قد جعلت منه لاعباً أفضل، وقللت كثيراً من الضغط الملقى عليه قبل المباريات الهامة.
فينسنت كومباني
يصفه زملاؤه بفصاحة اللسان، وسعة المعرفة مما رشّحه ليكون قائداً لفريق مانشستر سيتي لسنوات عديدة، وربما يرجع ذلك إلى دراساته لعدة سنوات في جامعة مانشستر للأعمال، وحصولة على درجة في إدارة الأعمال آخيراً عام 2018.
افتتح كومباني مشروعه الخاص في موطنه، لكن سرعان ما أغلقه بعد عام واحد فقط، وصرّح عن ذلك : “الدرس الأول في إدارة الأعمال: الاستثمار مخاطرة، يمكن أن تربح في بعضه وتخسر في البعض الآخر”. كلمات لا تخرج سوى من أفواه شخص على قدر كبير من الثقافة و المعرفة.
فرانك لامبارد
تختلف قصة لامبارد قليلاً عن الإطار الدراسي، لكنها تتفق في عملية ربط العقل والإبداع بالتفوق في اللعبة أكثر من التفرغ التام لتطوير القدرات البدنية.
ففي عام 2009، دخل فرانك في امتحان لقياس مستوى الذكاء تابعاً لشركة مينسا Mensa المتخصصة في إجراء هذه الاختبارات، وحقق، وفقاً لطبيب تشيلسي برايان إينجليش، واحدة من أعلى النتائج المسجلة في تاريخ الشركة.
كتب لامبارد أيضاً سيرته الذاتية بعنوان “فرانك بالكامل Totally Frank”، تلاها بمجموعة ناجحة من قصص للأطفال عن لاعب يدعى فرانكي، ومغامراته الساحرة مع كرة القدم.
الحارس الفنلندي بيتر إينكليمان
نموذج يختلف قليلاً عما سبق هو الحارس بيتر إينكلمان، حارس فنلندا ونادي أستون فيلا السابق، والذي يعبّر عن ندمه الشديد لعدم إعداده العدة لمسيرته ما بعد كرة القدم.
“إنها عقلية سائدة في غرفة الملابس، ما بين سن 17 حتى 36 عاماً أنت لا تفكر في المستقبل. فبمجرد الدخول لعالم كرة القدم، تنسى كل ما يتعلق بالتعليم” كانت كلمات على لسان إينكلمان الذي يعمل حالياً في شركة خدمات توصيل DHL بفنلندا.
وانطلاقاً من الحملة السابق ذكرها، فقد بدأت العديد من اتحادات اللاعبين في توظيف بعضاً من الكوادر للاهتمام بمتابعة لاعبي كرة القدم تحت اسم مدراء تطوير اللاعبين Player Development Manager (PDMs)، لمساعدتهم في تجهيز أنفسهم للمرحلة القادمة، بدلاً من الخروج لتحسس عتبة الوجود بلا يد عون.
تختص تلك الوظيفة بتحديد صفات كل لاعب، ومؤهلاته في سوق العمل، مع توفير قاعدة بيانات بسيرة ذاتية لكل منهم، والأدوات المتاحة تطويرها.
أحياناً ننسى أن لاعبي كرة القدم هم بشر مثلنا، وأن سن الاعتزال، مابين 35-40 عاماً عادة، رقم صغير في الحياة الإنسانية خارج الرياضة؛ لذلك فإن هذا النهج الشمولي في تخطيط مسار حياتهم سيؤثر إيجابياً على نظرتنا لكرة القدم، وعلى مستقبل كل منهم.